رفع الدعم الرسمي عن الأساسيات في لبنان هو عنوان الأزمة المقبلة، بعدما شارفت احتياطات المصرف المركزي من العملات الأجنبية الانتهاء، فلا شك في أن مرحلة ما قبل نهاية مايو/أيار 2021 لن تكون كما بعدها، بحسب ما يقوله حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
فالأخير أطلق النداء الأخير بعد جولة قام بها على الرؤساء الثلاثة -ميشال عون ونبيه بري وحسان دياب- الأسبوع الماضي، للذهاب نحو خيار ترشيد الدعم وليس وقفه، لأن الاحتياطات بالعملات الأجنبية المخصّصة للدعم تنتهي في أواخر مايو/أيار المقبل، وبعد هذا التاريخ لن يكون ممكناً الاستمرار في سياسة الدعم الحالية، ورغم ثبات فشلها، استمرت وأدّت الى استنزاف سريع للعملات الصعبة.
ووفق مصادر مصرفية فإن استمرار المصرف المركزي بضغط من الدولة يعني استمرار استنزاف ما تبقّى من احتياطي النقد بالعملات الأجنبية لمصرف لبنان.
مقترحات ترشيد الدعم..
ترشيد الدعم بدلاً من رفعه وبناء على المقترحات غير الرسمية التي تقدمت بها القطاعات المعنية وهي: المشتقات النفطية المدعومة بنسبة 90% على سعر صرف 1515. الأدوية المدعومة بنسبة 85% على سعر صرف 1515. القمح والطحين المدعومان بنسبة 90% على سعر صرف 1515. والمواد الغذائية المدعومة بنسبة 85% على سعر 3900 ليرة. أما السيناريو الثاني فهو رفع الدعم كلياً، وتوسيع استفادة المواطنين من المساعدات المادية المباشرة سواء كانت من القروض الدولية أو حتى المساهمات الحكومية.
ماذا سيحدث في حال رفع الدعم؟
يتخوف اللبنانيون من رفع الدعم عن المواد الغذائية الأساسية وانعكاسات هذه الخطوة معيشياً واقتصادياً، بحيث من شأنها أن تؤدي الى ارتفاع سعر صرف الدولار، واستمرار انحدار العملة الوطنية وقيمة الرواتب والأجور للموظفين والعمال، وغلاء معيشي مع زيادة أسعار المواد الغذائية، خاصةً أن قطاع الصناعة في لبنان غير موجود وهو يعتمد على الاستيراد، ما يعني حتماً تقليصاً مضاعفاً للقدرة الشرائية، بحيث ستصبح بعض المواد الغذائية التي كان يعتبرها المواطن أساسية في حياته، كماليات يصعب تأمينها، إضافة إلى أن الغلاء سيطال مختلف القطاعات التي سيرفع عنها الدعم، منها المحروقات والكهرباء.
يقول الباحث بمركز الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، إنه وبعد رفع الدعم، وبالقراءة الأولية وبشكل عام، سترتفع الأسعار بالحدّ الأدنى 3 مرات وصولاً إلى 5 مرات. وأكثر السلع التي من المتوقع أن يزداد سعرها هي الدواء، إذ "سترتفع أسعاره 5 مرات، والارتفاع سيطال الدواء أكثر من غيره، لأنّه لا يزال مدعوماً بنسبة 100%، وبحسب شمس الدين فإن الأسعار اليوم ارتفعت 150% حتى أوائل مارس/آذار مقارنةً بالعام الماضي، وفي شهر مارس/آذار وحده، ارتفعت الأسعار 20%.
وعن رفع الدعم يؤكد مصدر سياسي أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أكد بشكل مستمر، أن رفع الدعم هو الحل الأنسب، لكنه عاد عنه بعد خفض قيمة الاحتياطي الإلزامي من 17 مليار دولار إلى 15 ملياراً.
ووفق المصدر فإن سلامة سمع تنبيهاً يشبه التحذير من مسؤولين في الحكومة، بعدم السير في خطوة رفع الدعم. وهذا التنبيه الذي جاءه من مسؤولين كبار، تمّت مواكبته باقتراح السلة الغذائية المدعومة، التي تبين لاحقاً أنّها شكّلت باباً جديداً للفساد.
تخوف أمني وفوضى متوقعة
بحسب المحلل السياسي جوني منير، فإن قادة الدولة في لبنان تلقوا تقارير من الجهات الأمنية اللبنانية، حول القلق الكبير بسبب المخاطر والتحدّيات التي تنتظر لبنان خلال الأسابيع المقبلة.
وفق منير فإن في هذه التقارير، خشية جدّية من المرحلة التي ستلي عيد الفطر، بسبب الأوضاع الاقتصادية والمالية، والارتفاع الكبير في صفوف العاطلين من العمل، وسط إغلاق البلد بسبب كورونا والذي أدى إلى أزمة متلاحقة ومتسارعة للمؤسسات الاقتصادية والسياحية.
