كشف موقع Middle East Eye البريطاني، أن أبناء القبائل الموجودة في سيناء بالقرب من الحدود مع قطاع غزة، وجدوا أنفسهم بمفردهم في مواجهة تهديدات تنظيم الدولة "داعش"، الذي يعمل على الانتقام منهم بعد أن كانوا يساعدون القوات الحكومية المصرية بصفتهم إما مخبرين سريين وإما قوات شبه عسكرية.
حسب تقرير الموقع البريطاني الذي نُشر، الجمعة 9 أبريل/نيسان 2021، فإنه رغم كثرة التصريحات الدعائية المثيرة والمسلسلات التلفزيونية التي تنقل صورةً إيجابية تُؤكّد مزاعم الدولة بـ"القضاء على الإرهاب"؛ ما يزال شمال سيناء يمثّل واقعاً كابوسياً مروّعاً للسكان.
اختطاف داعش شباباً من قبائل سيناء
في الـ25 من مارس/آذار، كان عشرات الذكور من قبيلة الدواغرة مجتمعين لتناول العشاء حي اقتحمت أربع شاحنات بيك-أب (نصف نقل)، تحمل 23 من متشددي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على الأقل، بلدة العوامرية في بئر العبد بشمال سيناء.
قال مغنم، من أبناء القبيلة، لموقع Middle East Eye البريطاني: "نزل التكفيريون (المتشددون) من السيارات، وأطلقوا أعيرةً نارية تحذيرية، ثم ضربوا شابين تبادلا معهم السباب. ثم أمروا جميع الرجال بإلقاء أسلحتهم ليأخذوا 14 رجلاً من القبيلة بشكلٍ عشوائي ويُغادروا المكان. ووصفونا بـ(المرتدين)، لأنّنا نساعد الجيش كمرشدين وعملاء".
كما أوضح مغنم أن المتشددين تجوّلوا في بئر العبد بكل حرية حتى وصلوا إلى بلدتهم: "إنّهم يعلمون أنّ بإمكانهم فعل ما يحلو لهم وقيادة سياراتهم؛ لعلمهم أنه ليس هناك جيش أو شرطة لردعهم".
انتقاماً منهم لمساعدتهم قوات الجيش والشرطة
تُعَدُّ الدواغرة واحدةً من بين عدة قبائل تساعد قوات الجيش والشرطة بشمال سيناء داخل شبه الجزيرة المضطربة منذ صعود الجماعات المتشددة عام 2014، خاصةً تلك المرتبطة بـ"داعش": ولاية سيناء.
يقول تقرير الموقع البريطاني، إنه منذ الاختطاف، دخلت البلدة في حالة حداد وتنتظر التواصل إما مع الجيش وإما مع المتشددين، الذين قد يطلبون فدية. لكن العديد من أبناء البلدة، ومنهم مغنم، يخشون حدوث الأسوأ: مشاهدة أصدقائهم وأبناء عشيرتهم يُعدمون في أحد مقاطع الفيديو الدعائية لـ"داعش".
مأساة عائلة مغنم مثالٌ حي على الحياة القاسية التي يعيشها الآلاف من سكان شمال سيناء، الذين يعيشون في بيئةٍ نائية تُشبه ساحات الحروب بين النظام العسكري من ناحية والتمرد الراديكالي المتشدد من جهةٍ أخرى، وسط قيودٍ فرضتها الدولة على وصول الصحفيين إلى المنطقة.
الشباب في مواجهة عناصر داعش
ضمن مساعيها لقتال متشددي داعش، لجأت القوات الأمنية المصرية إلى مساعدة أبناء القبائل المحلية بصفتهم إما مخبرين سريين وإما قوات شبه عسكرية.
لكن منذ عام 2013، تقول الصحيفة البريطانية، وعقب اشتداد التمرد على خلفية الفض العنيف لاعتصام ميدان رابعة العدوية، إن أبناء القبائل من الذكور -الذين تعاونوا مع الجيش في مواجهة المتشددين طوعاً أو كرهاً- وجدوا أنفسهم بمفردهم في مواجهة ردود فعل المتشددين العنيفة.
إذ جرى اختطاف وإعدام العديد منهم، بقطع الرأس عادةً، على يد المتشددين. ولم تأتِ على ذكرهم أي صحف محلية أو بيانات عسكرية إلا فيما ندر، ولم يعترف بهم أحد أو يُكرّم عائلاتهم.
تحدث موقع Middle East Eye البريطاني إلى أفراد عائلات المخبرين السريين المقتولين، ممن عملوا مع الجيش والشرطة، إلى جانب آخرين من سكان شمال سيناء ممن تعرضوا للتهديد بالسجن في حال عدم التجسس على المتشددين.
إذ اعتُقِلَ سلمان (60 عاماً الآن)، في عام 2004، بجنوب سيناء عقب تفجيرات طابا، حين لقي عشرات السياح مصرعهم خلال هجمات منسقة على سيناء. وقال إنه احتُجِزَ لـ18 يوماً معصوب العينين، وتعرّض لاستجوابٍ متواصل داخل مبنى أمن الدولة في شمال سيناء.
