لم تسلم المناطق التابعة لنظام بشار الأسد في سوريا من الأزمة الإنسانية بمناطق النظام التي تخنق البلاد، فالجميع أصبحوا متساوين بسبب الانهيار الاقتصادي، فقيمة الليرة لم تعد كما كانت، وتوسعت رقعة الفقر، وانتشر الجوع، وتضرَّر المواطن.
فبعد عشر سنوات من اندلاع الحرب في سوريا، تبدو اليوم المناطق التابعة لنظام بشار الأسد مشابهة لمناطق المعارضة، إذ تشهد موجة غلاء أسعار المواد الأساسية للعيش، مثل الغذاء والدواء.
الأزمة الإنسانية بمناطق النظام في سوريا عموماً، وفي المناطق التابعة للنظام بشكل خاص، دفعت المواطن لابتكار "حيل" تضمن له سبل العيش الكريم بأقل تكلفة، دون الحاجة إلى مد يد العَوز للغير.
لا ملابس جديدة.. التدوير هو الحل
جلست دعاء، الشابة الثلاثينية، أمام آلة الخياطة التي ورثتها عن والدتها، فثوبها القديم يكفي لصنع قميصين صغيرين يناسبان طفليها، وبذلك لن تكون مضطرة لشراء قمصان جديدة لا يقل سعرها عن 10 آلاف ليرة سورية، وهو المبلغ الذي لن تستطيع تأمينه.
دعاء، مواطنة سورية، تعيش في العاصمة دمشق، تقول لـ"عربي بوست": "توقفتُ منذ سنوات عن الاستغناء عن الملابس القديمة، وقررت الاحتفاظ بها بغرض إعادة تدويرها لي ولأطفالي، فأصنع من القديم جديداً".
تقول دعاء إن هذا الحل الوحيد المتاح أمامها الآن، فأسعار الملابس الجديدة أصبح مرتفعاً، ولا يتناسب مع الدخل المتواضع الذي تتقاضاه هي وزوجها، الأمر الذي جعلها لا تشتري أي قطعة من السوق خلال فصل الشتاء.
في لقائنا مع دعاء، كشفت أن "القمصان النسائية لا يقل سعرها عن 20 ألف ليرة (15 دولارا)، والكنزات الصوفية يتضاعف ثمنها، أما المعاطف فهي حلم السوريات في الغوطة، إذ فاق الواحد منها 50 ألف ليرة (39 دولارات)، هذا المبلغ الذي يتقاضاه الكثيرون كمعاش شهري".
تدوير الملابس هو اليوم أحد الحلول التي ابتكرتها السوريات، وتعلمنه في دورات مجانية، فالسروال الجينز القديم يمكن تحويله إلى حقيبة يد، أو يمكن إضافة بعض التعديلات عليه فيمسي وكأنه جديد، كما أنهن يشاركن ما يقمن به على فيسبوك وإنستغرام، وبالتالي أصبح الأمر أشبه بمشروع شخصي مُدر للدخل.
اللحم.. طعام الأغنياء في سوريا
منذ بداية الأزمة الإنسانية بمناطق النظام استغنى السوريون عن كثير من أصناف الطعام، حتى الضروري منها مثل اللحم الذي فاق سعره العشرين ألفاً.
يقول مجد، مواطن سوري يسكن مدينة دمشق، لـ"عربي بوست": "نسينا طعم اللحم، حتى في عيد الأضحى أغلب السوريين لا يضحون، واخترنا مضطرين الدجاج المفروم الذي يُوزع على أكياس بكميات صغيرة توضع مع بعض الأكلات لإضافة شيء من الدسم".
وفي قرية "بيت سوى" بالغوطة التابعة للنظام في سوريا، التقى "عربي بوست" لمى، ربة منزل متزوجة وأم لثلاثة أطفال، والتي تحدثت عن ظروف الحياة الجديدة التي يعيشونها بعد عودتهم من التهجير خلال فترة الحرب: "السوري اليوم يعتمد على الحطب لتسخين الماء والطبخ والتدفئة أيضاً"، على حد تعبيرها.
