تشهد الساحة السياسية والحزبية الإسرائيلية حراكاً مكثفاً بين مختلف الأحزاب والقوى السياسية والبرلمانية التي تخوض سباقاً مع الزمن، لإقامة حكومة إسرائيلية جديدة، تبدو وكأنها "عملية قيصرية"، لأنها تشهد مخاضاً عسيراً، في ظل مكونات حكومة متناقضة.
يزداد الأمر حرجاً مع اقتراب نهاية فترة تفويض الرئيس الإسرائيلي التي منحها إلى يائير لابيد، زعيم حزب "يوجد مستقبل" لتشكيل حكومته، ورغم أن مهمته بدت مستحيلة في بداية التكليف، إلا أنه نجح أخيراً في تجميع "كوكتيل" غير مسبوق من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، كي يشكل حكومة تحظى بأغلبية ضئيلة، بالكاد تتجاوز 60 مقعداً، كي تحصل على مصادقة الكنيست.
وفي الوقت الذي ظهر فيه رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو بمظهر الغاضب والناقم على هذه التشكيلة التي تطيح به من رئاسة الحكومة، تدور تساؤلات كثيرة حول مدى إمكانية تشكيل هذه الحكومة، وفرضيات استمرارها، وحاجتها للقائمة العربية كي توفر لها شبكة أمان برلمانية، وبالطبع، ما هو مستقبل بنيامين نتنياهو، وما هي الأسباب الحقيقية التي دفعت نفتالي بينيت زعيم حزب "يمينا" للانقلاب على نتنياهو، والتوجه إلى خصمه اللدود "لابيد"، وكيف سينعكس تشكيل هذه الحكومة الضيقة على العلاقة مع الفلسطينيين، لا سيما ملفات القدس والمستوطنات وغزة وإعادة الإعمار؟
التوحد ضد نتنياهو
مؤمن مقداد، محرر الشؤون الإسرائيلية في فضائية الأقصى قال لـ"عربي بوست" إن أغلب القوى الإسرائيلية التي ترى نفسها في حالة عداء مع نتنياهو تسعى بجد إلى تشكيل أي حكومة لا تكون برئاسته، لأن هناك شيئاً واحداً يوحدها فقط، وهو استبداله والإطاحة به وطي صفحته السياسية، من خلال ما بات يعرف في الأوساط الإسرائيلية بـ"حكومة التغيير".
يأتي هذا الاتحاد رغم أنه من ناحية الأفكار الأيديولوجية والتوجهات السياسية، فإن هناك خلافات واسعة بين المتحالفين، قد تهدد بقاءها واستمرارها فترة طويلة من الزمن.
وأضاف أن حزب "يمينا" الذي يقوده بينيت، ويتوقع أن يترأس الحكومة الوليدة في أول عامين، ثم يخلفه لابيد، يعتبر من الأحزاب الأكثر تطرفاً في الساحة السياسية الإسرائيلية، لكن مصلحته جمعته مع أقصى اليسار وهو حزب "ميرتس"، فقط من أجل قطع الطريق على نتنياهو.
القائمة العربية وتحديات البقاء
لكن هذا لا يعني أن الأمور انتهت إلى هنا، فما زالت هناك عقبات تحول دون إعلان هذه الحكومة، لأن لابيد لم يتمكن من إقناع كافة الأطراف بالدخول في شراكة معه.
وأوضح أن شبكة الأمان البرلمانية المتوقعة للحصول على ثقة البرلمان ليست مؤكدة من قبل النواب العرب وليست مضمونة على كل الأحوال، لأن بينيت لا يخفي مواقفه اليمينية المتطرفة تجاه تنفيذ عدوان جديد ضد غزة، أو الشروع في تنفيذ خطة الضم في الضفة الغربية.
لذلك فإننا أمام حكومة قد تبدو للوهلة الأولى أنها "مشوهة"، ولن تستطيع إكمال طريقها؛ لأن الأفكار والتوجهات داخل مكوناتها مختلفة، وفي هذه الحالة، وإن لم يكتب لها البقاء، فمن الواضح أن الأمور ستذهب إلى انتخابات خامسة في الخريف المقبل.
