في تصعيد جديد لأزمة سد النهضة، قالت مصر، الخميس 18 مارس/آذار 2021، إنه "من المؤسف أن المسؤولين الإثيوبيين يستخدمون لغة السيادة في أحاديثهم عن استغلال موارد نهر عابر للحدود، فالأنهار الدولية ملكية مشتركة للدول المُشاطئة لها ولا يجوز بسط السيادة عليها".
جاء ذلك في بيان لوزارة الخارجية المصرية، غداة إعلان إثيوبيا اعتزامها استكمال ملء سد النهضة، معتبرة ذلك "مسألة سيادة".
الخارجية المصرية أشارت إلى أنه "يتعين أن توظف هذه الموارد الطبيعية لخدمة شعوب الدول التي تتقاسمها على أساس قواعد القانون الدولي، وأهمها مبادئ التعاون والإنصاف وعدم الإضرار"، مؤكدة أن "التصريحات الإثيوبية تعكس غياب الإرادة السياسية لدى أديس أبابا للتفاوض من أجل التوصل لتسوية لأزمة سد النهضة، وتكشف مجدداً نية ورغبة إثيوبيا في فرض الأمر الواقع على دولتي المصب".
فيما أكدت مصر رفضها ذلك "لما يمثله من تهديد لمصالح الشعبين المصري والسوداني، ولتأثير مثل هذه الإجراءات الأحادية على الأمن والاستقرار في المنطقة"، حسب البيان ذاته.
كان وزير الخارجية الإثيوبي، ديميكي ميكونين قد قال خلال ندوة احتفالية بعشرية بدء مشروع بناء سد النهضة، يوم الأربعاء 17 مارس/آذار 2021، إن استكمال مشروع سد النهضة "مسألة ضمان لسيادة البلاد"، لافتاً إلى أن "موسم الأمطار المقبل الذي يمتد في الفترة من يوليو/تموز إلى أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ستتم فيه عملية الملء الثاني للسد"، ومشدداً على أنه "لن يتم تمديد فترة الملء الثاني بأي حال من الأحوال".
كما صرّح نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإثيوبي، ديميكي ميكونين، في الندوة ذاتها، بأنه تم إنجاز 79% من عمليات بناء السد.
رباعية دولية للوساطة
فيما أعلن السودان، الخميس 18 مارس/آذار 2021، تسلمه ردوداً إيجابية لتشكيل آلية رباعية دولية للوساطة في مفاوضات أزمة سد "النهضة"، وسط صمت إثيوبي حتى الآن.
حيث قال رئيس الفريق الفني السوداني المفاوض في سد النهضة، مصطفى حسين، إن بلاده تسلمت ردوداً إيجابية جداً من كل الأطراف التي دُعيت للتوسط الرباعي حول مباحثات سد النهضة، وهي الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إضافة إلى الاتحاد الإفريقي الذي يرعى المفاوضات.
فقد أعربت الأطراف الدولية، بحسب حسين، عن استعدادها للقيام بدور تسهيل التفاوض والوساطة فيه، وإتاحة خبراتهم الفنية والقانونية والسياسية للتقريب بين وجهات نظر الدول الثلاث.
كان السودان أعلن قبل أيام أنه بعث بخطابات رسمية إلى كل من الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لتشكيل آلية رباعية للوساطة في المفاوضات.
حسين أكد أن الوساطة الرباعية، التي تدعمها مصر بقوة "ستعزز وتدعم جهود الاتحاد الإفريقي برئاسة الكونغو الديمقراطية، وصولاً لاتفاق قانوني ملزم ومُرضٍ للأطراف الثلاثة حول ملء وتشغيل سد النهضة"، مشيراً إلى أن إعلان وزارة المياه والري والكهرباء الإثيوبية "إصرارها على الملء الثاني في يوليو/تموز القادم دون التوصل لاتفاق، يعني تمادي إثيوبيا في موقفها، المخالف للقانون الدولي".
