يتواصل احتدام الصراع بين أقطاب حركة فتح، في ظل خوضها الانتخابات التشريعية بثلاث قوائم، فتحدّيها المتمثل بمواجهة الخصوم الداخليين يزداد اتساعاً يوماً بعد يوم، وبعد أن اقتصر في وقت سابق، على مواجهة خصمها الأول في البيت الفتحاوي ممثلاً بمحمد دحلان، فقد شكّل انضمام عضوا اللجنة المركزية للحركة؛ المقال ناصر القدوة، والحالي مروان البرغوثي، بقائمة موازية لتقاسم الصوت الفتحاوي تحدياً من العيار الثقيل.
ويتمثل الانقسام الفتحاوي بهذه المرحلة في صراع يقوده رئيس السلطة الفلسطينية وزعيم الحركة محمود عباس ضد رافضي قراراته، مما زاد من الانشقاق داخل الحركة، وبات معارضوه يمثلون السواد الأعظم منها، وهو ما أعاد رسم الحسابات بتوقعات مشهد الانتخابات القادمة، وشكّل التحالفات التي قد تحدث داخل البرلمان وخارجه.
مفاوضات مع البرغوثي
قيادي في حركة فتح أكد لـ"عربي بوست"، أن "الحركة تتعامل مع البرغوثي على أنه ما زال عضواً بلجنتها المركزية، والمشاورات التي يقودها قادة الحركة معه صحيحة، ولم تتوقف منذ إصدار مرسوم الانتخابات، وتأتي في إطار استمرار نهج الحركة بالتشاور مع كافة مركباتها التنظيمية، ونحن متفائلون بالوصول لنقاط إيجابية من هذا الحوار بما يخدم مصلحة الحركة خلال المرحلة القادمة".
وأضاف المتحدث أن "المرحلة الحالية تستلزم من الجميع أن يتعاملوا بمسؤولية عالية لتجاوز هذا الظرف الذي تمر به القضية، ونحن نؤكد موقفنا السابق بتجاوز أي خلافات ثنائية، وتقديم كافة أشكال التنازلات، ما لم تتعارض مع إجماع الحركة".
انقسام في "فتح"
تدرك حركة "فتح" حقيقة أن الدخول في مواجهة مع هذه التيارات المعارضة لن يصب في مصلحتها، فاستطلاعات الرأي لا تمنحها موقعاً متقدماً في الانتخابات القادمة، في ظل تماسك حماس التي تدخل الانتخابات بقائمة مركزية تضم أسماء وازنة، وطيفاً واسعاً من الكفاءات، وشخصيات أكاديمية وأسماء ذات بعد وطني، مما قد يدفع الرئيس إلى إعادة النظر في الاستمرار بالانتخابات الرئاسية إن قرر منافسوه التقليديون مواجهته كمروان البرغوثي ومحمد دحلان.
وقد تحدثت الساعات الأخيرة عن مفاوضات حثيثة يقودها عضوا اللجنة المركزية حسين الشيخ ومحمود العالول مع مروان البرغوثي؛ للوقوف على الأسباب التي دفعته إلى معارضة قرار الحركة، ومعرفة توجهاته القادمة.
فتحي صباح، الكاتب والمحلل السياسي من غزة، قال لـ"عربي بوست"، إن "المفاوضات التي يقودها الشيخ والعالول مع البرغوثي، تتناول ملفين رئيسيين: الأول معرفة توجهه من خوض سباق الانتخابات الرئاسية، وإثنائه عن هذا التوجه، لتداعياته الخطيرة على وضع الحركة الداخلي والخارجي؛ لكون البرغوثي بإمكانه اكتساح أي سباق انتخابي، حتى لو وقف في مواجهته عباس نفسه، أو أي مرشح من اللجنة المركزية".
وأضاف المتحدث أن "الملف الثاني هو إمكانية تحالف قائمة (الحرية) بقيادة ناصر القدوة التي يدعمها البرغوثي مع قائمة الحركة المركزية؛ لقطع الطريق أمام أي تحالف مع قائمة المستقبل التي يقودها دحلان".
ويدرك عباس أن مرحلته السياسية شارفت الانتهاء، سواء بسبب كبر سنّه وتجاوزه 85 عاماً، أو بسبب الضغط الدولي الأوروبي والأمريكي الذي يدفع باتجاه تجديد النظام السياسي، وتصدير وجوه جديدة للمشهد الفلسطيني، وهو ما تجلى في تصريح للسفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، في سبتمبر/أيلول 2020، بأن الولايات المتحدة تفكر باستبدال عباس بدحلان.
