يطوي مروان البرغوثي عقده الثاني داخل السجون الإسرائيلية، وبات الأكثر حضوراً في الساحة السياسية رغم وجوده خلف المعتقلات الإسرائيلية، ويأتي تصدره للمشهد السياسي بعد أن أعلن في الأشهر الأخيرة سلسلة مواقف شكلت زلزالاً سياسياً أصاب حركة فتح، ومنها اعتزامه الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، ومنافسة حركته الأم في الانتخابات التشريعية.
التمرد على الرئيس
مواقف البرغوثي من الانتخابات أعادت تسليط الضوء عليه كزعيم محتمل لقيادة حركة فتح والسلطة الفلسطينية، نظراً لوقوفه المباشر ضد سياسة الرئيس محمود عباس من مسألة إقصاء من يصفهم الأخير بـ"المتجنحين" أو المتمردين على سياساته، حيث وقف البرغوثي ضده، وأعلن موقفاً واضحاً بدعمه الكامل لقائمة الحرية التي أسسها ناصر القدوة، وتضم زوجته فدوى.
رغم إعلان البرغوثي تمرده على فتح بالإعلان عن دعمه لقائمة ناصر القدوة لخوض الانتخابات، لكن المفاجئ أن الحركة لم تصدر قراراً بفصله، كما جرى مع القدوة أو محمد دحلان، ولعلها تسعى لإبقاء قناة اتصال مع الرجل الذي ينظر إليه على أنه الوريث المحتمل لقيادة حركة فتح في مرحلة ما بعد عباس.
يرى البرغوثي نفسه الأوفر حظاً لقيادة حركة فتح والسلطة الفلسطينية، فقد كان الذراع اليمنى للرئيس السابق ياسر عرفات، لكن اعتقاله عقب اندلاع الانتفاضة الثانية حال دون ذلك، وغالباً ما رأى فيه مناصروه رئيساً محتملاً للسلطة الفلسطينية، حيث يتمتع بدعم من شخصيات فتحاوية وازنة، مثل قدورة فارس وأحمد غنيم ومحمد الحوراني وغيرهم.
عبدالفتاح حمايل عضو المجلس الثوري لحركة فتح والمرشح عن قائمة الحرية التي يدعمها البرغوثي، قال لـ"عربي بوست" إن "مشاركة البرغوثي في الانتخابات الرئاسية حق كفله القانون، وليس من المنطق أو الانصاف أن تحرم فتح أحد قياداتها التاريخيين من ممارسة حقه الديمقراطي مرتين، فتجربة 2005 لن تتكرر في 2021، والبرغوثي يدرك أنه تعرض لخداع وتضليل من قبل الرئيس، ومن حقه أن يشارك بالصيغة والرؤية التي يراها مناسبة، ونحن نقف معه، وندعمه بقوة لرئاسة السلطة".
وتابع أن "الرئيس عليه أن يدرك أن فتح لا تقاد بالمنطق الآلي، لأن هنالك قواعد تنظيمية ومؤسسات شورية للحركة يجب أن يتم الرجوع إليها في كل مسألة تنظيمية، والبرغوثي كعضو في اللجنة المركزية تعرض للتهميش، ولم يتم إنصافه، كما أن تصرف الرئيس بمنطق الإقصاء كما حدث مع القدوة لا يعكس رغبته بلم شمل الحركة، وإعادة مسارها للطريق الصحيح".
التجربة السياسية
يقضي البرغوثي (63 عاماً) حكماً بالسجن لمدة خمسة مؤبدات (مدى الحياة)، حيث اعتقل في نيسان/أبريل 2002، بتهمة قيادة كتائب شهداء الأقصى الذراع العسكرية لحركة فتح، وتتهمه أوساط إسرائيلية بأنه العقل المدبر لانتفاضة الأقصى، والمسؤول المباشر عن عدد كبير من العمليات التي استهدفت جنوداً ومستوطنين.
امتلك البرغوثي رمزية كبيرة، كما جميع الأسرى من ذوي الأحكام العالية، لكن ما يميزه أنه وافد من المستوى السياسي، وليس الميداني فقط، إذ قاد نشاطه السياسي من جامعة بيرزيت حينما كان محاضراً في قسم التاريخ والعلوم السياسية قبل اعتقاله، ونال شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من معهد البحوث والدراسات التابع لجامعة الدول العربية في 2010.
