أثار التوقيت الذي جاء به خطاب رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في اتجاه التفاهم على حلول ومخارج للعقد المانعة لولادة الحكومة الاستغراب والشكوك لدى المطلعين على الملف الحكومي المتجمد.
لكن التوقعات سارت في اتجاهات مختلفة، وأدت بالرئيسين ميشال عون وسعد الحريري إلى الاشتباك السياسي، وهو الأمر الذي من شأنه أن يجرّ البلد إلى اشتباكات تدفعها نحو مزيد من الفوضى السياسية التي تترافق مع فوضى اقتصادية.
عرض عون للسعودية
يؤكد مصدر دبلوماسي لـ"عربي بوست" أن رئيس الجمهورية ميشال عون أوفد مستشاره الوزير السابق سليم جريصاتي لزيارة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، وذلك لتقديم الاعتذار للسعودية على خلفية الكلام المسيء الذي وجهه للمملكة على قناة OTV التابعة للتيار الوطني الحر من أحد الضيوف المقربين للتيار.
ووفق المصدر فإن جريصاتي أكد خلال لقائه على احترام الرئيس عون للمملكة وهو قام بزيارتها مرتين، الأولى مباشرة بعد انتخابه رئيساً، والثانية خلال القمة التي دعت السعودية لها في عام 2018، بينما لم يزر سوريا ولا إيران احتراماً للحساسية العربية، وأن لبنان لا ينهض إلا بدعم العرب والمملكة بشكل خاص، وهذا الدعم يجب أن يكون للبنان ومؤسساته الشرعية وعلى رأسها الجيش اللبناني، الذي في حال تم دعمه فإن عون جاهز للذهاب باتجاه الدعوة لإقرار استراتيجية دفاعية تؤمن حصرية السلاح بيد السلطة اللبنانية وليس بيد أي طرف إقليمي آخر.
ويرى المصدر أن مستشار عون أكد أن الأخير يفضل أن يكون رئيس الحكومة مرضيّاً عنه سعودياً، وأن الرئاسة جاهزة لدعم رئيس حكومة يحظى بدعم سعودي في ظل عدم الرضا عن الحريري، لذا فإن جريصاتي طلب من البخاري أن تقوم السعودية بترشيح أسماء لهذا المنصب، خاصة وأن واشنطن لم تبدِ موقفاً حيال تكليف الحريري، ما يعزز حالة الرفض التي يعيشها الحريري من قبل الدول الكبرى والإقليمية.
وبحسب المصدر فإن هذا ما تأكد أكثر في كلمة عون المتلفزة وما طرحه على الحريري بين الذهاب إلى الاتفاق معه لتشكيل حكومة أو التنحي إفساحاً في المجال لغيره أنها محاولة مغازلة للسعودية.
طلب جريصاتي من البخاري أن يقوم بزيارة القصر الرئاسي في بعبدا ولقاء الرئيس ميشال عون لمناقشة كل الهواجس السعودية، لكن البخاري الذي كان مستمعاً إيجابياً طيلة الجلسة، أكد لجريصاتي أنه سيفكر بالأمر بعد طرحه على القيادة في الرياض.
دعوة للتشكيل.. كلمة سر الخارجية
تقول مصادر سياسية مطلعة على الملف الحكومي المتعثر لـ"عربي بوست" إن الحريري باتت أزمته في واشنطن والرياض، وينتظر ما ستسفر عنه زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باتجاه دول الخليج العربي وتحديداً إلى المملكة العربية السعودية، التي ترفض حتى اللحظة إعطاء موعد للحريري إلا مع وزير الخارجية، فيما يرفض ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لقاء الحريري قبيل تشكيل الحكومة ومعرفة شكلها ومضمونها حتى يبني على الشيء مقتضاه.
ووفق المصدر فإن مأزق الحريري يكمن في تعهده للأمريكيين والأوروبيين والأتراك بأنه لن يعطي أي وزير لحزب الله في أية حكومة برئاسته، ولو بصيغة اختصاصيين، وهذا الأمر حصل قبيل إعلانه الترشح لرئاسة الحكومة، ومن جهة ثانية، كان الحريري قد تعهّد لحزب الله بألا تتألف حكومة إلا ويكون الحزب مشاركاً فيها، بشخصيتين تنطبق عليهما صفة الوزير الاختصاصي، لذا فالحريري محرج وينتظر ما ستؤول إليه الأمور بين طهران وواشنطن.
عون يطالب الحريري بالصعود إلى بعبدا
يشير المصدر إلى أن خطاب عون الذي طالب الحريري بالصعود للقصر الرئاسي في بعبدا يرمي به عون الكرة في ملعب الحريري بعدما حمّله اللبنانيون مسؤولية الانهيار بسبب تشبث صهره الوزير جبران باسيل بمطالب الحصول على ثلث الحكومة بالإضافة لوزارتي الداخلية والدفاع والعدل، أتى هذا الخطاب محرجاً لحزب الله الحليف الأول لعون، وباسيل الذي لا يزال لا يدلي بموقف حيال شد الحبال بين عون والحريري.
في الأثناء تنقل أوساط لبنانية في فرنسا لـ"عربي بوست" أن باريس تدرس جدياً مع بعض العواصم الأوروبية والإدارة الأمريكية وضع عقوبات على بعض الشخصيات والمسؤولين اللبنانيين من الصف الأول والثاني، نتيجة عدم تشكيلهم الحكومة وترك البلد ينهار بينما الشعب اللبناني في معاناة كارثية نتيجة انهيار العملة وتعريض لبنان لفوضى سياسية وأمنية واجتماعية قد تطيح بكل الكيان اللبناني.