ويؤكد منير أن معدل شراء الأسلحة الفردية ارتفع خلال المراحل الماضية، مع إقدام العائلات اللبنانية على اقتناء السلاح الفردي، نظراً لازدياد مستوى الفوضى والأعمال المخلّة بالأمن، والتي من المرجح أن تتضاعف مرات عدة مع خطة رفع الدعم.
وبحسب منير فإنه لم يعد هناك مفرّ من وقف الدعم، لأنّ خلاف ذلك سيعني زوال البلد. والأسوأ من ذلك، الأوضاع الصعبة للعناصر الأمنية والعسكرية، والتي ستؤثر من دون أدنى شك، على مسؤولياتهم في ضبط الشارع، فكيف يمكن لهؤلاء معالجة أصعب أنواع المشكلات والتحدّيات في الشارع، فيما تعاني عائلاتهم معيشياً؟
الأسعار الجنونية تحضيراً لرفع الدعم
في رصد لتطور أسعار المواد الغذائية، يقوم باحثو مرصد الأزمة بالجامعة الأمريكية في بيروت بمراقبة أسعار 17 سلعة بشكل أسبوعي تم اختيارها كعينة تقريبية من المواد الغذائية التي تحتاجها الأسر في لبنان بشكل دائم من الخضار، والفاكهة، والحبوب، واللحوم، والزيوت، ومشتقات الحليب والألبان.
سجلت كل السلع ارتفاعاً كبيراً بأسعارها في الفترة الممتدة من يناير/كانون الثاني 2020 حتى أبريل/نيسان 2021، ما عدا الطحين الذي بعد أن ارتفع بشكل غير مسبوق في صيف 2020، عاد وانخفض هذا العام إلى مستويات أوائل العام الماضي. ويظهر الارتفاع المستمر والمتصاعد بشكل كبير لأسعار الزيوت واللحوم والسكر وكذلك الفاكهة والخضار.
وفي مقارنة مع تطور أسعار الصرف بالسوق الموازي، يبرز بشكل واضحٍ ارتباط أسعار السلع الغذائية بسعر الدولار في السوق السوداء، حتى للمنتجات المحلية كالخضار والفاكهة وكذلك البيض وزيت الزيتون ومشتقات الألبان.
فكرة البطاقة التموينية.. كيف ستمول؟
يتقدّم النقاش حول فكرة البطاقة التموينية التي اقترحها رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب كبديل عن رفع الدعم، وهناك توجّه لدى دياب إلى اعتماد خطة لتوزيع نحو 750 ألف بطاقة على 750 ألف عائلة فقيرة وفق جداول وزارة الشؤون الاجتماعية، فيما لا يزال الخلاف حول قيمة المبلغ الذي ستستفيد منه الأسر، إضافة إلى مصدر تمويلها. وزير الاقتصاد راؤول نعمة، يريد أن يقتصر المبلغ الشهري لكل عائلة على مليون و300 ألف ليرة لبنانية، بينما يطالب الوزراء بمبلغ مليون و800 ألف ليرة.
حزب الله يستعد والطوائف تناقش البدائل
بالتوازي يستعد حزب الله للأزمة المتوقعة عقب رفع الدعم عن المواد الأساسية والغذائية، عبر تحضيره لإصدار بطاقات تموينية خاصة به لنحو 60 ألف عائلة في بيروت والجنوب والبقاع، من خلال استحداث مراكز لشراء المواد الغذائية، إضافة لعملية تخزين للمحروقات؛ خشية نفاذها أو غلائها مطلع يونيو/حزيران في حال توقف الدعم.
ووفقاً لمصدر مطلع على تحضيرات الحزب، فإن الحزب فتح جسر استيراد مواد غذائية وأدوية من إيران لتوفيرها للبيئة الحاضنة له في مناطقه، ويكشف المصدر أن الحزب أعد خطة ذات شقين: الأولى متعلقة بتأمين الدعم والمواد الغذائية، والثانية أمنية خشية انزلاق الوضع الأمني، في حال رفع الدعم وأدى لغضب شعبي وفوضى أمنية.
مسيحياً يؤكد مصدر قيادي في حزب القوات اللبنانية، أن "الحزب بحالة استنفار لكل اللبنانيين المنتشرين بالخارج ولكل أعضاء القوات في بلاد الاغتراب"، ويؤكد المصدر أن "حزب القوات لن يسمح لأي عائلة أو طفل بأن يجوعوا أو يكونوا بلا مأوى، لذلك نفعّل تواصلنا مع كل الشخصيات التي نحن على معرفة بها من المتمولين في الخارج، لسد حاجات الناس في الداخل اللبناني والوقوف إلى جانبهم".
وسنياً يؤكد مصدر سياسي أن تيار المستقبل وتيار العزم والجماعة الإسلامية يتواصلون فيما بينهم لوضع خطة طوارئ اجتماعية للوقوف مع المواطنين في حال توقفت الدولة عن دعم المواد الأساسية، وأن الأفرقاء السُّنة شكلوا لجاناً مناطقية لمواكبة أي تطور لافت قد يؤدي إلى مشكلة في الشارع.