يواجه يائير لابيد الذي يقود مشاورات تشكيل الحكومة مهمات صعبة في إقناع النواب العرب بمنح حكومته غطاء دستورياً وبرلمانياً في الكنيست كي يحصل على مصادقته، لكنهم يجدون إشكالية جدية في أن يمنحوا ثقتهم لحكومة تضم نفتالي بينيت، وأفيغدور ليبرمان زعيم حزب "يسرائيل بيتنا"، مع العلم أن النواب العرب كالعشرات من النواب الإسرائيليين اليهود، يدعمون أي خيار يرفع شعار "إسقاط نتنياهو"، ولو تمثل ذلك بأن يدعموا الحكومة من الخارج، دون أن يكون لديهم أي وزير عربي فيها.
التشكيل ممكن والاستمرار صعب
في السياق ذاته، فإن الأحزاب اليهودية، بينها ما بينها من تباينات وتناقضات لا تخص الفلسطينيين فحسب، بل مسائل تتعلق بشؤون الدولة ذاتها، مثل الخدمة العسكرية والقضاء والتعليم والموازنات والتعيينات في السلك الحكومي، ولذلك فإن انخراط مختلف هذه الأطراف في هذه الحكومة لن يذيب مشاكلهم وخلافاتهم.
عماد أبوعواد، الباحث في مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي، قال لـ"عربي بوست" إن هذه الحكومة قد تقوم نظرياً على الورق، لأن احتمال تشكيلها واستمرارها أمر صعب، وصعب جداً، وقد كان الترجيح حتى اللحظات الأخيرة أن يفشل لابيد في مهمة تشكيل الحكومة، ويعود التكليف من جديد إلى نتنياهو، أو الدعوة إلى انتخابات خامسة مبكرة.
وأضاف: "هذا السيناريو الذي نناقشه الآن كان مستبعداً جداً، ولكن يبدو أنه سيتحقق في المرحلة المقبلة، وهذه إحدى خصائص الحالة السياسية الإسرائيلية التي تقدم مزيداً من المفاجآت غير المتوقعة".
وأشار إلى أن "ما يجمع كل هذه الأحزاب المنصهرة في الحكومة الجديدة هو عدم الثقة في نتنياهو، ومحاولة التخلص منه، حتى إن معسكر اليمين الذي شكله بات يشهد حالة من الانقلاب ضده؛ نظراً لعدم ثقتهم في ما يصدره من وعود وتعهدات، ولا يلتزم بها".
من المتوقع أن يظهر المشهد الإسرائيلي المتوقع في حال تم إعلان الحكومة الجديدة بصورة غير مسبوقة، فهذه الحكومة تجمع بين دفتيها أحزاباً من اليمين واليسار والوسط، أما المعارضة فستتكون من أحزاب اليمين أيضاً، وهو مشهد برلماني وحزبي لم يتكرر كثيراً في سنوات وعقود سابقة في إسرائيل.
مستقبل نتنياهو
وأوضح أبوعواد أن الحديث عن مدى صمود هذه الحكومة، وقدرتها على تجاوز خلافاتها الداخلية، وتبايناتها الأيديولوجية مرهون بنجاحها في التخلص من نتنياهو من المشهد الإسرائيلي، والإطاحة به كلياً، رغم أنه لا يبدو مستسلماً لهذا الواقع، بل إنه سيظل في رئاسة الليكود، وقد يعود للانتخابات القادمة بعدد كبير من المقاعد، إلا إذا حصل تمرد داخلي عليه من خلال اندلاع حرب الوراثة لخلافته.
وبحسب مواقع إسرائيلي، فإنه من النتائج المتوقعة لإعلان هذه الحكومة، في حال رأت النور فعلاً، أن نتنياهو قد يواجه انتقادات قاسية من داخل بيته الليكود ومعسكر اليمين بأسره، لأنه أفقدهم السلطة وقيادة الدولة مقابل مصالحه الشخصية، وفي هذه الحالة سوف تخرج خلافات كبيرة داخلية، ستلقي باللوم على نتنياهو، وهناك احتمال أن يقع انشقاق في معسكر اليمين، الأمر الذي قد يسفر عن تحالفات حزبية جديدة، ربما لم تتكرر سابقاً، نابعة من الأساس من ولاءات شخصية وليس توافقات أيديولوجية.