تقول لمى إن "السوريين اليوم يستعملون البابور -وهو وسيلة تسخين قديمة- وفي إحدى المرات انتهى المازوت والحطب في المنزل، ولم يجد الزوج أي خيار أمامه سوى استعمال نشارة خشب".
أيضا التقى "عربي بوست" بحياة، وهي مواطنة سورية مقيمة بالغوطة وهي أيضاً الشابة التي عانت التهجير لسنوات، وعادت لتُقيم في منزل شبه منهدم وكل همها اليوم تأمين الشاي والخبز، أما أصناف الطعام فواحدة أصبحت تكفي.
تقول حياة: "في يوم الجمعة نُحاول خلق الألفة في العائلة فنجتمع على صحن فول رخيص، لكننا نستغني عن زيت الزيتون فهو من المنسيات عندنا، واللحم لا وجود له في موائدنا، لكننا نُعوضه بالسمنة ومرق الدجاج نشتريه على شكل بودرة من محلات سوق البزورية وسط دمشق".
زيارة الطبيب والحلاق ترف
تفاصيل كثيرة ألغاها المواطن السوري من حياته، فعقد من الحرب وانتشار وباء كورونا كورونا وغلاء الأسعار وانهيار الليرة كلها عوامل شدت حبل الخناق على البيوت السورية.
زيارة الأطباء أصبحت للضرورة القصوى ولا يمكن الإقدام على هذه الخطوة إن لم يشعر المريض بأن كل الحلول التقليدية باتت غير مجدية، كما أن زيارة صالون الحلاقة لم تعد بالأمر السهل، إذ تعلمت الكثير من السوريات الاعتماد على أنفسهن.
ليلى شابة سورية تعيش في العاصمة دمشق، تقول لـ"عربي بوست" إنها "اعتادت الذهاب لصالون الحلاقة أسبوعياً حينما كانت طالبة جامعية، لكن زياراتها باتت تتباعد حتى أصبحت مرة بالشهر، ولاحقاً في المناسبات فقط، "تعلمت كيف أقضي حاجتي بنفسي"، على حد تعبيرها.
تقول ليلى إن "الأمر لم يقتصر على نفسها فقط فهي تساعد أخواتها بهذه المهمة، وتنوي تعلم قص وصباغة الشعر كي تستغني بشكل كامل عن زيارة صالونات الحلاقة".
الحاجة والأزمة الاقتصادية دفعت ليلى إلى البحث عن حلول ترقيعية محاولةً منها توفير مدخول يعينها ويعين أسرتها، فحتى فكرة الزواج تقول إنها مستحيلة في سوريا فلا تتخيل نفسها تؤسس عائلة لأنها لا تملك أبسط مقومات الحياة.
أسواق دمشق.. كثرة العرض وقلة الطلب
لا تفتقد الأسواق السورية في المناطق الموالية للنظام وخصوصاً في العاصمة دمشق والمناطق الموالية لها لكل أنواع السلع، من خضر وفواكه، فالباعة يُعرضون جميع الأصناف، لكن الإقبال قليل، فالمواطن يدخل السوق ويعود بكيس صغير به بضع كيلوغرامات بعد "حرب" مساومات خاضها مع التجار.
تقول إحدى السيدات التقاها "عربي بوست" في ريف دمشق، إن "راتبها 60 ألفاً، وراتب زوجها المتقاعد 50 ألف ليرة سورية، والذي لا يكفيهما لشراء الضروريات، فعلبة البيض تصل 7 آلاف ليرة".
وأضافت المتحدثة أن "الغلاء بات يسبب مشاكل بين الأزواج، لأن الزوج لن يستطيع وحده شراء كل الحاجيات، وإذا لم يتعاون الزوجان مع بعضهما لن يتمكنا من شراء أي شيء".
من جهته، يرى شاب التقاه "عربي بوست" في مدينة حلب، أن "الأسعار في الأسواق السورية مثل النار، والمواطن يحتاج يومياً لأكثر من عشرين ألف ليرة سورية لتوفير حاجياته الأساسية".
