مع طي الشهر الأول لبدء التوتر في مدينة القدس المحتلة بين الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين أمام المقدسيين، والذي وصل ذروته يوم الإثنين، العاشر من مايو/أيار، في موعد اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، دخلت الحالة الفلسطينية في منعطف تاريخي، من خلال انتفاضة الجماهير التي انتقلت من القدس إلى الضفة الغربية، ثم إلى قطاع غزة، ثم إلى المدن العربية في الداخل المحتل.
يعكس هذا المشهد من المظاهرات المستمرة حالة الغضب العارمة من سلوك الحكومة الإسرائيلية في التعامل مع ما كل هو فلسطيني، وحالة التمييز التي تمارسها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، صنعت زخماً شعبياً أدى إلى اندلاع مواجهات في المدن العربية في الداخل الإسرائيلي، وصلت إلى حد إطلاق النار على مقرات الحكومة والشرطة ورؤساء البلديات وحرق سيارات المسؤولين الحكوميين.
توفيق محمد، الصحفي الفلسطيني من منطقة النقب داخل الخط الأخضر، قال لـ"عربي بوست" إن "شكل المظاهرات المندلعة الآن في البلدات العربية لم نشهده منذ نكبة 1948، وهنالك شعور عام بأن هذه اللحظة هي فرصة للانتقام من تصرفات الشرطة والمستوطنين، لذلك شهدنا تركيزاً في الاحتجاجات على مقارّ الشرطة، لإيصال رسالة مفادها أن وجودها في المدينة ليس له أدنى فائدة، وأنهم لا يوفرون أي حماية للسكان".
وأضاف أن "دوافع الفلسطينيين للاحتجاج بهذا الشكل متباينة، ولكن يمكن حصرها في ثلاثة اتجاهات: الأول نابع من رفض مطلق لمحاولات الدولة طمس الهوية العربية، عبر رفض قانون القومية، وهذا الاتجاه من المظاهرات يتركز في أم الفحم والناصرة، والثاني هو الانتقام من عمليات إطلاق النار والقتل العمد الممارس بحق المواطنين العرب، وهذه الاحتجاجات تركزت في منطقة المركز كيافا واللد، أما الثالث فجاء متناغماً مع الأحداث التي تشهدها مدينة القدس".
طوارئ في اللد.. تصعيد غير مسبوق
أدى تفاقم الوضع الأمني في المدن العربية داخل إسرائيل بحكومة الاحتلال لإعلان حالة الطوارئ في مدينة اللد، التي شهدت أعنف المظاهرات والاحتجاجات بين الفلسطينيين وقوات شرطة الاحتلال، وبذلك فقدت إسرائيل السيطرة على الوضع الأمني في عدد من المدن العربية، وقرار وزير الدفاع بيني غانتس بسحب ثلاث كتائب من قوات حرس الحدود بالضفة الغربية، لنقلها إلى المدن العربية في الداخل بسبب تردي الوضع الأمني.
مع العلم أن كل مركبات القوى السياسية والنقابية والقطرية العربية في الداخل كالقوى والأحزاب الإسلامية والليبرالية واليسارية والقومية تدعم هذه الاحتجاجات، وتوفر لها غطاء سياسياً باستثناء حزب القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس.
وتتواصل الاحتجاجات الشعبية في البلدات العربية في الداخل المحتل لليوم الثالث على التوالي، والتطور الأبرز هنا هو دخول مدينة يافا بثقلها السكاني ورمزيتها على خط المواجهة بين الشبان العرب والشرطة الإسرائيلية.
في الجهة المقابلة تشارك حركة حماس هذه الهبّة الشعبية عبر دعم وإسناد لاستمرار جذوتها، وقد وجه أبوعبيدة، الناطق باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام دعوةً إلى فلسطينيي الداخل لاستمرار الحراك، كما أن الحركة تدرك أن الحراك الجاري يصب في صالحها على الأقل حتى هذه اللحظة، لذلك هي ترفض أي جهود للوساطات الإقليمية إلا بعد أن يحقق الحراك أهدافه، وأهمها الحصول على ضمانات بعدم المساس بالوضع القائم في مدينة القدس وحي الشيخ جراح.
واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، قال لـ"عربي بوست" إن "أي حديث عن إعاقة مظاهرات في الضفة الغربية من أجهزة أمن السلطة الفلسطينية ليس صحيحاً، القيادة الفلسطينية منذ لحظة التوتر في القدس دعت لتفعيل كل أدوات الضغط الشعبي والميداني على الأرض، لإسناد حراك القدس عبر المقاومة الشعبية، بالتوازي مع إجرائها جهوداً دبلوماسية وسياسية عبر اتصالات مختلفة مع كافة الأطراف لاحتواء التصعيد المستمر في غزة، لكننا نرفض أشكال الفوضى التي قد تؤثر على استقرار الحالة السياسية والأمنية في الضفة الغربية، في ظل وجود كثير من المتربصين بنا".
