قالت صحيفة The Times البريطانية، الأربعاء 31 مارس/آذار 2021، إن معظم الأمريكيين لم يعودوا يعتبرون أنفسهم أعضاء في كنيسة ما أو أي طائفة دينية منظمة أخرى، لأول مرة منذ ما يقرب من قرن من الزمن.
هذه البيانات تعكس تحولاً جذرياً في المجتمع، إذ يتخلى الأمريكيون عن دينهم تدريجياً؛ إذ إن القصة القومية لأمريكا، التي تشدد على الدين وعلى وصول الإنجليز البروتستانت في القرن الـ17، لا تزال تحتل مكانة مهمة لدى الكثير من الأمريكيين. ومع ذلك، فإن مركزية المعتقد لدى شعبها آخذة في التآكل ببطء.
التدين في أمريكا ينخفض إلى أدنى مستوى له منذ 80 عاماً
مؤسسة غالوب الأمريكية قالت إن 47% فقط من المستطلع آراؤهم هم من صرّحوا بانتمائهم إلى مؤسسة دينية. وتلك هي المرة الأولى التي تتراجع فيها تلك النسبة عن نسبة 50% منذ أن طرحت المؤسسة ذلك السؤال لأول مرة عام 1937.
وتشير البيانات إلى ارتباط عضوية الكنيسة ارتباطاً وثيقاً بالسن؛ إذ يصرّح 66% من كبار السن المولودين قبل عام 1946 بانتمائهم إلى الكنيسة، مقارنة بنسبة 58% من المولودين في فترة طفرة المواليد (بعد الحرب العالمية الثانية) و50% من "الجيل إكس" (المولودين بين الستينيات والثمانينيات) و36% من جيل الألفية.
فيما لا يزال 73% من السكان ينظرون إلى الدين باعتباره شديد الأهمية أو مهماً إلى حدٍّ ما. ومع ذلك، فقد تراجعت نسبة الذين يرونه شديد الأهمية إلى 48%، وهي النسبة الأدنى منذ أن بدأت المؤسسة في طرح السؤال في عام 1952، حينما قالت نسبة 75% إن الدين شديد الأهمية بالنسبة لهم.
ولا يوجد سكان أمة أخرى غنية متدينون مثل الأمريكيين. ففي عام 2018، قارن مركز بيو للأبحاث بين 102 من الشعوب ووجد أن الولايات المتحدة هي الوحيدة التي تجاوزت المعدل المتوسط فيما يتعلق بالالتزام في الصلاة والثروة.
أسباب تراجع التدين
عزت تارا بورتون، مؤلفة كتاب Strange Rites: New Religions for a Godless World، هذا التراجع إلى ارتفاع مستويات عدم الثقة في تلك المؤسسات، علاوة على اتجاه ما انفكت تعززه ثقافة الإنترنت، وهو المتعلق بالنزوع إلى انتقاء ما يحلو من العناصر من ديانات مختلفة.
وفي معرض توضيحها لهذا الاتجاه، تقول تارا لصحيفة The Washington Post: "أنا أشعر بأني أقرب إلى الروحانية عندما أمارس فعلاً روحانياً خاصاً بي، وليس عندما ألتزم طقساً موصوفاً للجميع".
تراجع الالتزام بالأديان في العالم
وقبل 12 عاماً، أجرى الباحث الأمريكي رونالد إنغهارت وزميلته البريطانية بيبا نوريس تحليلاً للبيانات المتاحة المتعلّقة بالاتجاهات الدينية من عام 1981 إلى 2007 في 49 دولة تمثل 60% من سكان العالم.
وأظهرت نتائج التحليل أنَّ الناس أصبحوا أكثر تديناً خلال تلك الفترة في 33 دولة من أصل الـ49 التي شملتها الدراسة، لاسيما في معظم الدول الشيوعية السابقة ومعظم الدول النامية، وحتى في عددٍ من الدول ذات الدخل المرتفع، وأوضحت النتائج أيضاً أنَّ التحول إلى التصنيع وانتشار المعرفة العلمية لم يتسبّبا في اختفاء الدين، كما افترض في السابق بعض الباحثين.
هذا الوضع يتغيّر بسرعة مذهلة منذ عام 2007، حيث أصبح السكان في 43 دولة من أصل 49 أقل تديناً بدايةً من عام 2007 حتى عام 2019، ولم يقتصر تراجع الالتزام بالأديان على الدول ذات الدخل المرتفع فحسب، بل ظهر في معظم أنحاء العالم.
فيما لم تعد أعداد متزايدة من الناس تجد للدين دوراً ذا مغزى في حياتهم، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية -التي صُنّفت كواحدة من أكثر دول العالم تديناً في الفترة من 1981 إلى 2007، وكان يُستشهد بها لسنوات باعتبارها دليلاً على أنَّ التحديث الاقتصادي لا يقود بالضرورة إلى العلمنة- انضمت حالياً إلى قائمة الدول الغنية الأخرى التي تبتعد عن الدين.
على الرغم من أنَّ بعض المحافظين يحذّرون من أنَّ الابتعاد عن الأديان سيؤدي إلى انهيار التماسك الاجتماعي والأخلاق العامة، لا تدعم الأدلة على أرض الواقع هذا الادعاء.
تميل الدول الأقل تديناً إلى أن تكون أقل فساداً من نظيراتها الأكثر تديناً، حسب الكاتب، (وهو ادعاء لا يمكن البرهنة عليه علمياً، لأنه يمكن أن تكون الظروف المؤدية إلى الفساد تؤدي للتدين، ولكن ليس التدين هو سبب الفساد، فالفقر قد يدفع الإنسان إما إلى الفساد أو التدين).
وغنيٌّ عن القول إنَّ الدين بحد ذاته لا يُشجّع على الفساد والجريمة، لكن هذه الظاهرة تعكس حقيقة أنَّه مع تطور المجتمعات، يصبح أمر البقاء على قيد الحياة مضموناً ومُؤَمّناً بدرجة أكبر، حيث تكون احتمالية تفشي المجاعة غير شائعة ويزيد متوسط العمر المتوقع للإنسان. لذا، يميل الناس إلى الابتعاد عن الدين مع ارتفاع هذا المستوى من الأمن الوجودي.