وجد حزب العدالة والتنمية نفسه معزولاً داخل البرلمان المغربي بسبب استمرار رفضه لمشروع قانون تقنين زراعة القنب الهندي، استجابة لنداء أمينه العالم السابق عبد الإله بنكيران.
الأزمة داخل حزب العدالة والتنمية عمقتها دراسة قدمتها وزارة الداخلية حول الجدوى من تقنين زراعة القنب الهندي، كما أن جميع الفرق البرلمانية من الأحزاب الأخرى (معارضة وأغلبية) وافقت على مشروع القانون مع ضرورة إدخال بعض التعديلات عليه.
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من مصادر خاصة، فإن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، انسحب من لقاء فريق حزبه في البرلمان، بعدما لوح بالاستقالة من قيادة الحزب، في حال رفض مشروع قانون الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي.
وعلم "عربي بوست" أن العثماني عقد اجتماعين منفصلين متتاليين مع أعضاء شعبة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة بمجلس النواب داخل الحزب، ثم مع أعضاء الفريق كاملاً، وذلك بهدف إقناعهم بالتصويت لفائدة المشروع.
وعلى غير العادة عقد أمين عام حزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني، الإثنين 3 مايو/أيار 2021، اجتماعاً عاجلاً مع شُعبة الداخلية في فريق حزب العدالة والتنمية بمجلس النواب، دام لساعاتٍ قبل انعقاد لجنة الداخلية بمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي.
لقاء العثماني مع شعبة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة مر في أجواء هادئة، إذ دعا فيه رئيس الحكومة والحزب إلى التفاعل الإيجابي مع مشروع القانون المتعلق بتشريع الاستعمالات المشروعة لنبات القنب الهندي (الكيف).
وانطلقت الثلاثاء 4 مايو/أيار 2021، المناقشات التفصيلية لمشروع قانون الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، بعرض قدمته وزارة الداخلية عن المشروع، حمل عنوان "ملخص الدراسات المنجزة حول جدوى تطوير نبات القنب الهندي"، إذ أعقبها في اليوم الموالي فتح المجال لنقاش النواب لهذا المشروع.
في مساء اليوم نفسه كان لفريق العدالة والتنمية لقاء ثان حاسم مع رئيس الحزب والحكومة، الذي طلب لقاء جميع أعضاء الفريق، مع ضرورة أن يحضر البرلمانيون القريبون من العاصمة إلى المقر، ويكتفي البعيدون عنها بتقنية البث المباشر.
غضب العثماني
كان العثماني حاسماً في اللقاء الثاني الذي جمعه بأعضاء حزبه داخل مجلس النواب، إذ دعا الفريق إلى التصويت بالامتناع عوض التصويت بـ"لا"، كون الامتناع حسب رأيه أفضل للحزب، لأنه يقر بوجود إيجابيات في القانون، كما يسمح للحزب بإدخال تعديلات تجوّد المشروع.
وانتقل العثماني إلى لغة قاسية في حديثه مع الفريق، كما تقول المصادر، إذ دعا النواب إلى "الابتعاد عن المواقف الحدية، غير المسنودة بخبرة علمية".
العثماني عرض خبرته على نواب فريقه بالقول: "أنا طبيب لمدة 30 سنة، عندما يأتيني مرضى أصف لهم أدوية محرمة ولكنها دواء ضروري لحالتهم، فكيف كنتم تتصرفون لو كنتم مكاني؟".
وزاد العثماني:" تواضعوا قليلاً، ولا تحسبوا أنفسكم تعرفون كل شيء، واسمعوا لمختلف الآراء في المسألة، والمشروع ليس بهذا السوء الذي يتم الترويج له".
وتابع "أنتم أحرار في مواقفكم، لأنكم نواب الأمة والشعب، ومن تم ليس علي أن أفرض عليكم ما يجب أن تقررُوه، لكني أكرر أدعوكم إلى قراءة المشروع بإيجابية، وانطلاقاً من الخبرة العلمية، وليس بناء على الاندفاعات".
