من حين لآخر تنفجر حملات لإغاثة الأطفال من العمالة حول العالم، خاصة في المناطق التي يعاني قاطنوها من فقر شديد، وأيام ويخفت الصوت، وتعاد الكرة، ولا يتغير واقع هؤلاء الأطفال إلا للأسوأ.
تقول الإحصاءات إن نحو 260 مليون طفل حول العالم يعملون في مجالات مختلفة، من بينهم 170 مليوناً في مجال صناعة المنسوجات والملابس الجاهزة لتلبية حاجات مستهلكي الملابس في أوروبا والولايات المتحدة، وفقاً لتقرير أصدرته منظمة العمل الدولية.
وعلى الرغم من أن عمالة الأطفال ممنوعة بموجب القانون في معظم بلدان العالم، فإنها لا تزال منتشرة في أفقر الدول، مثل بنغلاديش والصين وكمبوديا والهند؛ إذ يعمل الأطفال هناك في جميع مراحل صناعة الأزياء، بداية من إنتاج بذور القطن في مدينة بنين بنيجيريا، مروراً بالمشاركة في الحصاد في أوزبكستان، ثم غزل الخيوط في الهند، وحياكة الملابس في المصانع الموجودة في أنحاء بنغلاديش والهند.
وفقاً لمنظمة العمل الدولية، فإن الزراعة هي القطاع الذي يشهد أسوأ أشكال عمالة الأطفال وأكثرها شيوعاً، توظف مزارع البن الأطفال لجمع الحبوب في كولومبيا وتنزانيا وكينيا وأوغندا والمكسيك ونيكاراغوا وجمهورية الدومينيكان وهندوراس وبنما والسلفادور وغينيا وساحل العاج.
فيما يتم قطف القطن من قبل الأطفال في جميع مناطق زراعته خاصة في البلدان التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على محصول القطن، كما هو الحال في أوزبكستان وتركمانستان، وساحل العاج، إذ توفر تلك الزراعة لقمة العيش لنحو 3 ملايين شخص، وبالنسبة للقطن، فالأطفال عمال مميزون جداً، إذ إن أصابعهم الصغيرة، لا تضر بالمحصول، كما أن الأطفال عمال مطيعون، وهو ما يجعل من السهل إدارتهم، وبشكل عام لا توجد آليات إشراف أو مراقبة اجتماعية ولا نقابات يمكنها حماية الأطفال من المساومة من أجل تحسين ظروف العمل.
يعملون في التبغ وقصب السكر
تقول منظمة العمل الدولية إن صناعة التبغ واحدة من أخطر أنواع العمالة للأطفال بسبب ساعات العمل الطويلة والحرارة الشديدة والتعرض للمواد الكيميائية الخطرة، بالإضافة إلى اضطرار الأطفال إلى رفع أحمال ثقيلة وخطر الهجوم من الحيوانات المفترسة أحياناً. ويبلغ متوسط ساعات العمل للأطفال في صناعة التبغ نحو 10 ساعات يومياً.
يقوم الأطفال في بلدان مثل غواتيمالا والفلبين وكمبوديا بجني محصول قصب السكر، حيث عثرت منظمة العمل الدولية على آلاف الأطفال الذين يعملون في إنتاج قصب السكر في الفلبين والأرجنتين والبرازيل والصين والإكوادور وكوريا الشمالية وبيرو ولم يتجاوز عمر بعضهم سبع سنوات.
ويصعب على الشركات العالمية التحكم في كل مرحلة من مراحل الإنتاج، وهذا ما يجعل من عملية توظيف الأطفال في الفروع دون علم الشركة الأم والمستهلكين عملية بسيطة جداً، فالتعاقد مع تلك المصانع غالباً ما يكون من الباطن، وعليه تقوم تلك المصانع بالتواصل مع أهالي الأطفال دون علم ملاك الشركات، وعليه فمن المستحيل ملاحقتهم قانونياً.
وعلى الرغم من أن عمالة الأطفال مشكلة حقيقية فإن ما يزيد من تعقدها، هو أزمة الفقر المدقع، فحتى لو حاولت المنظمات الدولية حماية الأطفال من العمل بتلك المصانع، فإنهم سيذهبون إليها مرة أخرى بمحض إرادتهم، مقابل مبالغ زهيدة.
العالم لا يلتفت للأطفال إلا في الكوارث
في عام 2013 تحرك المجتمع الدولي بعد انهيار مجمع رانا بلازا المكون من 8 طوابق في مدينة سافار القريبة من عاصمة بنغلاديش، هزت الحادثة الرأي العام العالمي بعدما قتل على إثرها 1100 شخص، بينهم أطفال كانوا يعملون في 5 مصانع يضمها المبنى.
بعد انهيار المجمع بذلت الحكومة البنغلاديشية وشركات الأزياء والملابس العالمية، التي تنتج ملابسها في بنغلاديش، جهوداً مشتركة ساعدت في تحسين حالة مباني المصانع، وتطوير أنظمة السلامة المهنية، مثل أنظمة مواجهة الحرائق.
بعدها وقَّعت 200 شركة أوروبية اتفاقاً مُلِزماً من أجل ضمان سلامة المباني ومواجهة الحرائق في بنغلاديش، وشارك "التحالف من أجل سلامة عمال بنغلاديش"، الذي يضم 30 شركة أمريكية كبرى بمساعدة السلطات البنغلاديشية في التفتيش على 2266 مصنعاً في بنغلاديش، لضمان توافر عوامل سلامة العمال والأمن الصناعي، لتفادي تكرار حادثة مجمع رانا بلازا.