مع أن البرغوثي لا يختلف كثيراً عن عباس في برنامجه السياسي في التوصل إلى تسوية مع إسرائيل، ولا يحمل مواقف عدائية تجاه إسرائيل، مثل باقي قيادات المقاومة الفلسطينية، لأنه يبقى ابن المؤسسة الرسمية الفلسطينية التي وقعت اتفاق أوسلو، وبراغماتيته السياسية تجد لها أصداء داخل الحلبة السياسية الإسرائيلية.
محطات التوتر
حظيت مسيرة البرغوثي بالكثير من المحطات خلال فترة اعتقاله، لكن ما يميزها أنه لم يكن في حالة توافق تام مع عباس، حيث عبر عن رفضه الشديد لمشروع عباس بدمج كوادر كتائب شهداء الأقصى في الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وتسليم سلاحها.
ثم جاءت المحطة الأبرز في حياة البرغوثي في صراعه مع حركة فتح إبان إضراب الكرامة الذي قاده في 2017، لمدة 43 يوماً بجانب قيادات فتحاوية داخل المعتقلات، إذ رفضت السلطة الفلسطينية التفاعل مع هذا الإضراب أو تأييده من خلال فض الاحتجاجات في الشارع، أو تجاهل الإعلام الرسمي له، واعتبر عباس أن البرغوثي يقود إضراباً للانقلاب عليه، رغم أنه حصل في انتخابات المؤتمر السابع لحركة فتح 2016 على أعلى نسبة أصوات داخل أعضاء اللجنة المركزية بـ936 صوتاً.
هاني المصري، مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات)، قال لـ"عربي بوست" إن "البرغوثي رغم الرمزية وحضوره السياسي والشعبي الذي يمتلكه، فإنه لا يمكن لوحده أن يقود مسار حركة فتح، أو ينهض بالمشروع الوطني الفلسطيني ككل، فهنالك فجوات كبيرة جداً داخل الحالة الفلسطينية بشكل عام، والبيت الفتحاوي بشكل خاص".
وأضاف أن "ما يميز البرغوثي أن مواقفه السياسية معتدلة ووسطية، وليست متهورة، مما قد يزيد فرصه للقيام بالتغيير السياسي المطلوب، وإذا نظرنا إلى حضوره وتأييده من قواعد حركة فتح أو من الفصائل الفلسطينية الأخرى فيمكن في هذه الحالة أن يمثل البرغوثي طوق النجاة للحالة الفلسطينية والفتحاوية الراهنة، فقط في حال توافرت الإرادة السياسية الفلسطينية".
التحالف مع دحلان
يواجه البرغوثي ضغوطاً فتحاوية داخلية بشأن حسم مسألة التحالف مع محمد دحلان، المفصول من حركة فتح، ويقود التيار الإصلاحي، فالأخير أبدى إشارات بإمكانية تشكيل هذا التحالف، عبر دعم البرغوثي في سباق الانتخابات الرئاسية، إلا أن المقربين من البرغوثي من قائمة الحرية لا يحبذون هذا التحالف، نظراً للصورة السلبية التي باتت في ذهن الكثيرين عن دور دحلان الإقليمي في المنطقة.
عبدالفتاح حمايل قال لـ"عربي بوست" إنه "لا يمكن القبول بأي شكل من الأشكال أن نرى تحالفاً بين دحلان والبرغوثي، فالقبول بهذا التحالف يعني أن القضية الفلسطينية باتت رهينة لأداة خليجية وهي الإمارات، التي منحت إسرائيل حقوقاً سياسية لم تكن تتخيلها عبر مشروع التطبيع على حساب القضية الفلسطينية".
وأضاف: "نحن ندرك وزننا في الشارع، ونعلم أننا نشكل أغلبية بالنسبة لحركة فتح، ودحلان بالإشارات التي يرسلها بإمكانية دعم البرغوثي للرئاسة يحاول أن يقوي حظوظ تياره بالفوز بالانتخابات، وهذا أمر في حال تم طرحه على طاولة النقاش فسوف يجد معارضة كبيرة من قبل قيادات قائمة الحرية".