“الأسد” يهدر أموال إعادة إعمار سوريا.. جمع ملايين الدولارات من الضرائب وأنفقها على نظامه

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/24 الساعة 22:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/24 الساعة 22:55 بتوقيت غرينتش
مقبرة مخيم اليرموك جنوب العاصمة السورية دمشق

قالت صحيفة The Guardian البريطانية، الإثنين 24 مايو/أيار 2021، إن السوريين يدفعون الضرائب من أجل إعادة إعمار بلادهم بعد الحرب، لكنهم لا يحصلون إلا على أقل القليل من الفوائد، خاصة في ظل الغموض وعلامات الاستفهام الكبيرة حول مصير الأموال التي جمعها نظام الأسد، نتيجة فرضه تلك الضرائب على المواطنين.

في هذا الإطار، جمعت لجنة إعادة الإعمار السورية التي تتعهد بمساعدة الشعب لإعادة بناء منازله المحطمة، نحو 307 ملايين دولار، وفقاً لتحليل لمنظمة Organized Crime and Corruption Reporting Project – OCCRP للتحقيقات والصحافة الاستقصائية، والشريك السوري للمنظمة، وهي الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية (سراج)، إضافة إلى مشروع Finance Uncovered.

المؤسسات الحكومية

كما تُظهر السجلات المتاحة أن لجنة إعادة الإعمار التابعة للنظام خصصت في الغالب تمويلات جمعتها من الضرائب، للوزارات والمؤسسات الحكومية، وهو ما يستحيل معه تتبُّع ما جرى إنفاقه.

كان بعض التمويلات التي استطاعت منظمة OCCRP تعقُّبها ذهبت إلى تجديد المنشآت العسكرية وتسكين القوات الحكومية، وإن كانت مبالغ صغيرة من إجمالي الأموال. أما الأموال التي تُنفق على المدنيين، فتذهب في الغالب إلى المناطق الموالية للحكومة.

تتسق هذه النتائج مع بحوث مركز كارنيغي للشرق الأوسط، التي وجدت أن نظام الأسد استخدم "إعادة الأعمار الانتقائية" لتعزيز قوته السياسية والاقتصادية في بعض المناطق، بينما تجاهل الفئات الاجتماعية الأفقر، التي يعدّها النظام مصدر تهديد.

العمود الفقري لدعم النظام

حسب صحيفة The Guardian البريطانية، منحت لجنة إعادة الإعمار 175 مليون ليرة سورية في يوليو/تموز 2017 لأعمال صيانة بمنطقة مزة جبل 86، التي تمثل العمود الفقري لدعم النظام.

في غضون ذلك، لم يُعَد إعمار كثير من البيوت في سوريا رغم أنها تعرضت لدمار شديد بالحرب، ورغم أن النظام ما زال يجمع الضرائب، خاصة من المدن التي كانت تسيطر عليها المعارضة المسلحة وصارت الآن تحت سيطرته، مثل حمص القديمة والريف المحيط بها، وريف دمشق وحلب ودرعا ودير الزور ومدن أخرى.

من جانبه، قال مظهر شربجي، مسؤول الحوكمة من وحدة مجالس الإدارة المحلية، وهي مجموعة معارضة تراقب جهود إعادة الإعمار، إن اللجنة "تسمح بتوزيع المال المتحصل من تمويلات إعادة الإعمار، صراحةً على الجيش والشرطة والخدمات الأمنية، وقد أعطت بكل وضوح، الأموال إلى قطاعات الأمن العسكري والأمن الداخلي والأمن السياسي، على حساب الضحايا المدنيين".

لكن لجنة إعادة الإعمار لم ترد حتى الآن على عديد من الطلبات المرسلة للتعليق.

ضريبة إعادة الإعمار

كان النظام السوري قد حدّد عام 2013، ضريبة إعادة الإعمار بنسبة 5% من الضرائب المباشرة. لكن الحكومة المتعثرة مالياً ضاعفت الضريبة لتصير 10% في 2017، عندما أخبر المدير العام للهيئة العامة للضرائب والرسوم، زبير درويش، صحيفة "تشرين" الحكومية بأن المال سوف يُنفق على "دعم إعادة إصلاح وبناء ما تخرَّب، وكذلك دعم توطين الأسر المهجرة".

إلا أن مراجعة للوثائق أجرتها منظمة OCCRP ووحدة سراج ومشروع Finance Uncovered، تؤكد أن هذا لم يحدث. إذ إن البيانات من المصادر المفتوحة، والنقاشات البرلمانية ووسائل الإعلام تشير إلى أن الحكومة السورية خصصت 30 مليار ليرة سورية للجنة إعادة الإعمار في 2013، ثم خصصت 50 مليار ليرة (نحو 40 مليون دولار بسعر الصرف الحالي)، سنوياً منذ هذا الحين، بإجمالي 380 مليار ليرة سورية، أو 1.4 مليار دولار.

تجدر الإشارة إلى أن إسهامات ضريبة إعادة الإعمار زادت على مر السنوات، من 56 مليون دولار في 2016 إلى 132.4 مليون دولار في 2020.

إلا أن إفصاحات الإنفاق تُظهر أن إجمالي الالتزامات بلغ 263 مليار ليرة سورية، مما يعني وجود نحو 117 مليار ليرة سورية غير منفقة. ولا يزال هناك غموض حول إنفاق هذا المبلغ المتبقي.

