“هدنة” مع الجيش وتصفية لتركة “النظام القديم”.. هكذا يخطط تبون لتثبيت أركانه في القصر الرئاسي

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/18 الساعة 21:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/18 الساعة 21:40 بتوقيت غرينتش
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (مواقع التواصل الاجتماعي)

منذ توليه السلطة نهاية سنة 2019 والرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون يحاول أن يُحكِم سيطرته على مقاليد السلطة، في بلد تتعدّد فيه مراكز القرار ولا تنتهي صراعات الأجنحة فيه. 

للوهلة الأولى كان يبدو أن تبون سيكون أمام طريق معبّد لتثبيت قدميّه في قصر المرادية، لكن وفاة حليفه القوي قائد الجيش أحمد قايد صالح بعد أسبوع من تنصيبه رئيساً للبلاد خلط أوراقه، وجعله يعيد حساباته بالكامل.

تغييرات تبون في الجزائر

بعد أن وجد تبون نفسه مكشوفاً وسط مراكز القرار والعُصب التي تشكّلت في فترة بوتفليقة وما قبلها، قرَّر تبون أولاً ضمان ولاء المؤسسة العسكرية وتحييدها من أي صراع محتمل بالتحالف مع القائد الجديد للجيش سعيد شنقريحة. 

فرقّى تبون اللواء شنقريحة إلى رتبة فريق، وثبّته في منصبه كقائد أركان للجيش، بعدما كان يتقلّد المنصب بالنيابة، ثم أطلق يده داخل المؤسسة ليعيد ترتيبها حسب ما تقتضيه الظروف، إذ أبعد جل قادة النواحي العسكرية الستة، وقادة القوات البرية والبحرية والجوية، ليختتمها قبل أيام بتنحية الرجل القوي في المؤسسة العسكرية واليد اليمنى لقايد صالح، الأمين العام لوزارة الدفاع عبدالحميد غريس.

وفي طريقه لتصفية تركة قايد صالح، وإحكام سيطرته على المؤسسات رفقة حليفه شنقريحة، اصطدم تبون بمدير جهاز الأمن الداخلي (أهم فرع في المخابرات) واسيني بوعزة، وهو الرجل القوي وأحد المقربين من قايد صالح.

الصراع بين بوعزة الذي كان معارضاً لوصول تبون إلى قصر المرادية انتهى لصالح هذا الأخير بمساعدة الفريق شنقريحة.

وتقول صحيفة "الوطن" الجزائرية المقربة من الدوائر الأمنية، إن "طريقة إزاحة بوعزة من منصبه تشبه الأفلام البوليسية، حيث تم استدعاؤه إلى اجتماع عاجل بوزارة الدفاع، ومنع حراسه الشخصيين من الدخول معه إلى الاجتماع، ليجد في القاعة قوات خاصة قامت باعتقاله وتحويله إلى المحكمة العسكرية، التي قضت بسجنه لمدة 8 سنوات، بتهمة مخالفة الأوامر العسكرية والتمرّد، كما تنتظره قضايا أخرى قيد التحقيق، أبرزها التدخل في الرئاسيات، ودعمه لمنافس تبون عزالدين ميهوبي، إضافة إلى استخدامه الذباب الإلكتروني لتشويه نشطاء الحراك والسياسيين". 

وبعد اطمئنانه للمؤسسة العسكرية، انتقل الرئيس إلى الأجهزة الأخرى، حيث قام بتغييرات عدة في كل من جهاز الشرطة والدرك، كما عيَّن مستشارين أمنيين وعسكريين يقال إنهم محسوبون على جهاز المخابرات السابق الذي فكّّكه بوتفليقة رفقة قايد صالح سنة 2015.

 كثرة البيانات تدعو إلى القلق

تقول القاعدة الشهيرة إن كثرة بيانات التطمين تدعو إلى القلق، وهو ما يمكن إسقاطه على حالة تبون والمؤسسة العسكرية، إذ لا يفوّت تبون وشنقريحة أي خرجة إعلامية إلا ويتحدّثان عن العلاقات الجيدة بين الرئيس والجيش.

وقال تبون في آخر حوار صحفي له قبل أسبوع إنه "لا توجد أي خلافات بينه وبين المؤسسة العسكرية، بل على العكس".