وأضاف العثماني "عليكم أن تفهموا أنكم أكبر فريق بمجلس النواب، وبالتالي موقفكم يجب أن يتخذ بناء على هذا الأساس، ولا تتخذوا موقفاً يُعرض صورة مؤسسات البلد للاهتزاز، وإن كنتم مضطرين فعليكم تبني موقف التحفظ الذي دعا إليه المجلس الوطني للحزب في بيانه الأخير".
وقال العثماني: "أحب أن أخبركم أني أعمل على دراسة بلغت إلى حدود الساعة 160 صفحة عن تاريخ تقنين نبتة القنب الهندي من خلال الظهائر السلطانية، وكيف تعاملت الدولة المغربية مع هذه النبتة منذ عهد السلطان المولى عبدالعزيز".
قانون مرفوض
سيطر الرفض على التوجه العام لمداخلات أعضاء فريق العدالة والتنمية، إذ سيطرت أربع أفكار رئيسية على مداخلات النواب، الفكرة الأولى تتعلق بدعوة الأمين العام إلى تحديد موقف من هذا المشروع، ومن ثم صياغته من داخل الأمانة العامة (الهيئة التنفيذية العليا).
في هذا الاتجاه ركزت مداخلات نواب الفريق على أن الأمانة العامة للحزب لم تتخذ موقفاً من المشروع، والأكبر من هذا أن الأمانة العامة تشهد انقساماً حاداً بخصوص هذا الموضوع، بلغ حد تهديد بعض أعضائها بالاستقالة في حالة تبني موقف داعم للقانون.
وفي مستوى ثانٍ، تبنّت مداخلات أخرى تذكير رئيس الحزب، ببلاغات الأمانة العامة التي دعت إلى توسيع النقاش، وفتح حوار عمومي وطني حول مسألة القنب الهندي.
وساءلت هذه المداخلات رئيس الحزب عن موقفه من عدم الاستجابة لدعوة الحزب لفتح النقاش العمومي حول تقنين القنب الهندي، واستغربت كيف يطلب من الفريق دعم القانون رغم كل هذا التجاهل.
وشككت بعض المداخلات في مستوى ثالث في السرعة التي جعلت جل أحزاب البرلمان تسارع إلى تمرير هذا القانون في هذا الوقت، وتساءلت عن الخلفيات الانتخابية لترويج هذا القانون، واعتبرت أن العجلة في تمريره تثير الكثير من ظلال الشك.
الفكرة الرابعة، أعلنت أن هذا المشروع لا يستحق إلا الرفض، لأن كل ما قيل عن الدراسات والإيجابيات حول المشروع، لا دولياً ولا محلياً، يكشف عن عائدات متواضعة جداً، وكلها نتائج تحت الاختبار، أو نتائج سريرية بالتعبير الطبي.
ووجهت هذه الفئة رسالة شفوية صارمة للعثماني بصفته رئيس الحزب جاء فيها: "نريد موفقكم الأخ الأمين العام، والفريق النيابي قادر على اتخاذ موقفه بمنتهى الحرية والمسؤولية، هذا القانون ووفق الشروط التي ذكرت لسنا مستعدين لتمريره وسنرفضه".
الغضب والتهديد
أمام هذا الرفض المطلق الذي واجهه سعد الدين العثماني من أعضاء الفريق لمقترحه، لم يتردد أمين عام العدالة والتنمية في إشهار ورقة الاستقالة من قيادة الحزب في حال التصويت ضد المشروع.
العثماني بعد موقف الفريق، غادر الاجتماع غاضباً، وأعلن أنه سيستقيل من قيادة الحزب إذا صوت الفريق ضد القانون، لكن تلويحه بالاستقالة لم يجد صدى داخل أعضاء الفريق، الذين تشبثوا بموقفهم الرافض لمشروع القانون.
هذا، وتعقد الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، السبت والأحد 8 و9 أيار/مايو الجاري، اجتماعاً مطولاً، سيُخصص جزء كبير منه لمناقشة موقف الحزب من قانون القنب الهندي.
وكشفت مصادر "عربي بوست" أن العثماني وأنصاره داخل الحزب شرعوا في الاتصالات المباشرة مع أعضاء الفريق من أجل ثنيهم عن رفض القانون.