رغم أن حياة صيادي السمك في اليمن شبه مستحيلة منذ اندلاع الحرب قبل ست سنوات، تفاجأ مجموعة منهم في محافظة عدن خلال فبراير/شباط 2021، بمن فيهم بعض النازحين من الحديدة، بغنيمة غير معتادة بعد رحلة قد تكون الأكثر ربحاً، رحلة من شأنها تغيير حياتهم حيث صادفوا جثة حوت عنبر عملاق وكان يحوي قطعة ضخمة من العنبر، وهي مادة نادرة تعرف باسم "الذهب العائم" أو "كنز البحر"، وفقاً لما نشرته موقع Middle East Eyes البريطاني.
الوضع في اليمن
عبد الرحمن، أحد الصيادين الذين انتشلوا الحوت يقول: "عندما مر الصيادون بجوار حوت ميت كبير، صرخ صياد نازح من الحُديدة على زملائه الآخرين، فقد تعرف عليه على أنه حوت العنبر"، و"يتمتع صيادو الحُديدة بالخبرة في التعرف على حيتان العنبر عن الآخرين. لقد مررنا بنفس السمكة الميتة أكثر من مرة، ولم نعرها أي اهتمام لأن البحر مليء بالأسماك الميتة. لكن خبرة الصيادين النازحين أحدثت الفارق".
والعنبر هو كتلة صلبة من المواد التي استهلكتها حيتان العنبر والتي تكبر في أمعائها على مدى عدة سنوات. وهو يُعرف أحياناً باسم "قيء الحوت"، ويُعتقد أنه يتقيأه أحياناً ولكن غالباً ما يمر عبر الجهاز الهضمي.
على الرغم من أنها ليست ممتعة بشكل خاص، فإن هذه المادة الغريبة لها قيمة لا تصدق؛ إذ يُستخرج زيت من العنبر لجعل العطر يدوم لفترة أطول، وهو يستخدم فقط لأغلى الروائح.
لم يعثر عبد الرحمن على العنبر خلال كل السنوات التي قضاها في صيد السمك. وقال إنه ربما يكون قد مر بالحيتان الطافية على وجه الماء، لكنه لم يتعرف عليها أبداً، لأنه كان يبحث فقط عن الأسماك ليصطادها وأضاف: "طلب الصيادون تسعة قوارب لمساعدتهم ونقلوا الحوت النافق إلى شاطئ قبالة جبل شمسان في عدن".
كما أوضح عبد الرحمن أن "أكثر من 100 صياد شاركوا في جلب الحوت إلى الساحل وقطعه وفتحه ثم حراسة العنبر وبيعه".
لتجنب أي خلافات، وافق الصيادون على نسبة لكل رجل قبل بيع العنبر. ثم باعوه مقابل 1.3 مليار ريال يمني، أي ما يعادل 1.5 مليون دولار في السوق السوداء.
وبلغ وزن العنبر 127 كيلوغراماً، وباعه الصيادون إلى تاجر من الإمارات العربية المتحدة، وعمل عبد الرحمن كوسيط، وقال: "كانت كل أسرة في الخيسة تشعر بالسعادة الغامرة، لأنهم جميعاً حصلوا على بعض المال من بيع العنبر".
يشار إلى أن الخروج إلى المياه في اليمن يمكن أن يكون محفوفاً بالمخاطر حين تكون الأطراف المتحاربة تتقاتل، والعديد من بحار اليمن أصبحت مناطق محظورة، وهو ما يقطع مصدر رزق الآلاف من اليمنيين.
أما في محافظة عدن جنوب البلاد، فأصبحت القيود أكثر مرونة، ما أدى إلى جذب الصيادين النازحين من سواحل أكثر خطورة مثل الحديدة. وسط ندرة العمل وكذلك المعدات والقوارب، وفي كثير من الأحيان ينضم اليمنيون الذين كانت لديهم سفنهم الخاصة إلى مجموعات صيد أكبر ويجب عليهم مشاركة الغنائم مع العديد من الآخرين، فضلاً عن التكاليف.
تقاسم الغنائم
في مثل هذه الفترة العصيبة من تاريخ اليمن، حيث يعتمد ثلثا سكان البلاد البالغ عددهم 30 مليون نسمة على المساعدات الإنسانية، وقتل ما لا يقل عن 230 ألف شخص في الصراع، فإن الأنباء السارة نادرة.