"مجبَرون" على التعاون مع الجيش
لم يسمحوا له بالرحيل إلا عقب تعهده بأن يتعاون مع الجيش في العثور على مخابئ جماعة التوحيد والجهاد المتشددة التي كانت نشطةً آنذاك، والتي يمكن القول إنّها مثّلت أول وجود للجماعات المتشددة في شمال سيناء.
كما هددوه باعتقال زوجته والتحرش بها في حال عدم تعاونه، وهي طريقةٌ شائعة لتحويل المدنيين إلى عملاء، بحسب سلمان: "يستخدم ضباط أمن الدولة والمخابرات العسكرية أي نقطة ضعف ممكنة لتجنيد الرجال: ابنك المريض، أو زوجتك، أو سجلك الجنائي، أو حتى منزلك".
بينما اعتُقِلَ فياض، أحد أبناء القبائل الذي يعمل سائقاً لشاحنة تنقل الخضراوات بين السويس والإسماعيلية وشمال سيناء، ضمن حملة الاعتقالات الجماعية التي حدثت بالتزامن مع حملة سيناء 2018.
إذ أوضح للموقع البريطاني: "كان لديّ سجلٌ جنائي مرتبط بالتهريب قبل سنوات. وقال لي الضابط إنه يستطيع سجني لسنوات طويلة إن لم أعمل معه. كما استغل حقيقة حاجتي إلى السفر شهرياً مع ابنتي لعلاج كليتها في السويس".
كانت مهمته الأولى هي جمع المعلومات عن تجار الخضراوات الذين يبيعون البضائع للمتشددين. وقال فياض، إنه زيَّف بعض الأسماء، لكنه تعرض للاعتقال والتعذيب لاحقاً على مدار شهرين. وبعد الإفراج عنه لاحقاً، وجد أن ضابط العمليات الخاص به قد نُقِلَ إلى محافظةٍ أخرى.
عائلاتٌ منكوبة بعد إعدام أبنائها
ربما كان فياض محظوظاً، لكنه قال إنّ صديقه موسى عثمان الذي كان يعمل في مديرية تموين شمال سيناء، لم يكن محظوظاً بالقدر نفسه. إذ تعرّض للاختطاف في يناير/كانون الثاني الماضي، قبل إعدامه في بئر العبد. وفي مقطع الفيديو الدعائي، وصفت ولاية سيناء عثمان بأنه "جاسوس… يعمل مع الجيش المصري المرتد".
تابع فياض: "علِمنا لاحقاً أنّه كان ينقل إلى الجيش معلومات عن تجار السوق السوداء الذين يبيعون البنزين والوقود للمتشددين". وبعد شهرٍ من إعدامه، أطلقت محافظة سيناء اسمه على استاد بئر العبد الرياضي.
رغم تخليد ذكرى عثمان، فإن عائلات المخبرين الآخرين الذين تم إعدامهم، ما تزال في حزنٍ شديد على الأقارب الذين قُتِلوا بسبب تعاونهم مع الجيش المصري.
الشعور بانعدام الحماية
منذ عام 2013، كانت ولاية سيناء تنشر مقاطع للمتشددين وهم يستجوبون المدنيين، الذين اعترفوا بعملهم مع الجيش المصري أو الشرطة أو المخابرات الإسرائيلية أو الميليشيات المؤيدة للجيش. وكان الغرض من المادة الدعائية هو إظهار مدى تعقيد عملية مكافحة التجسس لدى الجماعة.
بينما قال أحد أقارب درويش: "هذه ليست معركتنا. الجيش والشرطة يجلبان كل المعلومات والأسماء من المُخبر، ثم يتركانه بمفرده ليواجه مصيره بلا حماية".
لكن ليس جميع المخبرين الذين يعملون لصالح الجيش مجبرين على ذلك. فبعضهم تطوّع من نفسه للحصول على المزايا، أو المكانة المرموقة، أو المال وفقاً لسامح الذي يعمل أستاذاً في المدرسة من قبيلة الطرابين، وهي من كبرى القبائل المؤيدة للحكومة في شمال سيناء.
إذ أوضح أن الدولة أصدرت عفواً عن أفراد عائلته كافة من مختلف الجرائم التي ارتكبوها قبل عام 2011، ومنحتهم ثقتها: "قبل 2011، كنا تجار مخدرات ومهربين، والآن صرنا مقاتلين أبطالاً نحارب الإرهاب السيئ".
في تقريرها لعام 2019، حذّرت منظمة هيومن رايتس ووتش من اعتماد الجيش على الميليشيات المؤيدة للحكومة، التي قالت المنظمة إنها "تستغل سلطاتها القائمة لاعتقال السكان تعسفياً وتصفية الحسابات والخلافات الشخصية". وأضافت المنظمة أنهم تورطوا أيضاً في عمليات تعذيب وقتل خارج نطاق القانون.