يواصل حزب العدالة والتنمية المغربي، رفضه لتعديل القوانين الانتخابية على أساس المُسجّلين بدل عدد المُصوِّتين كما هو الحال في القوانين الانتخابية الحالية.
ولوّح الحزب الإسلامي (يقود الائتلاف الحكومي الحالي) باللجوء إلى المحكمة الدستورية، من أجل إسقاط تعديل القاسم الانتخابي الذي ضمّه مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) الذي صدَّق عليه البرلمان بالإجماع قبل أيام.
وفي انتظار ردّ المحكمة الدستورية، يَطرح بعض المراقبين إمكانية لجوء حزب "المصباح" إلى تحكيم ملكي، على غرار التحكيم الذي طالبت به بعض الأحزاب عام 1992.
تعديل غير دستوري
خلال الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، يوم 20 مارس/آذار الحالي، أكد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة الحالي، سعد الدين العثماني، أن "الحزب سيواصل بجميع الوسائل الدستورية والقانونية والسياسية التصدي لتعديل القاسم الانتخابي، كما سيواصل التعبئة من أجل ذلك".
واعتبر العثماني أن تعديل القاسم الانتخابي "يتضمّن تراجعات ديمقراطية تُضعف المؤسسات المنتخبة، وله تداعيات على المسارين الديمقراطي والتنموي للبلاد"، مضيفاً أن "الحزب يعتبر هذا التعديل غير دستوري".
وبما أن الدستور المغربي ينص على أن "الملك هو الضامن لدوام الدولة واستمرارها، والحَكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية"، فهل يُعيد حزب العدالة والتنمية تجربة أحزاب الكتلة الديمقراطية سنة 1992 التي طالبت عاهل البلاد بتحكيم لحسم الخلاف بشأن القانون الانتخابي.
قصة التحكيم الملكي
عام 1992 شهد المغرب نقاشاً حاداً حول مدوّنة الانتخابات الجماعية للسنة ذاتها والتشريعية لسنة 1993، إذ رأت المعارضة ممثلة في أحزاب الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، أن إصلاح مدوّنة الانتخابات بوّابة حقيقية لإقامة الديمقراطية في البلاد.
لذلك سعت هذه الأحزاب، التي توحّدت في "الكتلة الديمقراطية" في 17 مايو/أيار 1992، إلى وضع مقترح قانون يُنظّم الانتخابات المحلية والتشريعية، طالبت من خلاله بتغيير طريقة انتخاب أعضاء البرلمان ورؤساء المجالس البلدية والقروية.
غير أن هذه الأحزاب المُعارضة أدركت صعوبة تمرير مقترح قانون تعديل مُدوّنة الانتخابات أمام لجنة العدل والتشريع بالبرلمان، فلجأت إلى رفع مطالبها على شكل مُذكرات مباشرة إلى عاهل البلاد الملك الراحل الحسن الثاني، فيما قامت الأحزاب المُشكلة للحكومة بتمرير مشروع قانون الانتخابات بواسطة أغلبيتها البرلمانية.
وكانت هذه بداية مرحلة جديدة في هذا الصراع بين المعارضة والأغلبية، إذ تحوّل إلى محاولة طلب تدخُّل الملك، من أجل فضّ هذا النزاع، فأعلن عاهل البلاد القيام بمهمة التحكيم في خطاب للشعب يوم 29 أبريل/نيسان/نيسان 1992.
التحكيم حق مكفول
يرى عباس الوردي، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، أنه "بعد قرار المحكمة الدستورية فيما يتعلق بمطابقة مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب بمقتضيات الدستور، يمكن لحزب العدالة والتنمية أن يلجأ إلى الآلية التي يراها مناسبة من أجل التعبير عن موقفه تجاه القاسم الانتخابي على أساس عدد المُسجّلين".
وأكد الوردي، في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن "التحكيم الملكي مسألة مكفولة للجميع، فيما يتعلق بالشّق المرتبط بضمان جلالة الملك لسير المؤسسات وكذلك السهر على استمراريتها كما جاء في الدستور".
كما أوضح عباس الوردي، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن "اللجوء إلى التحكيم الملكي ليس مسألة فريدة من نوعها، فقد لجأت إليه بعض الأحزاب سنة 92، وبالتالي يمكن اللجوء إلى هذه الآلية باعتبارها إحدى الآليات المكفولة لجميع الأطياف المكونة للخريطة السياسية المغربية وكذلك المُؤسّساتية".
لغو سياسي
غير أن محمد شقير، الأكاديمي والمحلل السياسي، اعتبر أن "القاسم الانتخابي هو آلية تدخل ضمن أنماط الاقتراع التي يتم انتقاؤها وفق طبيعة أي نظام وطبيعة خريطة سياسية معينة، وبالتالي فهي جزئية لا يمكن أن ينص عليها الدستور".
وتابع الأكاديمي والمحلل السياسي، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "التفكير في عرضها على الملك بوصفه الضامن لسير المؤسسات الدستورية يعتبر لغواً سياسياً، وجزئية انتخابية أصغر من أن تُعرض على التحكيم الملكي".
لذلك "فالكتلة الديمقراطية عندما عرضت القانون الانتخابي على التحكيم الملكي، كان ذلك في إطار التحكيم السياسي بين كتلتين سياسيتين: الكتلة من جهة والوفاق من جهة ثانية"، يوضح محمد شقير، الأكاديمي والمحلل السياسي.
وبالتالي، "فأقصى ما يمكن أن يقوم به حزب العدالة والتنمية، هو عرض هذا الأمر على المحكمة الدستورية التي من صلاحياتها النظر في مدى مطابقة هذا القاسم مع مقتضيات الدستور، والتي على الأرجح ستبتّ بعدم الاختصاص أو بالمطابقة"، يقول المُتحدث نفسه.
وشهد المغرب في الأيام الماضية نقاشاً وسجالاً حادّاً، بسبب تعديل القاسم الانتخابي، ووقوف حزب العدالة والتنمية وحيداً ضدّ هذا القانون وكان الوحيد الذي صوّت ضده.
في هذا السياق، أبرز محمد شقير، الأكاديمي والمحلل السياسي، أن "هناك تشبّثاً كبيراً يوليه حزب العدالة والتنمية للقاسم الانتخابي، الذي لم يوافق عليه هذا الحزب في البتّ الذي وافقت عليه باقي الأحزاب استناداً إلى لعبة ديمقراطية، حيث يتم الاحتكام الى التصويت".
لهذا، "فمن غير المفهوم أن تشترك في قواعد اللعبة الديمقراطية دون أن تقبل بنتائجها حتى ولو لم تكن في صالحك"، يقول الأكاديمي والمحلل السياسي.
من جانبه، أفاد عباس الوردي، أستاذ القانون بجامعة محمد الخامس بالرباط، بأن "اعتماد مثل هذه الآلية، وإذا ما قرناها بطموحات المغاربة، ستكون لها- لا محالة- جملة من الإيجابيات، أبرزها التخفيف من طامة العزوف السياسي ، خاصة في فئة الشباب الذين يشكلون أعلى نسبة من الهرم السكاني المغربي، وتوسيع رقعة التسجيل في اللوائح الانتخابية لدى جميع المغاربة، وذلك من خلال تنمية المسؤولية الوطنية لديهم بأن لا مناص من المشاركة السياسية لمواصلة البناء الديمقراطي والتنموي المغربي".