لكن اكتشاف العنبر سيغير حياة سكان الخيسة، وهي قرية تضم نحو ألف عائلة تابعة لمدينة البريقة جنوب مدينة عدن.
عبد الرحمن كشف أن الصيادين يتبرعون ببعض المال للمحتاجين، مضيفاً: "كان كل شيء على ما يرام والصدقة أسعدت سكان القرية"، ووفقاً لعبد الرحمن، فإن معظم الصيادين الذين انتشلوا الحوت ليست لديهم قواربهم الخاصة ويكافحون لكسب ما يكفي لإعالة أسرهم.
تابع عبد الرحمن قائلاً: "يمكننا بيع الأسماك بحوالي مليون ريال في أفضل الحالات. وننفق بعضاً من هذا على الوقود واستئجار القوارب وبقية الأموال التي نتقاسمها، ولكن الآن بِيع العنبر بمبلغ ضخم، لذلك يشعر الصيادون بالإحباط بسبب الدخل الذي يحصلون عليه من بيع الأسماك".
لم يكن جابر محظوظاً بما يكفي ليكون أحد الصيادين الذين عثروا على العنبر، لكن أولئك الذين انتشلوه أعطوه المال رغم ذلك، إذ يقول جابر: "ذهب الصيادون للإبحار للصيد وكانت أوضاعهم سيئة للغاية، فسألوا الله التوفيق وقُبل دعاؤهم وفجأة وجدوا حوت العنبر".
وأشار الصياد إلى أن الكثير من الرجال لديهم أطفال يعتمدون عليهم، وآخرون لا يملكون ما يكفي من المال للزواج وتكوين أسرة، بالتالي فإن بيع العنبر يخفف من معاناتهم: "كان جميع سكان القرية سعداء بالصيادين وحاولنا مساعدتهم بأي طريقة ممكنة. وعندما باعوا العنبر، ساعدونا بالمال وساعدوا بعض العائلات بالأدوية".
لا يمكن التنبؤ بالبحر
صُدم سعيد موري، صياد نازح من الحديدة، عندما سمع عن العنبر، وهو سعيد للغاية لأن بعض زملائه وجدوا الثروة وطريقاً للخروج من المعاناة التي يعيشها الكثير من اليمنيين: "البحر لا يمكن التنبؤ به. نصلي لله وأحياناً نحصل على ما يكفي من السمك وأحياناً لا. هذا هو حظنا الذي أعطانا إياه الله".
أضاف سعيد: "أولئك الذين يمكنهم العثور على حوت العنبر هم الصيادون الأكثر حظاً، وهو الأمر الذي قد يحولهم من عمال يعملون لحساب آخرين إلى أصحاب قوارب يستأجرون البحارة أنفسهم".
يعرف موري بعض الرجال الذين اكتشفوا العنبر، وقالوا إن حياتهم تغيرت بطرق لا يمكنهم سوى أن يحلموا بها، إذ قال: "أعرف بعض الذين يمتلكون الآن قوارب بعد أن باعوا العنبر. لكنني أعرف أيضاً بعض الصيادين الذين فقدوا قواربهم ويعيشون في البحر لأن الرياح لا يمكن التنبؤ بها. العمل كصياد يعني المغامرة، والتي يمكن أن تكون جيدة أو سيئة".
أصبحت الخبرة التي يتمتع بها الصيادون في الحُديدة في التعرف على حيتان العنبر الآن أسطورية، ويأمل أولئك المنتمون لساحل عدن الآن أن يحذوا حذوهم. يقول موري إن العنبر يمكن أن يوجد إما في معدة حوت ميت، أو أنه يتقيأه قبل أن يموت، وسوف ينتبه أكثر في المرات القادمة.
وقال موري: "عادةً ما وجد الصيادون كميات لا تتجاوز أربعة كيلوغرامات من العنبر، لكنّ أولئك الموجودين في عدن محظوظون، فقد عثروا على 127 كيلوغراماً".
في غضون ذلك، يشكر عبد الرحمن الله سبحانه وتعالى على جلب الحظ له ولقريته، فضلاً عن زميل مميز للغاية.