في حين كشف تحليل للأموال المنفقة عن منح لجنة إعادة الإعمار 50 مليون ليرة سورية في 2016 إلى 167 عضواً بالجيش والشرطة، ومنحها 350 مليون ليرة سورية لجهود ترميم وتحديث مستشفيات عسكرية في محافظتي اللاذقية وطرطوس، في المناطق المؤيدة للنظام، ووافقت على دفع المال اللازم لإعادة إعمار المنازل التي تعود ملكيتها إلى الجرحى من القوات المساعدة التي قاتلت مع الجيش النظامي في سوريا.

إنقاذ الحكومة مالياً

بدوره، لفت أسامة القاضي، الذي يرأس فريق عمل اقتصادي سوريّاً يراقب جهود إعادة الإعمار، إلى أن ضرائب إعادة الإعمار تُستخدم لإنقاذ الحكومة نفسها مالياً، مضيفاً: "غياب الشفافية وانتشار الفساد في الحكومات السورية المتعاقبة على مدى خمسة عقود، يصعّب تحديد مصير الأموال الضخمة التي حصل عليها النظام من السوريين باسم إعادة الإعمار".

القاضي تابع: "نحو 10 ملايين سوري لا يزالون يعيشون خارج منازلهم، ولا تزال البنية التحتية تعاني من المشكلات الهيكلية، مثل انقطاعات المياه والكهرباء، فضلاً عن الخدمات الأخرى. والسلع الرئيسية ليست متوافرة بشكل جيد".

كما أوضح الصحفي الاقتصادي سمير طويل، أن الشركات السورية والمواطنين السوريين ضحايا جهود حكومية ممنهجة لجمع الأموال عبر ضرائب إعادة الإعمار، بينما لا يحصلون في المقابل على أي شيء.

أكثر من نصف قرن

كان مستشار الأمم المتحدة المعنيّ بمنع الإبادة الجماعية، أدما بينغ، قد أشار سابقاً إلى أن إعادة إعمار سوريا قد تستغرق أكثر من نصف قرن، محذراً من أن النظام السوري "يستغل الحرب على الإرهاب في قتل مواطنيه".

فيما امتنعت دول الغرب عن دفع المال إلى بشار الأسد لإعادة إعمار سوريا، حيث قال الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إنهما لن يدعما إعادة إعمار البلاد حتى يكون هناك انتقال سياسي.

يشار إلى أن المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، صرحت قبل أيام، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، بأن بلادها لن تدعم أي مساعدات لإعادة الإعمار (في سوريا) تعود بالنفع على النظام، في غياب التقدم في تحقيق الإصلاحات السياسية التي دعا إليها القرار 2254، مشيرة إلى أن "الولايات المتحدة تقف مع كل أفراد الشعب السوري، لذلك نطالب نظام الأسد بالالتزام بوقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وندعو إلى حل سياسي للصراع".

فيما ناشدت المسؤولة الأمريكية مجلس الأمن دعم الشعب السوري، ومنحه إمكانية الوصول إلى المساعدات الإنسانية التي هم في أمسّ الحاجة إليها، مضيفة: "لا يزال (معبر) باب الهوى لا غنى عنه لضمان توصيل الطعام والمأوى والإمدادات الطبية"، ومطالبةً بإعادة تفويض "باب الهوى" لمدة 12 شهراً، وإعادة فتح معبري باب السلام واليعربية.

كما حذّرت من أنه "إذا فقدت الأمم المتحدة إمكانية الوصول، فستتحول أزمة فيروس كورونا في سوريا من مأساوية إلى كارثية".

كان مجلس الأمن قد اعتمد، في 12 يوليو/تموز الماضي، مشروع قرار قدمته ألمانيا وبلجيكا، تم بموجبه تمديد آلية المساعدات الأممية العابرة للحدود إلى سوريا من معبر "باب الهوى" على الحدود التركية لمدة عام تنتهي في 11 يوليو/تموز المقبل.

يأتي ذلك في الوقت الذي تنتظر فيه سوريا عقد انتخابات رئاسية يوم الأربعاء 26 مايو/أيار، وهي عملية يُندَّد بها على نطاق واسع وتوصف بأنها خدعة لإعطاء الحاكم الحالي شرعية.

بينما كان يُفترض للانتخابات أن تشير إلى أن البلاد تمضي قدماً، برغم الحقيقة التي تقول إن الحرب مستمرة والاقتصاد قد انهار؛ إذ إن الحكومة غير قادرة على دعم الخبز الكافي للمواطنين، فضلاً عن ذكر جهود إعادة إعمار المدن المدمرة.

في حين لا يُتوقع وصول التمويلات الدولية، وقد فرض النظام السوري ضرائبه على الشعب لتمويل جهود إعادة الإعمار. في عام 2012، شكّل لجنة للمساعدة في إعادة إعمار البلاد، تحت سيطرة رئيس الوزراء آنذاك ووزير الإدارة المحلية، عمر إبراهيم غلاونجي، الذي وُضع على قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي في العام نفسه.

كانت احتجاجات شعبية سلمية قد اندلعت في سوريا خلال شهر مارس/آذار 2011، تطالب بإنهاء عشرات السنين من حكم أسرة الأسد وبدء تداول سلمي للسلطة.

لكن بشار، الذي خلف والده في الحكم عام 2000، انتهج الخيار العسكري والدموي لقمع المحتجين؛ ما دفع سوريا إلى حرب كارثية على مستوى الضحايا والدمار المادي.

تحميل المزيد