قالت صحيفة Washington Post الأمريكية، الأحد 18 أبريل/نيسان 2021، إن شهر رمضان حل بشكل قاسٍ على اللاجئين السوريين بلبنان في وقت تزداد فيه حياة النزوح صعوبة، وسط المشاكل الاقتصادية التي يواجهها البلد المضيف الذي يترنح بسبب الأزمة الاقتصادية التي أججها الوباء والانفجار الضخم الذي دمر أجزاء من العاصمة بيروت في شهر أغسطس/آب 2020.
حيث أشارت دراسةٌ أجرتها منظمة الأمم المتحدة للوقوف على تأثير هذه المصائب المركبة، إلى أن نسبة الأسر السورية اللاجئة التي تعيش تحت خط الفقر الشديد -الذي يساوي 25 دولاراً في الشهر لكل فرد تقريباً وفقاً لتقديرات السوق السوداء الحالية- ارتفعت من 55% في عام 2019 لتصل إلى 89% في عام 2020.
سنوات من الفساد وسوء الإدارة
لكن ليس اللاجئون وحدهم في هذه المعاناة. فالأزمة الاقتصادية التي كللت سنوات من الفساد وسوء الإدارة، قد اعتصرت اللبنانيين ودفعت 55% من السكان، وعددهم 5 ملايين نسمة، إلى مهاوي الفقر وإغلاق الأعمال التجارية.
في هذا الصدد، تحوّل منزل لاجئة سورية تُدعى عائشة العبد، في بداية الشهر المكرم، الذي يتميز بالأجواء الاحتفالية المرحة، والالتفاف حول الوجبات الدسمة، إلى صمت وإحباط مع أسرتها السورية الصغيرة اللاجئة.
فقد كان الوضع فوضوياً في مطبخ عائشة، وهي أُم لطفلين تبلغ من العمر 21 عاماً، بينما كانت تراقب طفلتها الصغيرة، وكان كل شيء يذكرها بمصاعب الحياة؛ إذ داخل ما تدعوه مطبخها الصغير، كانت تجلس القرفصاء تقطّع الخيار إلى جانب موقد الغاز أحادي الشعلة. وفي البيت، ترى خيمة لها أرضية خرسانية وحوائط خشبية يكسوها القماش البلاستيكي. وبالتأكيد ترى وجبة الإفطار، المكونة من الأرز وحساء العدس، والبطاطا المقلية، وسلطة الخيار بالزبادي، وأرسلت لها أختها بعض الدجاج والسمك.
ارتفاع الأسعار "يذبح الناس"
من جهته، قال رائد مطر، زوج عائشة، البالغ من العمر 24 عاماً، إن ارتفاع الأسعار "يذبح الناس"، مضيفاً: "نصوم ونصوم ونفطر على بصلة (..) الناس طيبون ومتعاونون، ولكن الوضع أصبح كارثياً، واللبنانيون أنفسهم لا يمكنهم العيش. فلك أن تتخيل حالنا".
مع ذلك، يبدو أن العلاقات تتوتر بين اللبنانيين واللاجئين السوريين؛ فقد كان رائد من بين مئات النازحين من معسكر غير رسمي، في العام الماضي، بعد أن أشعل مجموعة من اللبنانيين النار في المعسكر إثر شجار بين سوري ولبناني.
كان هذا هو النزوح الخامس لعائلة رائد الصغيرة، إذ يتنقلون عادة بين المعسكرات غير الرسمية في شمالي لبنان. اضطرت العائلة للانتقال مرتين بعد تلك المرة، إحداهما كانت لأن مالك الأرض اللبناني ضاعف الإيجار، وقال لرائد إنه يمكنه دفع هذا المبلغ لأنه يحصل على مساعدات لكونه لاجئاً. تعيش العائلة حالياً في بحنين.
معاناة قاسية
كما بكت سورية أخرى في لبنان اسمها رهف الصغير، بشأن صعوبة إفطار أسرتها، وذلك حتى قبل بداية شهر رمضان.
فقد قالت الأرملة رهف، التي توفي زوجها حديثاً، وهي أُم لثلاث فتيات: "لا أعرف ماذا أفعل.. البنات يستمررن في قولهن إنهن يشتهين اللحم، ويشتهين الدجاج، والبسكويت والفاكهة".
إزاء تلك الصعوبات القاسية، عملت رهف العزم في رمضان على منع بناتها من مشاهدة صور وجبات إفطار الآخرين، قائلة: "لا أريدهن أن يقارنَّ أنفسهن بالآخرين، خاصةً أن وقت الصيام، نشتهي الكثير من الأشياء".
رهف تذكرت أوضاع أسرتها خلال شهر رمضان قبل أن يخرجها العنف من بلادهم، فقد كان الشهر المبارك مبهجاً بالنسبة لهم، وكانوا يعدون الطعام ويتبادلون الزيارات مع العائلة والجيران، ويستقبلون المقبلات الشهية وأطباق الحلوى، مضيفة: "الآن، لا عائلة، ولا جيران، ولا حلوى (..) رمضان لم يعد مختلفاً عن بقية الأيام. بل ربما نشعر بمزيد من الأسى".
