بعدما تحول إلى ضيف شبه دائم على الصحافة، ونجم لمواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، اختفى دافيد جوفرين، القائم بالأعمال الإسرائيلي عن الأنظار، فور انطلاق العدوان الإسرائيلي ضد قطاع غزة وكل فلسطين.
القائم بالأعمال الإسرائيلي، الذي بدأ العمل في الأسبوع الأخير من شهر يناير/كانون الثاني 2021، كان نشطاً على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وكان يبارك للمغاربة كل يوم الجمعة، ويحرص على التقاط صور في أماكن مُختلفة من المغرب، أو رفقة من تسميهم دعاية "إسرائيل" بالمواطنين "العاديين".
وعلم "عربي بوست" من مصادر متطابقة أن دافيد جوفرين غادر الثلاثاء 12 مايو/أيار 2021 الرباط باتجاه تل أبيب، بالتوازي مع اندلاع العدوان على قطاع غزة.
مقابل ذلك كشفت مصادر إعلامية أن آخر نشاط حضره القائم بالأعمال الإسرائيلي في الرباط، كان إفطاراً رمضانياً مساء الإثنين 10 مايو/آيار 2021، شارك بعض المسؤولين المغاربة.
لا نار بدون دخان
جوفرين كتب في تغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" أنه "اضطر للانتقال إلى إسرائيل وذلك للاطمئنان على الحالة الصحية لوالدي الذي يرقد بالمستشفى".
وزاد: "أشكر كل أصدقائي الذين آزروني وسألوا عن صحته. سوف أرجع للمغرب بعد عيد نزول التوراة إن شاء الله. أتمنى الصحة والسلام للجميع وكل عام وأنتم بخير".
ورغم الصمت الرسمي المغربي على خلفيات مغادرة القائم بالأعمال الإسرائيلي في هذا الوقت بالذات، إلا أن مصادر "عربي بوست" شددت على أنه لا دخان بدون نار، والرباط تستعمل ما تملكه من وسائل ضغط لتحقيق السلام في المنطقة.
وكشفت مصادر خاصة أن دافيد جوفرين، لم يغادر المغرب باتجاه إسرائيل في رحلة مباشرة، بل خرج من المغرب على متن طائرة متجهة إلى الإمارات العربية المتحدة، وبالضبط إلى مدينة دبي، ومنها انتقل إلى فلسطين المحتلة.
وتابعت المصادر أن المغرب لم يستسلم للضغوط الإسرائيلية بتسيير رحلات مباشرة من الرباط باتجاه تل أبيب، وهذا واحد من ملفات الخلاف الكبيرة بين الجانبين.
خلافات وتجاوزات
قبل العدوان الإسرائيلي الأخير على فلسطين، وخلف مشاهد الابتسامات بين المسؤولين المغاربة ونظرائهم الإسرائيليين، كانت هناك حقائق تنتصب في الواقع، تعكس التناقض الكبير في تصور المغرب وإسرائيل لمعنى العلاقات بينهما.
وكشفت مصادر "عربي بوست" أن "إسرائيل تعتبر نفسها أمام اتفاق سلام مع المغرب، بينما ترى الرباط أن الأمر لا يتجاوز إعادة فتح مكتب اتصال، سقفه مكتب الاتصال الذي افتتح سنة 1998 وأغلق في 2000 بعد الانتفاضة".
وتابعت المصادر ذاتها أن من مقتضيات هذا التباين أيضاً، أن إسرائيل روجت لأن جوفرين سيحظى باستقبال العاهل المغربي، أو بحد أدنى رئيس الحكومة، باعتباره سفيراً، لكن الواقع أن موظفي وزارة الخارجية هم من تسلم أوراق اعتماد القائم بالأعمال الإسرائيلي.
وأضافت المصادر ذاتها أن مقر مكتب الاتصال هو أيضاً يحظى بخلاف بين الجانبين، فإسرائيل تريده مكتباً كبيراً حتى تستطيع تحويله إلى سفارة، بينما عرضت الرباط العودة إلى المقر القديم لمكتب الاتصال، وهو ما رفضته تل أبيب، فيما تشبث المغرب بالعرض الذي قدمه.
وفيما تُحاول إسرائيل تعيين موظفين بمكتب الاتصال من حاملي الجنسية الإسرائيلية، تعترض الرباط وتشترط أن تتم التعيينات والوظائف من نصيب حاملي جنسية إسرائيل من أصول مغربية فقط.
وشددت المصادر ذاتها على أنه إضافة إلى هذه الخلافات، هناك بعض التصريحات التي أدلى بها جوفرين أثارت استياء في الرباط، من قبيل حديثه عن قبول الملك للتطبيع ورفض العدالة والتنمية، وهو ما اعتبره رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران، في شريط فيديو نشرته الصفحة الرسمية، في 18 شباط/ فبراير الماضي، تطاولاً على ملك المغرب، وتدخلاً في شؤون البلاد السياسية.
اطردوا "السفير"
وتفاعلاً مع التطورات التي تعرفها فلسطين، انطلقت أصواتٌ تُطالب الرباط بطرد القائم بالأعمال الإسرائيلي بشكل نهائي، هذه الدعوات كانت مواقع التواصل الاجتماعي هي السباقة إليها قبل أن ترفع شعارات في الوقفات والمسيرات، ومن ثم تصل البرلمان إذ شرع عدد من النواب في رفع طلبات لطرد جوفرين.
ودعا عضو مجلس النواب المغربي (غرفة أولى) عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، مصطفى الشناوي، رئيس الحكومة في سؤال كتابي وجهه إليه في 12 مايو/أيار الجاري إلى طرد مسؤول مكتب الاتصال الإسرائيلي بالمغرب؛ احتجاجاً على الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق فلسطين والشعب الفلسطيني.
وقال الشناوي في رسالة طويلة: "ماذا تنتظرون لاتخاذ قرار جريء بطرد المسؤول عن مكتب الاتصال الصهيوني بالمغرب؟ هل تنتظرون أن يصل عدد الشهداء الفلسطينيين إلى الآلاف لكي تنتفضوا كرئيس حكومة؟ أم علينا ألا ننتظر منكم شيئاً لأنكم كالذي سبقكم ستقولون لنا بأنكم (مجرد رئيس للحكومة)".
وزاد الشناوي: "ألا يؤلمكم ما تشاهدونه من مآسٍ للشعب الفلسطيني في القدس وغزة والضفة الغربية من طرف كيان صهيوني عنصري محتل لأراضي فلسطين بدون حق؟ أم أنكم عاجزون عن اتخاذ موقف تاريخي سيُحسب لكم ضد الكيان الغاشم وطرد الوافد الصهيوني؟".
وعلى هامش الوقفات والمسيرات الشعبية الرافضة للعدوان التي تعرفها مدن المغرب المختلفة، ظهر مطلب طرد القائم بالأعمال الإسرائيلية في المغرب، هذا المطلب ردده عدد من مسؤولي الهيئات والأحزاب المغربية خلال وقفة السبت 15 مايو/أيار قبالة البرلمان في الرباط.
وعلى مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، أطلق عدد من النشطاء وسمين يدعوان إلى طرد جوفرين، هما #فسخ_الاتفاق و#إغلاق_المكتب، بما يسمح بتمدد فكرة إغلاق مكتب الاتصال، والتذكير بموقف المغرب في سنة 2000 حين تم إغلاق المكتب بسبب مجازر إسرائيل.