باروخ لاشيم، المحاضر بقسم السياسة والاتصال بكلية هداسا، قال في صحيفة يديعوت أحرونوت إن صورة نتنياهو، تراجعت كثيراً في الآونة الأخيرة سواء بسبب آثار حرب غزة أو المشاورات الإسرائيلية الداخلية لتشكيل حكومة بديلة، مما يدفع مجدداً للبحث عن خليفة له داخل حزبه، مع قرب انتهاء ولايته، وإمكانية أن يشهد الليكود ظهوراً لـ "بورصة" المتنافسين لخلافته، وتتركز بين يسرائيل كاتس ونير بركات وآفي ديختر.
وفيما أعلن يسرائيل كاتس وزير المالية أنه عرض على نتنياهو إجراء انتخابات لقيادة الليكود لاختيار رئيس جديد للحزب، في مسعى لمنع تشكيل حكومة تغيير باتت وشيكة الإعلان، ويتضمن المقترح أن يتم انتخابه محل نتنياهو كرئيس للوزراء لعام واحد، مما سيسهل تشكيل حكومة يمينية، ومنع تشكيل حكومة تغيير.
رئيس مركز الهدهد للدراسات الإسرائيلية سعيد بشارات قال لـ"عربي بوست" إن احتمال أن تتشكل هذه الحكومة ضعيف جداً، وليس واضحاً بعد، لأن المشاورات ما زالت في ذروتها، بين شد وجذب، والأحزاب تقدم مطالبها وشروطها.
وأضاف أن اللافت أكثر في المشهد الإسرائيلي، ورغم أننا نقترب في أي ساعة من الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة، لكن نتنياهو ما زال قادراً على التأثير في مجريات تشكيلها؛ لأنه سوف يقاتل حتى اللحظة الأخيرة، وهو يخطط للبقاء في حزبه، والذهاب للمعارضة، ومن هناك سيشن حرباً شرسة على هذه الحكومة الهشة والضعيفة، التي لا تقوم على أسس متوافقة، بل تحمل هدفاً واحداً ورئيسياً وهو التخلص من نتنياهو بأي شكل.
الحكومة الجديدة والملفات الفلسطينية
على صعيد العلاقة مع الفلسطينيين، يصعب الحديث عن قدرة هذه الحكومة، في حال أعلنت، على اتخاذ سياسات بعيدة المدى تجاه الملفات العالقة معهم، لا سيما القدس، فهناك خلافات داخل مكونات هذه الحكومة حول الموقف منها، سواء توحيدها تحت السيادة الإسرائيلية كما يطالب بينيت ورفاقه، أو تقسيمها مع الفلسطينيين كما يتحدث حزبا أزرق-أبيض وميرتس.
أما الاستيطان، فمن المتوقع أن يشهد توافقاً حوله، ولكن ليس في كل المناطق الفلسطينية، خاصة في الضفة الغربية، لا سيما في ظل وجود إدارة أمريكية ترفض تغيير الواقع القائم، وتسعى لافتتاح مسار تفاوضي جديد بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وعند الحديث عن موقف هذه الحكومة من غزة، فقد خرجت إسرائيل من عدوانها الأخير وهي تشعر بحالة من العجز عن الإطاحة بحماس، مما سيمنح الجيش اليد الطولى في ترميم قدراته، والتحضير لجولة جديدة، بعيداً عن الاستقطابات الداخلية في المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي.
مع العلم أن الساحة الفلسطينية في ظل هذه الحكومة الإسرائيلية التي تشهد ولادة متعسرة، قد تعيش حالة من الجمود السياسي في الضفة الغربية، بسبب عدم القدرة على الدخول في مسار تفاوضي مع السلطة الفلسطينية، نظراً للخلافات الداخلية بين مكونات الحكومة الإسرائيلية حول القضايا الكبيرة.
وفي غزة قد تأخذ المقاومة استراحة محارب، لأن الحكومة المقبلة لن تستطيع الذهاب إلى مغامرات عسكرية واسعة، بسبب ضيقها، وعدم حيازتها صلاحيات واسعة.