قانون تجريم التطبيع أمام البرلمان من جديد.. هل تضحي تونس باقتصاد البلاد مقابل مناصرة فلسطين؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/20 الساعة 21:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/20 الساعة 21:26 بتوقيت غرينتش
مظاهرات حركة النهضة في شوارع العاصمة التونسية / الأناضول

تعيش تونس منذ أيام، في ضوء حراك شعبي واسع متضامن مع الشعب الفلسطيني على خلفية الأحداث الجارية منذ أسابيع بالأراضي المحتلة، كان آخره المسيرة التي دعا إليها الاتحاد العام التونسي للشغل (منظمة نقابية) وشاركت فيها جُل الأحزاب والمنظمات المدنية في تونس.

ومن بين أبرز المطالب المرفوعة في جميع هذه التحركات تقريباً، الدعوة إلى سنّ قانون يجرِّم جميع أشكال التطبيع مع إسرائيل، والمصادقة عليه في أسرع وقت ممكن.

هذا الملف أعاد الجدل مجدداً إلى أروقة السياسة التونسية، خاصّةً داخل البرلمان، الذي يستعدّ بالفعل لنقاش هذا القانون الذي تقدّمت به الكتلة الديمقراطية (معارضة)، ودفع عدداً كبيراً من النواب إلى التعبير عن مواقف داعمةٍ للتعجيل بالمصادقة عليه.

وأعاد العدوان الإسرائيلي على غزة فتح ملف الممارسات التطبيعية الموجودة في تونس، بحسب عدد من المنظمات المناصرة للقضية الفلسطينية، والتي من بينها زيارة  معبد الغريبة اليهودي في جزيرة جربة.

تجريم التطبيع في تونس

يوم الثلاثاء 18 مايو/أيار 2021، قدَّمت الكتلة الديمقراطية طلب استعجال النظر في مبادرتها التشريعية حول تجريم التطبيع، المودعة بمكتب مجلس نواب الشعب منذ ديسمبر/كانون الأول 2020.

وبحسب القانون المقترح، الذي حمل عنوان "تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني" يُقصد بالتطبيع إقامة علاقات طبيعية مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل وأجهزتها ومواطنيها.

ويعتبر مشروع القانون الذي تقدمت به الكتلة المكونة من حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب، أن مرتكب جريمة التطبيع مع إسرائيل هو كل من قام بعمليات اتجار وتعاقد وتعاون وإجراء مبادلات وتحويلات بكلّ أنواعها التجارية والصناعية والحرفية والمهنية والخدمية والثقافية والعلمية مع مؤسسات إسرائيل الحكومية وغير الحكومية العمومية أو الخاصة.

أيضاً اعتبر مشروع القانون كذلك كل من شارك بأي شكل من الأشكال في الأنشطة والفعاليات والتظاهرات والملتقيات والمعارض والمسابقات بأنواعها السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية والفنية والرياضية التي تُقام على الإقليم الذي تحتلُّه وتتحكَّم فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي أو تلك التي تنظمها خارجه.

وقد تصل عقوبة التطبيع، بحسب المقترح، إلى السجن لمدّة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات، وبغرامة تتراوح بين عشرة آلاف دينار ومئة ألف دينار.

جدل جديد 

في عام 2014، وخلال المصادقة على الدستور التونسي الجديد من قِبل المجلس الوطني التأسيسي، كانت الجلسات حينها مشحونة، وذلك بعد إسقاط مقترح تعديل على توطئة الدستور ينُصّ على "مناهضة كل أشكال الاحتلال والعنصرية وعلى رأسها الصهيونية".

وقد سقط هذا المقترح بـ95 صوتاً مقابل 67 مُتحفِّظاً و20 صوتاً ضدّه. وكان أغلبية المتحفّظين على هذا المقترح من كتلة حركة النهضة، بـ57 تحفُّظاً مقابل 9 "مع" و11 عضواً "ضدّ".

ووفق مداولات الدستور، فقد تمّ التنصيص على مناهضة التطبيع في باب المبادئ العامة للدستور، ومن ثم تمّ ترحيله إلى التوطئة، وفي كل مرّة يتم التخلّي عن هذا المقترح.

هذا الاختلاف حول مشروع قانون تجريم التطبيع في تونس مازال مُثاراً إلى الآن، بين من يعتبر أن تجريم التطبيع ضرورة في ظل موجة التطبيع بالمنطقة، باعتباره مطلباً شعبياً وشكلاً من أشكال دعم الشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقوقه.

وتتهم المعارضة حركة النهضة باعتبارها صاحبة الكتلة البرلمانية الأكبر والحزب الذي يقود تحالف الأغلبية البرلمانية، بتعطيل تمرير مشروع قانون تجريم التطبيع في تونس، وحمّلت المعارضة سابقاً حركةَ النهضة مسؤولية إسقاط التنصيص عليه في الدستور.

وبحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست"، فإن حركة النهضة لا تُعارض المصادقة على مشروع قانون تجريم التطبيع في تونس، وقد تشترط فقط إدخال بعض التعديلات على بعض نصوصه، ودعم رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة له.

إلا أن قسماً من قيادة الحركة تمسَّك برفضه خطوة مشروع قانون تجريم التطبيع في تونس؛ لكون هذا القانون يعتبر سابقة بالمنطقة العربية، إذ لم يتم التنصيص على مثل هذا القانون حتى في فترة الحروب بين الدول العربية وإسرائيل، كما أن موقف رئيس الجمهورية من هذا القانون لا يبدو واضحاً.

ويُضيف المصدر نفسه، أن أصحاب هذا الموقف يُخفون تخوُّفهم من حصول مقاطعة لتونس من قِبل الدول المانحة لها، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد.