أزمة الرواتب
"عندما يكون راتبي الوظيفي 45 ألف ليرة سورية وحاجتي الشهرية للخبز فقط بقيمة 10 آلاف ليرة دون أسطوانة الغاز وعلبة السمنة والزيت والدواء لأسرتي سأضطر مرغماً إلى اتباع أسلوب ابتزاز المواطن وإجباره على دفع رشاوى مالية مقابل تمرير معاملاتهم للحصول على مبلغ إضافي فوق راتبي، وأتمكن من سد رمق أطفالي"، بهذه الكلمات تحدث إلى "عربي بوست" موظف بإحدى الدوائر الحكومية بالعاصمة دمشق.
من جهته، يقول معلم بإحدى مدارس مدينة السويداء جنوب سوريا لـ"عربي بوست": "لو كان اعتمادي في تلبية مصاريف أسرتي وتكليف معيشتهم على راتبي "50" ألف ليرة سورية، الذي أحصل عليه من الحكومة لكنت الآن جائعاً أنا وأسرتي بسبب الغلاء الفاحش الذي طال معظم السلع الغذائية، فسعر كيلو سمنة يصل إلى 4000 ليرة سورية ومثله سعر الكيلو الواحد من الزيت النباتي، أما اللحمة فلا تزور منزلنا سوى مرة واحدة كل شهر".
المعلم الحكومي التجأ إلى التدريس الخصوصي للطلاب بأجور رمزية ولساعات متأخرة من الليل، كون أحوال أهالي الطلاب المعيشية ليست أفضل من حاله، ليتمكن في النهاية الحصول على مبلغ يساعده بالإضافة إلى راتبه على تكاليف حياته وأسرته.
انهيار الاقتصاد.. أزمة بلا حل قريب
دخل الاقتصاد السوري في أزمة لم يعد بإمكان النظام أو داعميه دولياً، كروسيا وإيران، إنقاذه أمام الموقف الدولي الموحد ضده، وفرض الحظر الاقتصادي عليه وتجميد أرصدة شخصيات مرتبطة به.
يقول الناشط السياسي والميداني عمر حاج أحمد لـ"عربي بوست" إن "الاقتصاد السوري دخل في نفق الأزمات المتلاحقة، مع بداية خروج العديد من المناطق عن سيطرة النظام، عقب انطلاق الثورة السورية في آذار/مارس 2011، وتسخير النظام موارده لخدمة الآلة العسكرية ودعم الميليشيات المحلية والأجنبية في قمع الاحتجاجات، عوض الإنفاق على الجانب التنموي والمشاريع التي من شأنها الحفاظ على التوازن الاقتصادي في البلاد".
واعتبر المتحدث أن "استمرار المعارك والعمليات العسكرية إلى جانب القصف الجوي من قِبل النظام وحلفائه على مدار الـ10 سنوات الماضية، دفع مئات الآلاف من الموظفين والعمال إلى ترك وظائفهم وأعمالهم خوفاً على حياتهم، ونزوح الملايين عن منازلهم وتهجير الملايين خارج سوريا، بالإضافة إلى تسلط قادة الميليشيات المحلية من الطائفة العلوية "الموالية" على رقاب أصحاب المعامل والتجار وإجبارهم على دفع الإتاوات، كل هذه أمور ساهمت في توقف الإنتاج، ثم انهيار الاقتصاد".
وأضاف المتحدث أن "النظام أخفق في إقناع المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، رغم استعادته وحلفائه مناطق واسعة من سوريا كانت تحت سيطرة قوات المعارضة في 2018، وترويجه لمرحلة إعادة الإعمار ومطالبته المجتمع الدولي رفع العقوبات التي فرضت عليه خلال سنوات الحرب".
وأشار المتحدث إلى أن "النظام السوري تمسك بالحل العسكري، فقوبل بعقوبات جديدة فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، شملت مؤسسات النظام وشخصيات مقربة منه، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على قيمة الليرة السورية، وندرة المواد الأولية للصناعات الغذائية والدوائية".
الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد الياسين قال لـ"عربي بوست" إن "سياسة النظام وتمسُكه بالحل العسكري وفشله في إدارة الجانب الاقتصادي بخسائر ضخمة في كل القطاعات الاقتصادية حولت سوريا من بلد منتج إلى بلد مستورد لكل احتياجاته الأساسية كالنفط والقمح وغيرها من السلع".
