بعد أزيد من ستة أشهر على وجوده في المغرب، لم يتمكن دافيد غوفرين، السفير الإسرائيلي في المغرب، من الحصول على مقر لبعثته، وهو الموضوع الذي يعتبر واحداً من المسائل الخلافية بين الرباط والكيان الصهيوني.
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" فإن إسرائيل وإلى الآن فشلت في إيجاد مقر رسمي يؤوي ممثلها في المغرب، بعدما رفضت الرباط أن تحظى تل أبيب بأكثر من مكتب اتصال، كما هو مدون في اتفاقية "التطبيع" بين البلدين.
وأضافت المصادر نفسها أن إسرائيل تعيش نفس سيناريو فيلم "السفارة في العمارة"؛ إذ رفض سكان مجموعة من أصحاب الإقامات السكنية في العاصمة الرباط إقامة القائم بأعمال مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط معهم، كما أن ملاك بعض الشقق الفاخرة رفضوا تأجير منازلهم للبعثة الإسرائيلية.
دافيد غوفرين يحرص منذ وصوله إلى المغرب على تقديم نفسه اسماً دائم الحضور في الأخبار، وذلك من خلال اعتماد سياسة ترويجية مبنية على التعاقد مع كبريات المؤسسات الإخبارية في المغرب من أجل تغطية تحركاته.
قائم بأعمال دون مكتب
عملت "عربي بوست" من مصادر متطابقة أن المغرب وإسرائيل لم يحسما بعد الخلاف بشأن مقر ممثلية تل أبيب بين الطرفين، الأمر الذي يقضي ببقاء القائم بأعمال مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط بدون محل إقامة، على غرار باقي سفراء وممثلي الدول المعتمدين في الرباط.
وتابعت مصادر "عربي بوست"، أن واحداً من الملفات الخلافية بين الرباط وتل أبيب، هو مكتب القائم بأعمال الاتصال في المغرب، إذ تحرص الرباط على تطبيق ما صدر عن الديوان الملكي في بلاغ عودة العلاقات خلال شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وكان بلاغ الديوان الملكي المغربي قد أفاد بـ"تطوير علاقات مبتكرة في المجال الاقتصادي والتكنولوجي. ولهذه الغاية، العمل على إعادة فتح مكاتب للاتصال في البلدين، كما كان عليه الشأن سابقاً ولسنوات عديدة، إلى غاية 2002″.
وشددت المصادر على أن "من مقتضيات الالتزام المغربي تجاه الإدارة الأمريكية، هو العودة إلى وضعية (مكتب اتصال)، وهو ما قامت به الرباط التي احتفظت بنفس المكتب منذ سنة 2002 إلى اليوم".
وزادت المصادر أن إسرائيل طالبت الرباط بمكتب آخر يتناسب مع الأوضاع الجديدة، غير أن المغرب ظل متشبثاً بموقفه فيما يتعلق بإعادة مكتب الاتصال بما في ذلك المقر القديم".
وأضافت المصادر نفسها أن إسرائيل رفضت العرض المغربي وطالبت بمكتب كبير في موقع مهم وسط العاصمة، أسوة بباقي السفارات والبنايات القنصلية الأخرى، وهو ما عرقل التفاهم بين البلدين، ما دفع غوفرين إلى المكوث في أحد فنادق العاصمة المغربية.
لا سفارة في العمارة
منذ دخول دافيد غوفرين إلى المغرب في يناير/كانون الثاني 2021، وأمام الصعوبات التي واجهت العثور على مكتب وفق الشروط الإسرائيلية، انطلق ممثل إسرائيل في البحث عن مقر مكتب بمواصفات تلبي رغباته، إذ لجأ إلى مكتب سمسرة.
"أمام هذا الباب المسدود، قرر السفير الإسرائيلي في المغرب ومسؤولي الكيان الانتقال إلى حل من شطرين، الأول العمل من داخل أحد فنادق الرباط شديدة الحراسة؛ حيث استقر به المقام، والثاني، البحث عن مكتب بمواصفات خاصة تلبي حاجيات الكيان ومكتب اتصاله"، تكشف مصادر لـ"عربي بوست".
وأوضحت المصادر ذاتها أن "مسؤولي مكتب الاتصال طلبوا من مكتب السمسرة الحصول على مقر داخل عمارات سكنية يحظى بحماية أمنية مشددة، شرط ألا يكون بعيداً عن وسط العاصمة".
وتابعت المصادر ذاتها أن "هذه المطالب شبه تعجيزية، فإن غوفرين وفريقه عثروا على ما يريدون، لكنهم واجهوا صعوبات أخرى، تجلت في رفض عدد من سكان التجمعات وجودة مكتب الاتصال هناك لأسباب تتعلق بالتعقيدات الأمنية".
عقبة أخرى وقفت بوجه مساعي مسؤولي مكتب الاتصال، تمثلت في الرفض الكبير لمالكي الشقق السكنية، الذين رفضوا من حيث المبدأ تأجير دورهم لدافيد غوفرين وفريقه، بعد معرفتهم بحقيقة الكيان الراغب في الحصول على عقاراتهم.
السفير الإسرائيلي في المغرب وخلافات أخرى
إضافة إلى الخلاف حول مكتب الاتصال، إذ تعتبر إسرائيل نفسها أمام اتفاق سلام مع المغرب، بينما ترى الرباط أن الأمر لا يتجاوز إعادة فتح مكتب اتصال، سقفه مكتب الاتصال الذي افتتح سنة 1998 وأغلق في 2000 بعد الانتفاضة.
وهناك ملفات اختلاف وتباين أخرى بين الطرفين، إذ روجت إسرائيل أن غوفرين سيحظى باستقبال العاهل المغربي، أو بحد أدنى رئيس الحكومة، باعتباره سفيراً، لكن الواقع أن موظفي وزارة الخارجية هم من تسلم أوراق اعتماد القائم بالأعمال الإسرائيلي.
وأضافت المصادر ذاتها أن مقر مكتب الاتصال هو أيضاً يحظى بخلاف بين الجانبين، فإسرائيل تريده مكتباً كبيراً حتى تستطيع تحويله إلى سفارة، بينما عرضت الرباط العودة إلى المقر القديم لمكتب الاتصال، وهو ما رفضته تل أبيب، فيما تشبث المغرب بالعرض الذي قدمه.
وفيما تُحاول إسرائيل تعيين موظفين بمكتب الاتصال من حاملي الجنسية الإسرائيلية، تعترض الرباط وتشترط أن تتم التعيينات والوظائف من نصيب حاملي جنسية إسرائيل من أصول مغربية فقط.
وخلافاً للصورة التي يروجها غوفرين عن نفسه، إذ حول نفسه إلى ضيف شبه دائم على الصحافة، ونجم لمواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، فإنه بحسب مراقبين يواجه رفضاً شعبياً زاد منسوبه بعد العدوان الأخير على غزة والقدس وفلسطين.
كما أنه وتفاعلاً مع التطورات التي تعرفها فلسطين، انطلقت أصواتٌ تُطالب الرباط بطرد القائم بالأعمال الإسرائيلي بشكل نهائي، هذه الدعوات كانت مواقع التواصل الاجتماعي هي السباقة إليها، قبل أن ترفع شعارات في الوقفات والمسيرات، ومن ثم تصل البرلمان؛ إذ شرع عدد من النواب في رفع طلبات لطرد غوفرين.