ويبدو أن الأغلبية الواسعة داخل حركة النهضة أصبحت متحمسةً، أكثر من أي وقت مضى، لقطع الطريق أمام المُطبّعين في تونس، إذ تتالت المواقف المؤيدة للقانون ومساندته، ومن بينها مشاركة عدد كبير من قيادة النهضة وقواعدها في المسيرة التي دعا إليها الاتحاد العام التونسي للشغل.

ودعا القيادي في حركة النهضة، النائب سمير ديلو، خلال كلمته تحت قبّة البرلمان، يوم 18 مايو/أيار الجاري، إلى ضرورة المصادقة على مقترح مشروع قانون تجريم التطبيع في تونس قبل نهاية السنة البرلمانية 2020-2021.

مشروع قانون تجريم التطبيع في تونس

يؤكّد مناصرو مشروع قانون تجريم التطبيع في تونس ضرورة التعجيل بتمرير هذا القانون، بسبب المنحى التصاعدي لتورُّط عدد من التونسيين في ممارسات تطبيعية مع إسرائيل، بعضها اقتصادي والآخر ثقافي وديني.

فقبل أسابيع قليلة، كشف تحقيق استقصائي لموقع "كتيبة" التونسي، عن قيام شركة "رندة" لإنتاج الكسكسي والدقيق ومشتقات الحبوب بصفقات تجارية مع الاحتلال الإسرائيلي، وتصدير كميات كبيرة من إنتاجها إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وهي تحمل علامة "كاشير" باللغة العبرية (حلال، حسب الديانة اليهودية).

وكشف التحقيق أن شركة "رندة" تُصدّر ما يناهز 6 حاويات كبيرة شهرياً إلى الكيان الصهيوني بوساطة من شركة تحمل اسم "سوديك" عبر ميناء مرسيليا الفرنسي.

وقبلها كشف ناشطون تونسيون عن قيام عدد من الفنانين التونسيين بزيارات متكررة للأراضي المحتلة؛ لإحياء حفلات لإسرائيليين من أصول تونسية، ويُذكر أنه تم تداول مقاطع فيديو، تعود إلى عام 2010، تُظهر هتاف الفنان محسن الشريف بحياة كل من الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي ورئيس حكومة الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو.

حج "الغريبة" اليهودي

أعاد طرح مشروع قانون تجريم التطبيع في تونس السؤال مجدّداً عن مصير زيارة "الغريبة" في جزيرة جربة جنوب البلاد، التي تقام بشكل سنوي خلال شهر مايو/أيار، والتي تُتهم بأنها مظلة للتطبيع منذ سنوات، إذ تكون مناسبة لزيارة عدد كبير من السياح الإسرائيليين لتونس، بعضهم بجوازاتهم الإسرائيلية، في رحلات تنظمها وكالات أسفار تونسية.

وتحظى هذه الزيارة بتغطية إعلامية واسعة من قِبل وسائل الإعلام العبرية، وشهدت الزيارة انتعاشة كبرى في أثناء تولي الوزير روني الطرابلسي وهو نجل زعيم الطائفة اليهودية بتونس، إذ سجلت ارتفاعاً في عدد المشاركين.

وقال الطرابلسي حينها، إنه "سُجِّلَت عودة مئات الزوار الذين رحلوا خلال الأعوام الصعبة في سبعينيات القرن الماضي". ويشير حديثه إلى التونسيّين اليهود الذين تركوا البلاد بعد النكسة سنة 1967، واتجهوا إلى فلسطين المحتلة.

وأكد رئيس الأكاديمية التونسية للمعارف المقدسية، وسام العريبي، أن "هنالك طقوساً معيّنة يفرضها القائمون على زيارة الغريبة على زوارها، ومن بينها طقوس تفرض على الزائرين من مسؤولين وقادة أحزاب، مثل عرض نسخة من التوراة يدّعون أنها الأقدم على وجه الأرض، والدخول إلى المغارة التي تحوي حسب الرواية اليهودية في جربة، أن اليهود بعد فرارهم من القدس عقب السبي البابلي، أخذوا معهم بعض حجارة الهيكل وتم دفنها في هذه المغارة إلى حين ظهور المسيح وبناء هيكل سليمان مجدداً".

وأضاف العريبي في حديثه لـ"عربي بوست"، أنه "في عام 2019 شارك في الزيارة عدد كبير من الحاخامات اليهود الصهاينة، بعضهم دخل بجوازات سفر فرنسية وآخرون بجوازاتهم الإسرائيلية، وقد التقوا حينها رئيس الحكومة يوسف الشاهد".

وذكر أن "هؤلاء الحاخامات لهم دور داخل جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولم يكتفوا فقط بزيارة جربة؛ بل كانت لهم زيارات أخرى لعدد من المدن التونسية".

وكشف المتحدث أن "زيارة الغريبة كانت مظلة لدخول عناصر من الموساد الإسرائيلي إلى تونس، من بينهم المسؤولة عن فريق اغتيال الشهيد محمد الزواري، إيريس كوهين التي ظهرت بصور في عام 2018، رفقة الوزير روني الطرابلسي والسفير الفرنسي وأثناء أدائها طقوساً في معبد الغريبة".

كما ذكر الأستاذ الجامعي أنه "لا يخفى على أحدٍ العلاقات المترابطة بين الحاخامات اليهود العاملين في تونس وكيان الاحتلال، إذ كشفت مثلاً أن أحد  ضحايا الهجوم المسلح بفرنسا في عام 2015 هو الشاب اليهودي من أصول تونسية يوهاف الحطاب، وهو ابن حاخام معبد يهودي والمدرسة التلمودية بالعاصمة تونس، وهو في الوقت نفسه جندي احتياط بجيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث تم تأبينه عسكرياً ودفنه في القدس المحتلة".

تحميل المزيد