بعد فشل المحادثات الثلاثية الأخيرة بشأن أزمة سد النهضة الإثيوبي، أعلن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، الثلاثاء 6 أبريل 2021، أن بلاده ستتجه مع السودان للمؤسسات الدولية بعد انتهاء مفاوضات كينشاسا بالكونغو دون تقدم، مشدّداً على أن بلاده لن تقبل بأي ضرر مائي يقع عليها أو على السودان.
جاء ذلك في تصريحات متلفزة أدلى بها شكري، رداً على سؤال بشأن "الخطوة التالية بعد فشل مفاوضات العاصمة الكونغولية بشأن السد".
فيما أوضح شكري أن "هناك تنسيقاً كاملاً ووحدة للموقف مع السودان بالبدء في إطار التوجه إلى المؤسسات الدولية"، مضيفاً: "نلجأ للمنظمات الدولية ومجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وجميع الأطر متاحة ولا بد أن تكون فاعلة في القضية منعاً للانزلاق نحو أي توتر والتأثيرات السلبية على المنطقة".
"إفشال المسار الإفريقي"
شكري أكد أيضاً أن "مصر والسودان أبديا قدراً ضخماً من المرونة وطوّرا مواقفهما بشكل يستقطب الجانب الإثيوبي، والأخير استمر في الرفض والعمل على إفشال المسار الإفريقي"، منوهاً إلى أن لديهم سيناريوهات مختلفة لحماية أمنهم المائي.
كما ذكر المسؤول المصري ذاته أنهم لم يلمسوا إرادة سياسية جدية لدى إثيوبيا لحل أزمة السد، مؤكداً أن الإطار السابق للتفاوض أثبت عقمه رغم محاولة مصر تقديم إطار جديد، خاصة أن أديس أبابا -حسب رأيه- "حاولت التنصل من أي التزام؛ فرغم المرونة لدى مصر والسودان إلا أن إثيوبيا أجهضت تلك الجهود".
إلى الآن، لم يصدر تعليق فوري من الخرطوم وأديس أبابا بشأن الإعلان المصري.
"إثيوبيا ترفض كافة المقترحات والبدائل"
في وقت سابق من يوم الثلاثاء، أعلنت الخارجية المصرية، في بيان، أن المحادثات التي انعقدت في العاصمة الكونغولية كينشاسا، "لم تحقق تقدماً، ولم تتوصل إلى اتفاق بشأن إعادة إطلاق مفاوضات السد"، مشيرة إلى أن "إثيوبيا رفضت المقترح الذي قدمه السودان وأيدته مصر بتشكيل رباعية دولية تقودها جمهورية الكونغو التي ترأس الاتحاد الإفريقي للتوسط بين الدول الثلاث".
بيان الخارجية المصرية شدّد على أن أديس أبابا رفضت أيضاً "كافة المقترحات والبدائل الأخرى التي طرحتها مصر وأيدتها السودان من أجل تطوير العملية التفاوضية، لتمكين الدول والأطراف المشاركة في المفاوضات كمراقبين من الانخراط في المباحثات والمشاركة في تسيير المفاوضات".
جاءت تصريحات شكري، وبيان الخارجية غداة ختام اجتماعات عقدت في كينشاسا، الأسبوع الجاري، اعتبرتها القاهرة في وقت سابق "فرصة أخيرة" للتوصل إلى اتفاق حول ملء وتشغيل السد الإثيوبي المتعثرة مفاوضاته.
كانت مفاوضات كينشاسا الخاصة بأزمة سد النهضة قد انطلقت، السبت 3 أبريل/نيسان 2021، على مستوى الخبراء بالدول الثلاث، قبل أن تعقد على مدى يومي الأحد والإثنين بمشاركة وزارية.
هل فشلت "الفرصة الأخيرة"؟
قبل انطلاقة المفاوضات قالت مصر إن أحدث اجتماع بينها وبين السودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة ربما يكون "فرصة أخيرة" قبل أن تملأ أديس أبابا السد للعام الثاني على التوالي.
إذ انتهت محاولات سابقة بهدف التوصل إلى الاتفاق بشأن السد الضخم الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق، إلى طريق مسدود.