وسط هذه المعاناة، تلجأ رهف إلى إيمانها.
أيضاً، زادت جائحة "كورونا" وتداعياتها العبء على عائلات اللاجئين السوريين في لبنان، والذين باتوا لا يشعرون بالأجواء الرمضانية، أو يذوقون طعم ولذّة هذا الشهر الفضيل.
كانت وزارة الصحة في لبنان قد أعلنت، السبت، تسجيل 32 وفاة و1695 إصابة بكورونا، فضلاً عن تعافي 1688 مريضاً؛ ليرتفع إجمالي الإصابات إلى 508 آلاف و503، منها 6 آلاف و886 وفاة، و423 ألفاً و848 حالة شفاء.
ظروف حياتية بائسة
يشار إلى أن لبنان يستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين للفرد الواحد، حيث تقدر الحكومة وجود 1.5 مليون لاجئ سوري. كما يستضيف 18.500 لاجئ إضافي من إثيوبيا والعراق والسودان ودول أخرى، إضافة إلى أكثر من 200.000 لاجئ فلسطيني خاضعين لولاية الأونروا.
ترى الأمم المتحدة أن وجود مثل هذا العدد الكبير من اللاجئين، في بلد صغير يكافح من أجل الحفاظ على توازنه الديموغرافي الدقيق واستعادة نموه الاقتصادي، يؤثر بشكل متزايد على مساحة الحماية وعلى الدعوات والإجراءات الموجهة نحو العودة السريعة للاجئين إلى سوريا.
كما أن وجود ضغط على البنية التحتية والخدمات والبيئة، إضافة إلى التنافس على فرص العمل، مما يشكل تحدياً لقدرة التحمل وكرم الضيافة الذي تبديه المجتمعات المضيفة، التي يعيش فيها اللاجئون على نحو مبعثر، ويؤثر سلباً على العلاقات بين المجتمعات المحلية والاستقرار الاجتماعي.
في حين سعت خطط المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان إلى توفير إطار لاستجابة متكاملة للتنمية الإنسانية يتم فيها تلبية احتياجات اللاجئين -إلى أقصى حد ممكن- بناءً على القوانين والسياسات الوطنية، من خلال تعزيز قدرة المؤسسات والمنظمات الوطنية لتقديم الخدمات. ويكمن الهدف وراء ذلك في التخفيف من أثر وجود اللاجئين من خلال دعم المجتمعات المضيفة واللبنانيين من الفئات الضعيفة. وتقوم المفوضية بتنسيق خطة الاستجابة للبنان إلى جانب وزارة الشؤون الاجتماعية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حيث تواصل قيادتها لقطاع اللاجئين.
إلا أن الأمم المتحدة لفتت إلى أن اللاجئين يواجهون مخاطر متزايدة في مجال الحماية، مع عدم وجود إقامة قانونية، والذي من شأنه أن يؤدي إلى خطر الاعتقال والترحيل والطرد من السكن والعنف الجنسي والقائم على نوع الجنس وإساءة معاملة الأطفال، فضلاً عن أن الاحتياجات في مجال المساعدات الأساسية، وكذلك في مجال الصحة والمأوى والصرف الصحي، آخذة في الازدياد.
يذكر أن الاحتياجات الإنسانية للاجئين ومواطن ضعفهم ستبقى مرتفعة، بسبب العوامل التراكمية في هذا الوضع المطول، حيث لا يزالون يعتمدون إلى حد كبير على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية والصمود ضد الاستغلال والمخاطر الأخرى، حسب الأمم المتحدة.
تخزين كميات ضخمة من الأغذية والأدوية والوقود
في سياق ليس ببعيد، كشفت مصادر مطلعة لوكالة رويترز، الجمعة 16 أبريل/نيسان 2021، أن جماعة حزب الله اللبنانية تقوم باستعدادات تحسباً لانهيار تام للبلد المتعثر، عبر إصدار بطاقات حصص غذائية واستيراد أدوية وتجهيز صهاريج لتخزين الوقود القادم إليها من إيران.
ثلاثة مصادر مطلعة أكدت هذه الخطوات، والتي قالت إنها تأتي استجابة لأزمة اقتصادية خطيرة تعيشها البلاد، حيث ستتوسع الخدمات التي تقدمها الجماعة إلى قاعدة دعمها الشيعية الكبيرة، وستشمل شبكة جمعيات خيرية وشركات بناء ونظام تعويضات.
تلقي هذه الخطوات الضوء على المخاوف المتزايدة من انهيار الدولة اللبنانية، وهو الوضع الذي تصبح السلطات فيه غير قادرة على استيراد الغذاء أو الوقود من أجل تفادي الأزمة، كما تبرز الدور المتنامي لحزب الله.