علماً بأن بنغلاديش هي ثاني أكبر منتج للملابس في العالم بعد الصين؛ إذ تصدر ما قيمته حوالي 21.5 مليار دولار إلى الأسواق العالمية، لكنها تواجه في الوقت ذاته انتقادات شديدة بسبب الأوضاع السيئة التي يعاني منها العمال في مصانع الملابس.
لكن الحادثة وإن سلطت الضوء على عمالة الأطفال فهي لم تقضِ على الظاهرة المتفشية بسبب الظروف الصعبة التي يعمل بها الأطفال بالأساس فكثير منهم مضطرون للعمل وليس لديهم خيارات أخرى، بل إنهم يعولون أسرهم في هذه العمر الصغيرة.
هذا ليس الخطر الوحيد الذي يحدق بهم، فالعمل في مصانع، ومناطق قريبة من مجارٍ مائية يعرضهم للغرق، والتلوث، وخطر التعامل مع الآلات.
شركات عالمية تواجه انتقادات حادة
تلجأ كثير من الماركات العالمية إلى شرق آسيا لتوظيف أطفال للعمل في مصانعها، إذ يعملون لعدد ساعات طويلة، وبأجور زهيدة، ومشكلات أقل، كانت من بينها الشركة السويدية H&M التي توظف عمالاً في ميانمار وبنغلاديش، بينهم أطفال يبلغون من العمر 14 عاماً يعملون لأكثر من 12 ساعة يومياً.
وبعد الانتقادات الحادة قالت الشركة إنها اتخذت إجراءات مع كافة المصانع حول التحقق من بطاقات الهوية وظروف العمل الإضافي، وأكدت أن العمل في مصانعها يكون في ظروف عمل جيدة، مع مراعاة الصحة والسلامة.
لم تكن H&M وحدَها، فثمة اتهامات وجهت إلى شركة زارا هي الأخرى باستخدام الأطفال لإنتاج ملابسها، ودفع أقل من الحد الأدنى للأجور، بالإضافة إلى إجبار الموظفين على العمل لأكثر من 12 ساعة يومياً.
فضلاً على تلوث البيئة، إذ إن مياه غسل وصباغة الملابس تُصرف في الأنهار وهناك العديد من المصانع تتخلص من هذه المياه دون معالجة.
ورغم أن اقتصاد بنغلاديش يرتكز في الأساس على الزراعة، لوجود 70% من السكان يعتمدون في الأساس عليها، خاصة صناعة الأرز، فإن مياه الصباغة تلوث الأنهار، وتغرق الحقول، وتقضي على الأسماك.
الموضة السريعة
تظهر اتجاهات الموضة وتختفي بسرعة كبيرة، ما يجعل الأسواق في حاجة دائمة لآلاف القطع من الملابس فيما اصطلح على تسميته إعلامياً "الموضة السريعة"، وهي ظاهرة دفعت الشركات المصنعة إلى البحث عن مصادر عمل أرخص تكون متاحة بحرية، وبعيداً عن أعين القانون، وهو ما وجدوه في البلدان الفقيرة، وفي الأطفال.
كما كشف تقرير أصدره مركز البحوث حول الشركات متعددة الجنسيات (SOMO) ولجنة الهند في هولندا (ICN)، عن أن شركات التوظيف في جنوبي الهند تُقنع الآباء في المناطق الريفية الفقيرة بإرسال بناتهم إلى مصانع الغزل، بوعود إعطائهن وظيفة مدفوعة الأجر، وإقامة مريحة، وثلاث وجبات في اليوم، وفرصاً للتدريب والتعليم، بالإضافة إلى دفع مبلغ مقطوع في نهاية كل ثلاث سنوات، وهو الأمر الذي لا يحدث.
جهود دولية لإنهاء عمالة الأطفال
يبذل عدد من المؤسسات جهوداً للحد من عمالة الأطفال، اليونيسف مثلاً دعت لتكثيف الجهود من أجل القضاء على عمالة الأطفال، وأكدت أنها نتيجة للفقر، كما أنها تهدد سلامة الأطفال ومستقبلهم التعليمي.
دعت "اليونيسف" الحكومات والجهات المانحة إلى زيادة الاستثمار في التعليم الجيد، ودعم وضع تدابير الحماية الاجتماعية التي تشمل جميع الأطفال، كما حثَّت القطاع الخاص على استخدام إمكاناته كعوامل للتغيير الاجتماعي، لضمان حماية حقوق الطفل في سلاسل التوريد الخاصة به.
من تلك الجهود الدولية تنظيم الحكومة الأرجنتينية مؤتمراً دولياً بدعم من منظمة العمل الدولية في العاصمة بيونس آيريس، حول القضاء المستدام على عمل الأطفال، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، جمع بين ممثلي الحكومة وأصحاب العمل ومنظمات المجتمع المدني، وانتهت فعاليات المؤتمر بتعهُّد المجتمع الدولي بتسريع القضاء على عمالة الأطفال بحلول عام 2025.
المحصلة أن وضع الأطفال لا يزال في خطر، وعمالة الأطفال تزداد يوماً بعد يوم، خاصة أنهم غير مكلفين لأصحاب العمل.