تقول إثيوبيا إن للسد دوراً محورياً في تنميتها الاقتصادية وتوليد الكهرباء. أما مصر فتخشى أن يعرض إمداداتها من مياه نهر النيل للخطر، في حين يساور السودان القلق بشأن سلامة السد وتنظيم تدفق المياه عبر السدود ومحطات المياه على أراضيه.
كما قالت إثيوبيا إنها ستعمد مجدداً إلى ملء خزان سد الطاقة الكهرومائية الضخم بعد بدء موسم الأمطار هذا الصيف، وهو تحرك تعارضه كل من مصر والسودان.
فيما قالت الخارجية المصرية في بيان: "هذه المفاوضات بمثابة فرصة أخيرة يجب أن تقتنصها الدول الثلاث من أجل التوصل لاتفاق على ملء وتشغيل سد النهضة خلال الأشهر المقبلة وقبل موسم الفيضان المقبل".
السودان يتهم إثيوبيا برفع السقف
أما السودان فأشار، في بيان منفصل، إلى أن إثيوبيا "رفعت السقف للمطالبة ببحث قسمة مياه النيل" خلال المفاوضات، مؤكداً أن "إصرار أديس أبابا على مثل هذه التحركات الأحادية يمثل انتهاكاً للقانون الدولي".
إذ قالت وزارة الري والموارد المائية السودانية، الثلاثاء، أن ما وصفته بالتعنت الإثيوبي في مفاوضات سد النهضة يحتم على السودان التفكير في كل الخيارات الممكنة لحماية أمنه ومواطنيه بما يكفله له القانون الدولي، مضيفة: "اختتمت اليوم في كينشاسا، جولة مباحثات حول سد النهضة الإثيوبي دون إحراز أي تقدم بسبب هذا التعنت".
الأمم المتحدة تدعو لـ "حل وسط"
في السياق ذاته، دعت الأمم المتحدة، الثلاثاء، كلاً من مصر والسودان وإثيوبيا إلى التوصل لحل وسط والتعاون فيما بينهم بشأن ملف سد النهضة.
جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوجاريك، عبر دائرة تليفزيونية مع الصحفيين بمقر الأمم المتحدة في نيويورك.
كان المتحدث يرد علي أسئلة الصحفيين بشأن موقف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من اختتام مفاوضات كينشاسا دون إحراز أي تقدم.
حيث قال دوجاريك: "رسالتنا للأطراف هي مواصلة التعاون وتسوية الملف ونحن من جانبنا مستمرون في حث الأطراف على مواصلة جهودها لاتخاذ خطوات ملموسة للتوصل إلى اتفاق"، مضيفاً: "مبادرة رئيس الاتحاد الإفريقي فيليكس تشيسيكيدى بعقد هكذا اجتماع أمر مُرحب به، ونحن نعيد التأكيد على جاهزيتنا لدعم هذه الجهود بالشكل الذي ترتضيه الأطراف".
كان فيليكس تشيسيكيدي، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية ورئيس الاتحاد الإفريقي والوسيط في المفاوضات، قد افتتح المحادثات بين الأطراف الثلاثة في وقت سابق اليوم. وقال: "أدعوكم جميعاً لبداية جديدة.. لفتح نافذة أو عدة نوافذ للأمل.. لانتهاز الفرص الجديدة.. لإشعال شعلة الأمل".
تأتي جولة المفاوضات الجديدة عقب 3 أشهر من تعثر المفاوضات، التي يرعاها الاتحاد الإفريقي، وبعد تحذير للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في 30 مارس/آذار الماضي، من المساس بحصة بلاده من مياه نهر النيل، حملت أقوى لهجة تهديد لأديس أبابا منذ نشوب الأزمة قبل 10 سنوات.
يشار إلى أن أديس أبابا تصر على الملء الثاني للسد، في يوليو/تموز المقبل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق، فيما تتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل إلى اتفاق يحافظ على منشآتهما المائية ويضمن استمرار تدفق حصتهما السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55.5 مليار متر مكعب، و18.5 مليار متر مكعب بالترتيب.