أطلق قياديون في حزب التجمع الوطني الفرنسي اليميني، الذي ترأسه السياسية الفرنسية المتطرفة مارين لوبان، حملة لإيقاف صلاة مسلمي فرنسا في الساحات العمومية بمدينة غرونوبل جنوب شرقي البلاد.
أندريا كوتاراك، وهو سياسي فرنسي ينتسب للحزب اليميني، نشر فيديو على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك، شارك فيه بعض الصور لصلاة المسلمين في الساحات العمومية بالمدينة، واصفاً إياها بـ"الفضيحة الكبرى"، كما قال إنه تلقى شكاوى من سكان مدينة غرونوبل ضد صلاة المسلمين بها.
كوتاراك ادعى أن الشكاوى صدرت من قِبل مواطنين فرنسيين "محبين لفرنسا" يريدون أن يحافظوا على "السلم العام في مدينتهم"، وأضاف قائلاً: "لا نريد للإسلاميين أن يسيطروا على الفضاء العام للمدينة ويمارسوا صلواتهم أمام المدارس ودور الأيتام".
كوتاراك قال في الفيديو إن ما يحدث يعد "اغتصاباً وتعدياً لمبادئ العلمانية وقيم الجمهورية الفرنسية"، وتعدياً على رغبة السكان في العيش بسلام من دون وجود إسلاميين يستغلون الفضاء العام.
وتوعد السياسي الفرنسي المتطرف بأنه إذا لم يقُم عمدة مدينة غرونوبل بوقف هذه المشاهد فسيقوم بالتنسيق المباشر مع الأمن في غرونوبل والعمل على منع تكرار مثل هذه المشاهد في الفضاء العام.
"إسلام فرنسي"
ويأتي هذا في وقت يعيش فيه مسلمو فرنسا ضغوطات كبيرة؛ حيث أقر في وقت سابق المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM) ما يُعرف بـ"ميثاق الأئمة"، الذي يضع إطاراً لممثلي الاتحادات الإسلامية الفرنسية لتحويل الإسلام في فرنسا إلى "إسلام فرنسي"، بناءً على طلب من الرئيس إيمانويل ماكرون.
كما كان ماكرون قد كلّف المجلس، الذي تعتبره الحكومة الفرنسية الممثل الفعلي للاتحادات الدينية الإسلامية، بصياغة "ميثاق التزامٍ بالقيم الجمهورية الفرنسية" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وبناءً على رغبات الرئيس الفرنسي، فإن هذا الميثاق يجب أن يسير جنباً إلى جنب مع إنشاء ما يُعرف بـ"المجلس الوطني للأئمة" (CNI)، وهو المجلس الذي سيُمنح حصرياً المسؤولية عن تدريب الأئمة وشهاداتهم وتعيين مدى انصياعهم وتوافق اتجاهاتهم مع الميثاق.
الوثيقة، التي أُعيدت تسميتها بـ"ميثاق المبادئ" الجمهورية، تحدد بنودها العشرة ما يُطلق عليه القيم الجمهورية التي يجب أن يلتزم بها جميع الأئمة في فرنسا، كما يقول موقع Middle East Eye البريطاني.
وتنص سطور النص المعتمد على أنه "لا يمكن الركون إلى أي قناعة دينية على الإطلاق كعذرٍ للإعفاء من الواجبات المفروضة على المواطنين الفرنسيين".
وتشدد الوثيقة صراحةً على قضايا مثل المساواة بين الرجل والمرأة، وتوافق العقيدة الإسلامية مع علمانية الجمهورية الفرنسية، مع التركيز على "محاربة توظيف الإسلام لأغراض سياسية" و"عدم تدخُّل دول أجنبية" في شؤون ممارسة المسلمين لعبادتهم بفرنسا.
وقبيل توقيع الميثاق، انسحبت ثلاثة اتحادات إسلامية من النقاشات، حيث كانت نقاط الخلاف الرئيسية التي عبَّر عنها الرافضون، تتمحور حول تعريف "التدخلات الخارجية" و"تعريف دقيق للإسلام السياسي"، إضافة إلى مسألتي "الردة في الإسلام"، و"المساواة بين الجنسين".
ضغوط على مسلمي فرنسا
وفي آخر تطورات الملف قررت السلطات الفرنسية حظر "الذبح الحلال"، ويأتي هذا في ظل تنامي الإحساس بين المسلمين في فرنسا باستهدافهم من قِبل السلطات، خاصة بعد تبني الحكومة لمجموعة من القوانين وإصدار قرارات ترى فيها الجالية المسلمة في فرنسا "استهدافاً للإسلام"؛ إذ يُعد الإسلام هو ثاني دين بعد المسيحية انتشاراً في فرنسا، حسب الأرقام التي قدمها المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية، كما أن 82% من مسلمي فرنسا هم من الجالية المغاربية.
لأكثر من عقد، كان المجتمع المسلم بفرنسا في القلب من جدالاتٍ سياسية لا حصر لها، حول ما إذا كانت التعبيرات الواضحة عن التديُّن، مثل الحجاب، متماشيةً مع التفسيرات الأجدد للمفهوم الفرنسي عن العلمانية. وقد حذَّرَ المنتقدون والمدافعون من أن التشريع والخطاب العام يؤدِّيان إلى وصم المسلمين في البلاد، مع تحريف التعريف القانوني للعلمانية.