تشدّد السعودية الخناق على المتردّدين في تلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا، وتتخذ المزيد من الإجراءات لدفعهم لتلقي التطعيم، فتمنعهم من الحج والسفر إلى الخارج، ودخول الجامعات ومراكز التسوق، في محاولة مثيرة للجدل لتوسيع رقعة التلقيح.
يأتي ذلك بينما يرى خبراء في مجال الصحة، أنّ معارضي التطعيم يهدّدون بتقويض الجهود العالمية للتغلب على الجائحة، ما يدفع الدول الخليجية إلى زيادة الضغوط على هؤلاء، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية، الإثنين 24 مايو/أيار 2021.
وتنكب المملكة -البالغ عدد سكانها 34 مليون نسمة- على العمل، لتسريع حملة التطعيم على مستوى البلاد، في خضم سعيها لإحياء السياحة واستضافة الفعاليات الرياضية والترفيهية، التي تشكل حجر الأساس لبرنامج "رؤية 2030" الهادف لتنويع الاقتصاد المرتهن للنفط.
تثير بعض الإجراءات التي اتخذتها المملكة استياءً، وبينها سماح المملكة فقط للحجاج الذين تلقوا اللقاح أو الذين تعافوا من فيروس كورونا خلال الأشهر الستة السابقة بأداء العمرة على مدار العام.
لكن الحكومة يبدو أنها عازمة على تطبيق هذه السياسات، إذ قالت مصادر مقرّبة من الحكومة للوكالة الفرنسية، إنه من المتوقع اتخاذ خطوة مماثلة في موسم الحج السنوي المقبل.
خلال الشهر الحالي سُمح فقط للمواطنين المحصنين بالسفر إلى الخارج، بعدما رفعت المملكة الحظر المفروض على الرحلات الخارجية الذي طُبق العام الماضي مع بداية انتشار الوباء.
كذلك، أعلنت الرياض الأسبوع الماضي أنّ التطعيم سيكون إلزاميا اعتباراً من الأول من أغسطس/آب المقبل، لدخول أي مؤسسات حكومية وخاصة، بما في ذلك المؤسسات التعليمية وأماكن الترفيه، ولاستخدام وسائل النقل العام أيضاً.
جاء ذلك بعد أيام فقط من إعلان السلطات أنه سيتم السماح فقط للعاملين في القطاعين العام والخاص الذين تم تطعيمهم بالعودة إلى أماكن عملهم.
تسبّبت هذه القرارات في ردود فعل على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المترددين أو الرافضين لتلقي اللقاح، حيث انتشر وسم "لا للتلقيح الإجباري" وعبارة "جسدي، اختياري، حريتي".
كتب أحد مستخدمي تويتر: "لا يمكنني السفر، لا يمكنني العمل، لا يمكنني الذهاب إلى الأماكن العامة، لا يمكنني حتى شراء الطعام، لا يمكنني الدراسة!".
تتناقض الإجراءات في السعودية مع الحوافز التي تقدّمها دول أخرى مثل الولايات المتحدة، حيث أفادت وسائل إعلام محلية بتقديم مكافآت نقدية وتذاكر لحضور مباريات رياضية وحتى مشروبات كحولية مجانية للتشجيع على التطعيم.
وقالت أستاذة الطب في جامعة كاليفورنيا مونيكا غاندي: "يمكن لنظام ملكي مثل المملكة العربية السعودية أن يفرض مثل هذه الإجراءات، ومن المرجح أن يكون ذلك فعالاً في حث بعض الذين لا يريدون التطعيم على القيام بذلك".
لكن رغم ذلك رأت غاندي أن الإجراءات التي تفرضها المملكة يمكن "اعتبارها إجراءات قسرية".
بالموازاة مع ذلك، بدأت دول الخليج الأخرى وبينها الإمارات والبحرين، تحذو حذوها، إذ قرّرت إمارة دبي المجاورة هذا الشهر عدم السماح للأشخاص غير المطعّمين بحضور المناسبات الرياضية والحفلات الموسيقية، بينما قيّدت البحرين دخول مراكز التسوق والمطاعم ودور السينما موقتاً.
لا مجال للرفض
من جهته، قال الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن روبرت موغيلنيكي للوكالة الفرنسية، إنّ "التطعيمات ضرورية لتشغيل المحرك الاقتصادي السعودي بأقصى سرعة من جديد".
أشار موغيلنيكي إلى أن "معدلات التطعيم المرتفعة ستدعم الصناعات الرئيسية غير النفطية مثل السياحة، والمسؤولون السعوديون يريدون ضمان الاستمرارية بمزيد من الحفلات الموسيقية والفعاليات الثقافية وخيارات الترفيه".
غير أنّ الطريق لا يزال طويلاً أمام المملكة، حيث إنّه من غير الواضح كيف ستقوم السلطات بتلقيح جزء كبير من السكان قبل أغسطس/آب، موعد بدء تطبيق أكثر الإجراءات صرامة.
فحتى الآن تقول وزارة الصحة السعودية إنها قدّمت أكثر من 12 مليون جرعة من لقاحات فيروس كورونا، في بلد يزيد عدد سكانه عن 34 مليون نسمة.
لذا فبسبب النقص الواضح في المخزون، أجّلت المملكة الجرعة الثانية لكثير من السكان على الرغم من ارتفاع عدد الإصابات في الآونة الأخيرة في البلاد التي سجّلت نحو 440 ألف إصابة أسفرت عن أكثر من 7 آلاف وفاة.
لكن مع ذلك، فمن غير المرجح أن تتسامح المملكة مع المتردّدين في أخذ اللقاحات الذين غالباً ما يبنون آراءهم على معلومات خاطئة أو المخاوف من الآثار الجانبية الطويلة المدى للقاحات التي تم تطويرها في وقت قياسي.
وقال موغيلنيكي "بالنسبة لمعارضي التطعيم في المملكة، لا توجد مساحة كبيرة للخيارات الشخصية حين يتعارض الأمر مع رؤية 2030".
يُذكر أن سعي السعودية لتطعيم أكبر عدد من سكانها، يأتي بينما من المقرر أن تستضيف المملكة قمة استثمارية أخرى على غرار قمة دافوس في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وأول سباق جائزة كبرى لرياضة الفورمولا واحد على أرضها في ديسمبر/ كانون الثاني المقبل أيضاً.