كما يُصرّ شنقريحة على أن "الجيش لا يتدخّل في السياسة، ويعمل تحت الإمرة المباشرة لرئيس الجمهورية وزير الدفاع الوطني القائد الأعلى للقوات المسلحة عبدالمجيد تبون".

ويقول الخبير في العلاقات المدنية العسكرية الدكتور محمد دخوش، إن "الرئاسة والجيش يعيان جيداً خطورة المرحلة التي تمر بها البلاد إقليمياً ومحلياً، لاسيما بعد عودة الحراك ومحاولات اختراقه الواضحة".

ويضيف دخوش في حديثه مع "عربي بوست" بأن "مؤسسة الجيش والرئاسة تأكدا أن أي صراع بينهما يمكن أن يكون في غير صالحهما وصالح الساحة السياسية في البلاد" .

ويعتقد المتحدث بأن "المؤسسة العسكرية تتجه نحو الانسحاب التدريجي الاختياري من المشهد السياسي، خشية تأثر صورتها لدى المجتمع الجزائري الذي يكنّ لها الاحترام، باعتبارها سلسلة جيش التحرير الوطني"، على حد تعبيره.

ويرى دخوش أن "بناء علاقات مدنية عسكرية مثالية ومتوازنة في بيئة ديمقراطية يجب أن يقوم على خضوع القوات المسلحة للسيطرة المتوازنة بين السلطتين التنفيذية والبرلمانية، وتنظيم حالات تدخل الجيش في أوقات السلم وتحديد طابعها القانوني ودسترتها، مع اشتراك السلطتين التنفيذية والبرلمانية في التحكم بميزانية المؤسسة العسكرية والإشراف عليها، وهذا الشرط يعتبر أحد أهم مكونات الإشراف المدني على القوات المسلحة، وأعتقد أن الشرط الأخير سيتحقّق في ظل المؤشرات التي تبعث بها المؤسسة العسكرية، والتي مفادها سعيها نحو تحقيق الانسحاب الاختياري التدريجي من التأثير على المشهد السياسي، تفادياً لتبعات ذلك على المستويين السياسي والرمزي".

تغييرات جذرية 

وبالعودة إلى حجم التغييرات التي باشرها تبون في الأجهزة الأمنية منذ وصوله إلى السلطة، تبين أنها تغييرات يمكن وسمها بالجذرية. 

ويعلّق الدكتور دخوش في حديثه مع "عربي بوست" على التغيرات الأخيرة بالقول: "فيما يتعلّق بالتغييرات على مستوى الأمانة العامة لوزارة الدفاع والمديرية العامة للأمن الوطني، في اعتقادي كانت متوقعة، وتأتي في سياق استكمال سلسلة التغييرات التي باشرتها القيادة في أعلى الهرم". 

ويكشف المتحدث ذاته أن "التغييرات مذ بدأت مسّت عدداً من قادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، على غرار الدرك الوطني والقوات البحرية والقوات الجوية، وكذا مديري جهاز المخابرات الداخلية والخارجية، وكذا على مستوى المصالح الحيوية المرتبطة بقيادة الأركان، مثل التغيير الذي حصل على مستوى مسؤولي دائرة الاستعمال والتحضير للقوات المسلحة ودائرة التنظيم والإمداد ودائرة الإشارة والحرب الإلكترونية".

أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر بوهديل رضوان، فيرى أن الرئيس "تبون يمارس صلاحياته بكل حرية، بحيث يعيّن كل من يراه مناسباً لتلك المناصب التي تم إحداث تغييرات فيها".

ويقول بوهديل في تصريح لـ"عربي بوست"، إن "التغييرات الأخيرة التي يقوم بها تبون تتماشى مع الظروف الإقليمية والتهديدات التي تعيشها البلاد".

وفيما يخص الحديث عن أن تبون يحاول السيطرة على مفاصل الدولة وتثبيت حكمه بهذه التغييرات، أفاد بوهديل بأن "الأمر أبسط من ذلك بكثير، بحيث يمارس الرئيس صلاحياته التي يخولها له الدستور وهو يقوم بتغيرات وفق معطيات يملكها هو فقط".

تحميل المزيد