كشفت وسائل إعلام فرنسية، الجمعة 9 أبريل/نيسان 2021، عن "حقيقة" التأجيل المفاجئ للزيارة التي كان سيقوم بها وفد وزاري فرنسي إلى الجزائر، وقالت إن هناك انزعاجاً جزائرياً من قرار لحزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "الجمهورية إلى الأمام"، مرتبط بقضية الصحراء الغربية.
فقد أرجأت الجزائر، الخميس 8 أبريل/نيسان 2021، زيارة كان مقرّراً أن يقوم بها رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس لتكريس عودة الدفء إلى العلاقات المعقّدة بين البلدين، في خطوة مفاجئة عزتها باريس لأزمة كورونا، بينما أكدت مصادر مطلعة أن أسبابها دبلوماسية.
فرع لحزب ماكرون في مدينة الداخلة
شبكة France Info الفرنسية قالت، الجمعة، إن الجانب الفرنسي أوضح أن النقاش قد اختصر على شكل الزيارة -التي لن تستمر إلا ليوم واحد- وحول حجم التمثيل الذي من المقرر أن يضم 3 وزراء فرنسيين مقابل 10 في ديسمبر/أيلول 2017 عندما سافرت السلطة التنفيذية الجزائرية إلى باريس.
في حين أعرب الجانب الجزائري عن رضاه عن هذا التفسير الرسمي، لكن وراء الكواليس، هناك حقيقة لم تمر مرور الكرام في الجزائر العاصمة.
فقد أعلن حزب إيمانويل ماكرون "الجمهورية إلى الأمام"، يوم الخميس 8 أبريل/نيسان، أنه سيفتح فرعاً له في مدينة الداخلة بالصحراء الغربية، وهي منطقة يطالب المغرب بالسيادة عليها. وتعتبر المملكة هذا الشريط من الأرض جزءاً لا يتجزأ من أراضيها.
بينما تدافع الجزائر عن فكرة إجراء استفتاء حول تقرير المصير، الذي من شأنه أن يسمح للسكان الصحراويين بتقرير ما إذا كانوا يرغبون في البقاء مستقلين أم يريدون الارتباط بالمغرب.
أما فرنسا فتتبنى موقفاً داعياً للحوار. إذ لا تريد باريس إثارة حفيظة الجزائر ولا المغرب.
يكفي أن نقول إن افتتاح فرع لحزب "الجمهورية إلى الأمام" في الداخلة، في اليوم السابق لزيارة زعيم الأغلبية ورئيس الحكومة الفرنسية، جون كاستيكس، إلى الجزائر هي لفتة لا يمكن إساءة تفسيرها.
تشكيلة الوفد الوزاري لم تعجب الجزائر
فيما قال مصدر فرنسي مطّلع على القضية إن "تشكيلة الوفد هي دون المستوى" في نظر الجزائر.
بدوره قال مصدر جزائري إنّ باريس "خفّضت مدّة الزيارة إلى يوم واحد وحجم الوفد إلى أربعة وزراء"، مضيفاً أنها "تشكيلة مصغّرة في حين أن هناك الكثير من القضايا الثنائية التي يجب دراستها".
كان مفترضاً بهذه الزيارة أن تمثّل خطوة جديدة في التقارب الثنائي الذي بدأه الرئيسان إيمانويل ماكرون وعبدالمجيد تبون.
خلال الزيارة التي أرجئت الآن، كان مقرّراً أن يترأّس كاستيكس بالاشتراك مع نظيره عبدالعزيز جراد اللجنة الحكومية الرفيعة المستوى، الهيئة التي تجتمع بانتظام لتقييم التعاون الاقتصادي بين البلدين بشكل خاص.
فيما لم تنعقد هذه اللجنة منذ كانون الأول/ديسمبر 2017 بسبب الحراك الشعبي الذي أدّى إلى سقوط الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في 2019 ثم بسبب الأزمة الصحية المرتبطة بكوفيد-19.
تدخّل ماكرون في احتجاجات الجزائر
بعد توتر خلال الحراك الشعبي قبل سنتين، عمد ماكرون إلى تقديم دعم مفتوح للرئيس تبون الذي قوبل انتخابه في نهاية عام 2019 برفض كبير من قبل الشعب وبتظاهرات في الشارع.
كان كاستيكس قد قال إنّ "زيارة رئيس الوزراء تندرج في إطار إعادة تفعيل العلاقة التي يريدها الرئيسان" مشيداً بـ"إطار التقارب" بين البلدين.
الزيارة التي أرجئت الآن تأخرت أصلاً بسبب دخول الرئيس عبدالمجيد تبون مرتين إلى المستشفى في ألمانيا في نهاية 2020 ومطلع 2021.
"بادرة صداقة"
فيما قال مصدر في قصر ماتينيون قبل إرجاء الزيارة إن "جان كاستيكس يرغب في إبقائها في موعدها كدليل على التزام فرنسا والقيام ببادرة صداقة تجاه الجزائر"، وأضاف أن "الرئيسين أطلقا استئناف العلاقات بين البلدين في جوّ جديد من الثقة. وهذا يجب أن يترجم عبر استئناف الاتصالات الثنائية وخصوصاً عبر اللجنة الحكومية".
ولو لم تؤجل الزيارة لكانت ستشكّل أول رحلة في إطار علاقات ثنائية فعلية لكاستيكس منذ تولّيه مهامه في تموز/يوليو 2020. ولم يزر رئيس الوزراء الفرنسي حتى الآن سوى بروكسل، وتشاد لتفقّد القوات الفرنسية المنتشرة في منطقة الساحل.
كما كان مقرراً أن يبحث رئيسا الوزراء في الجزائر "جميع جوانب العلاقات الثنائية" -الاقتصادية والأمنية والتعليمية والثقافية- وأن يوقّعا اتفاقيات في "بعض مجالات التعاون"، كما ذكرت مصادر في باريس من دون أن تضيف أي تفاصيل.
الذاكرة والهجرة ومكافحة الإرهاب
مع ذلك، يمثل الجزائر إحدى أولويات إيمانويل ماكرون في العالم العربي، وهذا ما يقوله للدبلوماسيين الذين يتحدث معهم. ومن هنا جاءت هذه البادرة لتهدئة الذكريات: إعادة رفات وجماجم المقاومين الجزائريين، التي كان يُحتفَظ بها في متحف الإنسان في باريس، وكذلك اعتراف فرنسا بعمليات التعذيب إبّان حرب التحرير، وتورط الجيش الفرنسي في مقتل المناضلين من أجل الاستقلال موريس أودان وعلي بومنجل.
الشبكة الفرنسية قالت سنشهد بلا شك تسلسلاً تذكارياً جديداً عشية الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، مع حلول الذكرى الستين لاتفاقيات إيفيان.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قال لمحاوريه إنه يتوقع ثلاثة أشياء من الجزائر: أولاً، تعزيز مشاركة الجيش في الحفاظ على الأمن في المنطقة، ونحن نتحدث هنا عن مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، وكان رئيس أركان الجيش الفرنسي، الجنرال فرانسوا لوكوانتر، في زيارة للجزائر يوم الخميس.
أما التوقع الثاني فهو أن تمنع قوى الأمن الداخلي الجزائرية تدفق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وثالثاً أن تشرع النخب السياسية في تنفيذ إصلاحات لتحديث الجزائر. واعترف دبلوماسي رفيع المستوى قبل أيام قليلة في تصريح منفصل بأنَّ "الجزائر ليست الجار المثالي، بل هي بلد على حافة الهاوية. وإذا لم تتبنَّ الإصلاحات اللازمة، فسننتقل من أزمة لأخرى".