أعلن مجلس الوزراء السوداني، الثلاثاء 6 أبريل/نيسان 2021، عن إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل، في خطوة من شأنها أن تمهد لتطبيع كامل للعلاقات بين الخرطوم وتل أبيب، بعد أشهر من إعلان التطبيع بين البلدين في إطار "اتفاقيات سلام" وقعتها إسرائيل مع مجموعة من الدول العربية.
في 23 سبتمبر/أيلول الماضي 2020، قال رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، إن مباحثات أجراها حينها، مع مسؤولين أمريكيين في الإمارات، تناولت قضايا، بينها "السلام العربي مع إسرائيل".
كما ذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية وأمريكية آنذاك أن الخرطوم وافقت على تطبيع علاقاتها مع تل أبيب، في حال تم شطب اسم السودان من قائمة "الإرهاب"، وحصوله على مساعدات أمريكية بمليارات الدولارات، وهو ما حصل فعلاً.
قانون مقاطعة إسرائيل في السودان
يحظر قانون مقاطعة إسرائيل الذي سنّته السودان عام 1958، على أي شخص أن يعقد بذاته أو بالوساطة اتفاقًا مع أي الهيئات أو الأشخاص المقيمين في إسرائيل، أو يعلم أنهم ينتمون بجنسيتهم إليها أو يعملون لحسابها.
كما يجرم التعامل مع كل الشركات والمنشآت الوطنية والأجنبية التي لها مصالح أو فروع أو توكيلات عامة فيها، ويمنع قانون المقاطعة كذلك دخول أو تبادل أو الاتجار في البضائع والسلع والمنتجات الإسرائيلية المنقولة إلى السودان، سواء كانت واردة منها بشكل مباشر أو غير مباشر.
يَعتبر قانون مقاطعة إسرائيل كل البضائع والسلع المصنوعة في إسرائيل أو التي يدخل في صناعتها أو تجهيزها أي جزء مصنّع فيها، مهما كانت نسبته، منتجاً محظوراً.
كما يلزم القانون المستوردين تقديم شهادة منشأ للبضائع المستوردة عند طلب ترخيص الاستيراد أو في الميعاد الذي يحدده وزير المالية، تبين اسم البلد الذي صنعت فيه تلك السلع المستوردة، وما إذا كان يدخل في صنعها أو تجهيزها أي مادة من المنتجات الإسرائيلية، ويمنع تصدير السلع التي يحددها مجلس الوزراء إلى الدول التي يثبت أنها تعيد تصديرها إلى إسرائيل.
إذ يعاقب قانون مقاطعة إسرائيل المخالفين لأحكامه بالسجن لمدة قد تمتد إلى عشر سنوات أو بغرامة تحددها المحكمة أو بالعقوبتين معا.
كيف طبّعت السودان علاقاتها مع إسرائيل؟
في مطلع أكتوبر/تشرين الأول، قال الجنرال المثير للجدل محمد حمدان دقلو، نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، المعروف بـ"حميدتي"، إن العلاقات الرسمية مع إسرائيل يمكن أن تخدم مصالح السودان.
لم يكن هذا التعليق مفاجئاً، لطالما اعتقد كبار الضباط في القوات المسلحة السودانية أن بلادهم يجب عليها أن تسعى وراء المكاسب الاقتصادية التي حققتها مصر بعد تطبيع علاقاتها مع إسرائيل في عام 1979، متذرعين بأن السودان عانى من الموقف المتصلب المناهض ومقاطعة إسرائيل الذي اتخذه الرئيس المخلوع عمر البشير، الذي استمر في الحكم عهداً طويلاً.
لا شك أن مثل هذه المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن تحققها الخرطوم تبدو قريبة. بعد وقت قصير من الإعلان عن الاتفاقية، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن بلاده سوف ترسل إلى السودان مساعدات غذائية بقيمة 5 ملايين دولار، فضلاً عن أن البلدين سوف يجريان خلال أسابيع محادثات ثنائية لمناقشة إبرام صفقات في مجالات متنوعة مثل الزراعة والطيران والهجرة والتجارة، حسبما أوضح وزير الخارجية السوداني المكلف.
يقف غالبية الفصيل المدني في الحكومة الانتقالية ضد إضفاء طابع رسمي على العلاقات مع إسرائيل، على الأقل في ظل الظروف الحالية، وربما يفسر هذا سبب عدم بلوغ الاتفاق السوداني الإسرائيلي مستوى الاتفاقات التي أبرمتها إسرائيل مع البحرين والإمارات في الشهر الماضي.
ضغوط إماراتية على معارضي التطبيع
سعت الإمارات لترسيخ نفوذ قوي لها في السودان منذ إطاحة البشير في أبريل/نيسان 2019، وضغطت على القيادة العسكرية للانفتاح على إسرائيل.
إذ كانت الإمارات هي التي نظمت اجتماعاً سرياً في فبراير/شباط في أوغندا بين الجنرال عبدالفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي في السودان وأحد القادة العسكريين الذين أطاحوا البشير، وبين نتنياهو.
كان ذلك اللقاء في مدينة عنتيبي الأوغندية أولى الخطوات نحو التطبيع، بحسب القيادات في إسرائيل.
عندما زار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الخرطوم، في أواخر أغسطس/آب، أخبره عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني، بأن الحكومة الانتقالية ليس لديها تفويض لإقامة علاقات كاملة مع إسرائيل.
تدخلت الإمارات مرة أخرى عن طريق دعوة وفد رفيع المستوى من قادة السودان إلى أبوظبي لمقابلة مسؤولين أمريكيين، في 21 سبتمبر/أيلول، لبدء محادثات حول شطب السودان من قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد أن رفض حمدوك أمام بومبيو.
والأرجح أن الحاجة إلى اصطفاف مواقف قادة السودان المدنيين والعسكريين تفسر الطبيعة المحدودة للاتفاق مع إسرائيل؛ نظراً إلى أن التسوية الهشة بين فصائل الحكومة قد ينفرط عقدها بسرعة.