وأنهى الرئيس الفلسطيني محمود عباس اجتماعاً عاجلاً دعا إليه على مستوى القيادة الفلسطينية، الأربعاء 12 مايو/أيار 2021، وقد جاء البيان الختامي للاجتماع على عكس التوقعات، حيث لم يحمل الرئيس أي جديد، سوى تحميل إسرائيل مسؤولية التصعيد، في حين كانت الآمال تتجه إلى أن تكون هنالك قرارات تساند هذا الحراك الشعبي، كوقف العمل بالاتفاقيات أو وقف التنسيق الأمني، أو حتى إطلاق شرارة لبدء احتجاجات أكبر على مستوى الضفة الغربية.
بوادر انتفاضة
غير بعيد عن الخط الأخضر تشهد الضفة الغربية مظاهرات "خجولة"؛ إذ إن عدد المظاهرات التي خرجت خلال الساعات الـ48 الأخيرة لم تتجاوز العشر، الجزء الأكبر منها تركّز في قلب المدن الفلسطينية كرام الله ونابلس والخليل، أما نقاط التّماس على الحدود فلم تشهد مظاهر للاحتكاك، بعكس ما جرى في القدس والخط الأخضر.
سمر حمد، المرشحة عن قائمة القدس موعدنا، التابعة لحركة حماس، قالت لـ"عربي بوست" إن "الشباب في الضفة الغربية متعطشون لأن يكونوا جزءاً من هذا الحراك الشعبي، لكن قيادة السلطة الفلسطينية تمنع أي مظهر من مظاهر الاحتجاجات، وتحاول أن تحافظ على مستوى من المظاهرات لا يؤذي إسرائيل، لذلك يتم إعاقة أي مظاهرة يتم الدعوة إليها لتشتبك مع قوات جيش الاحتلال قرب المستوطنات".
وأضافت أن "جبهة الضفة الغربية للأسف باتت مؤمنة بالنسبة لإسرائيل، ما يفسر خفض عدد قوات حرس الحدود في الضفة لنقلهم إلى مناطق الداخل، لأن قيادة السلطة أرسلت تطمينات لإسرائيل بعدم إخراج الأمور عن السيطرة، وإبقاء الحالة في الضفة ضمن مستوى اللاعنف".
تدرك السلطة الفلسطينية أنها مسؤولة عن جزء من حالة الغضب في الشارع الفلسطيني، بعد قرار الرئيس تأجيل الانتخابات التشريعية، لذلك قد تكون السلطة قلقة من أن يتم استغلال هذه الاحتجاجات عبر توجيه غضب الشارع ضدها، وما يفسر ذلك هو صمت حركة فتح والسلطة في الدعوة لإجراء مظاهرات نصرة للقدس أو غزة، والاكتفاء بالتنديد بالعدوان الإسرائيلي، ودعوة المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته.
عبدالله عبدالله، نائب مفوض العلاقات الدولية في حركة فتح، قال لـ"عربي بوست" إن "قلة الحراك الشعبي في الضفة الغربية يكمن في رغبة قيادة حركة فتح في إبقاء ملف القدس ضمن دائرة الضوء، ولا نخفي رغبتنا في أن تبقى القدس ضمن دائرة الاستثناء لإعادة مكانها للمسار الصحيح، ولكن في الوقت ذاته لا يمكن توجيه الاتهام للسلطة بأنها قامت بقمع المتظاهرين، أو إفشال الدعوة التي خرجت للمظاهرات".
تعتقد أوساط السلطة الفلسطينية أن اتهامها بإعاقة الحراك الشعبي في الضفة الغربية يُضعف الموقف الفلسطيني الذي ظهر موحداً لأول مرة، ولا تخفي رغبتها في منح هذا الحراك زخماً دولياً وإقليمياً من خلال جهود واتصالات قادها الرئيس محمود عباس في الساعات الأخيرة".
أما نهاد أبو غوش، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، فقال لـ"عربي بوست" إن "المستوى التي تُظهره القيادة الفلسطينية في التعامل مع حراك القدس وغزة والخط الأخضر لا يرتقي لمستوى الحدث، هنالك حلقة مفرغة للسلطة، لذلك نجدها في حالة صمت لما يجري على الأرض، فهي لا تستطيع رفع سقف التحدي في وجه إسرائيل، خشية أن ينعكس هذا الحراك ضدها كونها متهمة بإفشال مشروع الوحدة الوطنية".
وأضاف أن "هناك قلقاً لدى رئيس السلطة أن يستغل أحد ما حراك الضفة الغربية للانقلاب عليه، وهو ما يفسر إبقاء ردة فعل السلطة وحركة فتح محصورة في تحميل إسرائيل والمجتمع الدولي مسؤولية ما يجري".