عبدالجواد صالح، عضو اللجنة التنفيذية السابق بمنظمة التحرير، قال لـ"عربي بوست"، إن "موقفاً فتحاوياً داخلياً يترقب ما سيصدر عن عباس في اليوم التالي للانتخابات التشريعية، ففي حال خسرت فتح لصالح خصومها من داخل الحركة ممثلين بالقدوة ودحلان، فقد نشهد تدخلاً إسرائيلياً لدعم شخصية لإدارة الضفة الغربية تمهيداً لتنصيبه رئيساً للسلطة؛ لكون عباس سيكون بموقف ضعيف إن قرر البرغوثي منافسته في الانتخابات الرئاسية، وهذا أمر لن تقبل به إسرائيل، مما يضع الضفة أمام فوضى غير محسوبة".
يواجه عباس خطراً متمثلاً بتزايد احتمالات بلورة اتفاق سري بين البرغوثي ودحلان مع قادة اللجنة المركزية في الحركة، يفضي إلى سحب البساط من تحت أقدامه لتنفيذ انقلاب ناعم يطيح به من المشهد السياسي، كما حدث مع سلفه ياسر عرفات، مقابل إعادة فتح لمسار الوحدة.
هذا السيناريو تزداد احتمالية حدوثه؛ نظراً إلى شعور الحركة بأنها فقدت قطاعاً واسعاً من مؤيديها نتيجة سياسة الإقصاء التي يمارسها عباس ضد خصومه ومعارضيه، كما أن خشيتها من خسارة محتملة في سباق الانتخابات الرئاسية إن عدلت حماس عن قرارها، وقررت دعم أحد المرشحين المقربين منها، ما يعني خسارة "فتح" مفاصل القرار السياسي داخل المجلس التشريعي ومنظمة التحرير والرئاسة.
عبدالله عبدالله، نائب مفوض العلاقات الدولية في "فتح" وعضو مجلسها الثوري، قال لـ"عربي بوست"، إن "عباس يشكل صمام أمان للحالة الفلسطينية والبيت الفتحاوي، ونحن نقيّم جميع القرارات ونتائجها على الأرض، والحديث عن مفاوضات سرية بين أعضاء اللجنة المركزية مع القدوة أو دحلان، غير صحيحة بالمطلق، أما المفاوضات والحوار الثنائي مع البرغوثي فلم تتوقف، ولا يزال (الشيخ) يقودها منذ أشهر".
وأضاف أن "فتح لديها مؤسساتها التنظيمية، وعباس جزء منها، وجميع القرارات التي يصدرها تتم بالتشاور مع جميع أعضاء اللجنة المركزية، لذلك لا يمتلك أحد منهم صلاحيات تخول له الذهاب لحوار ثنائي مع أي طرف داخل الحركة أو خارجها دون نيل إجماعها".
وتابع أن "جزءاً من المفاوضات الجارية مع البرغوثي يتركز في معرفة موقفه من القرارات التي صدرت في الأيام الأخيرة، فهو لم يترأس قائمة موازية للحركة، ونشكك في ادعاء البعض زوراً أنه قرر دعم قائمة الحرية التي يترأسها القدوة؛ لكون البرغوثي لم يصرح علناً بذلك".
تدخلات خارجية
تعد الحالة الفلسطينية بيئة خصبة للتدخل الخارجي، فالموقف الإسرائيلي يعارض إجراء الانتخابات، وقد يضع العراقيل لإنجازها، لكنه في الوقت ذاته يخشى الفوضى السياسية والأمنية التي قد تنشأ عن أي قرار يقضي بتأجيلها أو إلغائها؛ مما قد يدفعه إلى الانخراط فيها بما يحفظ مصالحه السياسية والأمنية.
نواف العامر الكاتب والمحلل السياسي، قال لـ"عربي بوست"، إنه "ليس هناك أي استبعاد في المشهد الفتحاوي الداخلي، في ظل حالة الاستقطاب التي نشهدها، فتكرار تجربة 2006، حينما تحالف البرغوثي ودحلان في قائمة مستقلة، قد تعاد بلورتها من جديدٍ هذه المرة، لأن هناك تسريبات بأن قائمة دحلان قد تنسحب من سباق الانتخابات التشريعية مقابل دعم كتلة القدوة".