قالت صحيفة The Washington Post الأمريكية، في تقرير نشرته الخميس 27 مايو/أيار 2021، إن هيئة البريد الإسبانية واجهت انتقادات واسعة النطاق بعد إصدارها طوابع بريدية بلون البشرة -مع جعل أخفها لوناً أغلاها قيمة- رغم ترويجها على أنها جزء من حملة مناهضة للعنصرية.
إذ قالت شركة "كوريوس" Correos المملوكة للدولة والمسؤولة عن إصدار الطوابع البريدية، في بيانها الصحفي الخاص بإطلاق الطوابع: "كلما كان الطابع أغمق، قلّت قيمته. ومن ثم، عند إرسال طرد، سيتعيَّن استخدام طوابع سوداء أكثر من الطوابع البيضاء، وبهذه الطريقة، ستصبح كل رسالة أو طرد تعبيراً رمزياً عن عدم المساواة الناتج عن العنصرية".
غياب الحساسية والتنوع
بلغت قيمة الطوابع السوداء 70 سنتاً في متجر الشركة عبر الإنترنت، فيما بلغت تكلفة الطوابع ذات الألوان الفاتحة 1.60 يورو.
يقول النقاد إن الحملة تعكس القدر الفادح من غياب الحساسية والافتقار إلى التنوع في الشركات الإسبانية الكبرى.
بينما التمس أحد المعلقين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، العذر للشركة قائلاً: "إنها عنصرية عن غير قصد"، كتب مستخدم آخر منتقداً: "سلوك Vox عن غير قصد"، وهو يقصد بذلك الإشارة إلى أن هذا التصرف أشبه بسلوك حزب "فوكس" Vox اليميني المتطرف في إسبانيا.
حملة مناهضة للعنصرية
من جهة أخرى، ذهب موها غيرهو، مؤلف كتاب What's a Black Man Like You Doing in a Place Like This الذي نُشر مؤخراً عن العنصرية في إسبانيا، إلى أن نية شركة "كوريس" كانت حسنة، إلا أنه شدد على أنه ليس من قبيل المصادفة أن تأتي حملة مناهضة للعنصرية بدأت بنية حسنة، بأفعال وتصرفات تنم عن رسائل عنصرية.
يلفت المؤلف موها غيرهو، بذلك إلى أن الحملات من هذا النوع غالباً ما يقوم عليها "أفراد بيض في أغلبهم"، لأن الشركات الكبرى متقاعسة عن دعم التنوع في صفوف قواها العاملة وتوظيف الملونين.
كانت هيئة البريد قالت على حسابها بموقع تويتر، إن حملتها ترمي إلى زيادة الوعي حول "واقعٍ جائر ومؤلم يجب ألا يكون موجوداً".
قالت في بيانها الصحفي بمناسبة إدخال الطوابع إلى الخدمة، إنها اختارت هذا التوقيت، لأنه يتزامن مع الاحتفال بشهر التنوع الأوروبي، وإحياء الذكرى الأولى لمقتل المواطن الأمريكي جورج فلويد، يوم الثلاثاء 25 مايو/أيار.
مقتل رجل أسود في أمريكا
كان آلاف من المتظاهرين خرجوا إلى شوارع العاصمة الإسبانية في يونيو/حزيران ،2020 تضامناً مع الاحتجاجات التي أثارها مقتل فلويد على يد ضابط شرطة أبيض بولاية مينيابوليس الأمريكية، العام الماضي.
من جهة أخرى، تشير بيانات حكومية إسبانية إلى أنه بين عامي 2016 و2019، سجَّلت السلطات الإسبانية زيادة بأكثر من 20% في معدل جرائم الكراهية العنصرية ومعاداة الأجانب في البلاد، فقد زاد عدد الجرائم المبلَّغ عنها من 416 في عام 2016 إلى 515 جريمة قبل عامين.
استعانت شركة "كوريوس" في دعم حملتها لإصدار الطوابع الجديدة، برابطة SOS Racismo، وهي رابطة إسبانية للمنظمات غير الحكومية المناهضة للعنصرية، كما تعاونت كذلك مع الناشط ومغني الراب الإسباني "إل شوجين".
دفاعاً عن موقفها، قالت منظمة SOS Racismo في بيان، إن نية الحملة كانت تسليط الضوء على "هذا الوضع [القائم على التمييز العنصري] ولفت أنظار الجميع إليه".
أضافت الرابطة في بيانها: "لقد رأينا هذا الواقع بأُم أعيننا منذ أيام في سبتة، ونراه كل يوم في [التعامل مع المهاجرين] بالبحر المتوسط، وفي تصاعد حدة الخطابات المعادية للأجانب وتزايد العنصرية وانتشارها في أوروبا".
وقائع مدينة سبتة الإسبانية
تشير الرابطة إلى الوقائع الدرامية التي حصلت في بلدة سبتة الإسبانية هذا الشهر، حيث حاول آلاف من المهاجرين القادمين من المغرب سباحةً الوصول إلى الاتحاد الأوروبي عبر إسبانيا، التي تصدَّت سلطاتها بعنف للمهاجرين وأجبرتهم على العودة.
لم ترد هيئة البريد، على الفور على طلب للتعليق على الانتقادات لحملتها.
يُذكر أن هيئة البريد الإسبانية كان لها أكثر من مشاركة في تسليط الضوء على قضايا اجتماعية في السنوات الأخيرة ودعم النضال الشبابي من أجل الحفاظ على البيئة، وقد تمكنت حتى الآن من تجنب الجدل والانتقاد لهذه المشاركات إلى حد كبير، وذلك على الرغم من أن هذه الحملات مدعومة في أغلبها، من اتجاهات ليبرالية في بلد تهيمن عليه أغلبية كاثوليكية محافظة.