إعلان مبادئ سد النهضة
إذ اعتبر الموقف الإثيوبي "يتنافى مع اتفاق إعلان المبادئ الذي تم توقيعه من قبل رؤساء الدول، في مارس/آذار 2015، حول ملء وتشغيل سد النهضة"، داعياً للاحتكام إلى ما وصفه بـ"صوت العقل، واحترام القوانين الدولية الراعية فيما يخص المياه العابرة للحدود، والالتزام بمبدأ الاستخدام المنصف والمعقول للمياه، دون إحداث ضرر ذي شأن للدول المُتشاطئة، والتعاون في تبادل المعلومات والتفاوض بحسن نية للتوصل لاتفاق قانوني ملزم لكل الأطراف".
وشدّد على أن "قيام إثيوبيا بالملء الثاني بصورة أحادية يشكل تهديداً مباشراً على حياة 20 مليون مواطن سوداني يعيشون على ضفتي النيل الأزرق والنيل الرئيسي، كما ينجم عن ذلك الفعل الأحادي مخاطر جدية على منشآتنا الحيوية من سدود وبنية تحتية وأنشطة زراعية وصناعية قائمة"، مضيفاً: "نؤكد أن السودان في كل الأحوال قادر على حماية أمنه القومي وموارده وسلامة بنياته التحتية".
وحتى لحظة نشر التقرير لم يعلق الجانب الإثيوبي على تصريحات المسؤول السوداني، لكن أديس أبابا سبق أن رفضت مقترح تشكيل آلية رباعية دولية.
ففي 9 مارس/آذار الجاري، أعلنت إثيوبيا رفضها للمقترح السوداني بتشكيل وساطة رباعية دولية، لحلحلة مفاوضات "سد النهضة".
يشار إلى أن إثيوبيا تُصرّ على بدء الملء الثاني لسد النهضة، في يوليو/تموز المقبل، بينما تتمسك الخرطوم والقاهرة بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي، حفاظاً على حصتهما السنوية من مياه نهر النيل، وسط تعثر مفاوضات يقودها الاتحاد الإفريقي منذ أشهر.
فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات
يأتي ذلك بعدما فشلت الجولة الأخيرة من مفاوضات السد، إثر إعلان الخارجية السودانية، الأحد 10 يناير/كانون الثاني، فشل التوصل إلى صيغة مقبولة لمواصلة التفاوض حول "سد النهضة"، مؤكدةً أن الخرطوم لن تواصل المفاوضات، في الوقت الذي عبَّرت فيه وزيرة خارجية جنوب إفريقيا عن أسفها لوصول مفاوضات سد النهضة إلى "طريق مسدود".
حينها أعلن وزير الخارجية السوداني المكلف، عمر قمر الدين، آنذاك، عن تقديم بلاده اشتراطات إلى الاتحاد الإفريقي للعودة إلى مفاوضات "ذات جدوى" في ملف سد النهضة، ملوحاً بأن الخرطوم لديها "خيارات" أخرى.
بدوره قال وزير الري السوداني ياسر عباس إنه لا يمكنهم الاستمرار في "هذه الحلقة المفرغة من المباحثات بشأن سد النهضة إلى ما لا نهاية"، مشدداً على أن "المفاوضات انتهت إلى الفشل".
كانت الإدارة الأمريكية أعلنت، في فبراير/شباط 2019، التوصل إلى اتفاق حول آلية عمل سد النهضة، وقَّعت عليه القاهرة بالأحرف الأولى، وامتنعت إثيوبيا بدعوى انحياز واشنطن إلى مصر، إثر جولات من المفاوضات جرت بواشنطن.
لكن المفاوضات تعثرت مجدداً بين الدول الثلاث، وهو الأمر المستمر منذ نحو 9 سنوات، وسط اتهامات متبادلة بين القاهرة وأديس أبابا بالتعنت والرغبة في فرض حلول غير واقعية.