وكشف المتحدث عن تراجع نصيب الإيرادات من الناتج المحلي الإجمالي من 25.4% سنة 2011 إلى 8.4% في 2020، الأمر الذي ساهم بإضافة إلى عوامل عديدة أخرى في تراجع القدرة على تأمين أبسط احتياجات المواطنين كالغاز والأدوية وغيرها من المستلزمات الأساسية.
وأضاف المتحدث أن "إنتاج النفط انخفض من 390 ألف برميل يومياً في عام 2010 إلى أقل من 25 ألف برميل نهاية 2019، وذلك بسبب خروج الآبار المنتجة للنفط عن سيطرة النظام، في الوقت الذي تُقدر فيه حاجة البلاد اليومية من النفط بنحو 136 ألف برميل"، حسب قوله.
أيضاً، وحسب الخبير الاقتصادي انخفض إنتاج الغاز الطبيعي بنسبة 50% تقريباً من 34 مليون متر مكعب إلى 17.5 مليون متر مكعب حتى نهاية 2020، فضلاً عن هبوط العائدات المرتبطة بالنفط من 5.5% نسبة للناتج الإجمالي المحلي في عام 2011 إلى 1.2% في نهاية 2019، الذي أدى بالنهاية إلى خسارة أهم مصدر إيرادات الموازنة العامة وأهم مصدر للعملة الصعبة للخزينة السورية.
وبلغت قيمة صادرات النفط 5.5 مليار دولار عام 2010، وتسبب ذلك لاحقاً في تحميل الموازنة العامة عجزاً مالياً والاحتكام إلى أدوات الدين المحلي والأجنبي.
ومن جانب آخر، أدى نقص مواد المحروقات في المناطق التي يسيطر عليها النظام إلى خلل في معادلة العرض والطلب بالأسواق، وارتبطت فيما بعد الأسعار بالسوق السوداء إذ ارتفع سعر لتر البنزين إلى 425 ليرة من 55 ليرة في 2011.
وبلغ سعر لتر المازوت 450 ليرة من 20 ليرة في 2011، مقابل ذلك بلغ سعر أسطوانة الغاز في حلب ودمشق واللاذقية 20 ألف ليرة بينما كان سعرها في 2011 نحو 250 ليرة.
انهيار السياحة والفلاحة
كشف مفيد سلقيني، موظف سابق في مؤسسات الثقافة والسياحة السورية، لـ"عربي بوست" أن "إيرادات قطاع السياحة كانت سنة 2010 تُقدر بنحو 8.21 مليار دولار، أي ما يمثل نحو 13.7% من الناتج المحلي الإجمالي للإيرادات العامة، ومع دخول الأزمة الإنسانية بمناطق النظام والصراع واستمرار الحروب وانتشار الحواجز الأمنية والعسكرية للميليشيات الموالية للنظام، تراجعت هذه النسبة إلى 10 ملايين دولار سنة 2018".
وأضاف المتحدث أن "الإنتاج في القطاع السياحي توقف بشكل نهائي، الأمر الذي ضاعف معاناة الموازنة العامة في سوريا وعجز حكومات النظام المتعاقبة عن تعويض ذلك في خزينة الدولة".
من جهته، يرى المهندس الزراعي عاصم العدنان، في حديثه مع "عربي بوست"، أن "خسائر القطاع الزراعي والمواشي أثَّرا على الاقتصاد السوري العام، إذ نال القطاع الزراعي أكبر نصيب من الخسائر التي لحقت بالقطاعات الاقتصادية السورية جراء سياسة النظام الفاشلة في إدارة الأزمات، والتي أدت لاحقاً إلى تراكم خسائر مرتبطة بالزراعة والإنتاج والصناعات الغذائية، لارتباطه بالأمن الغذائي".
وأضاف المتحدث أنه "على سبيل المثال بلغ حجم خسائر القمح السوري 1146 مليار ليرة سورية حتى بداية عام 2020، وتراجعت نسبة إنتاجه إلى 2170 مليون طن، بعد أن كانت سوريا تُنتج سنوياً ما يقارب 5 ملايين طن من القمح القاسي قبل الحرب، وبالتالي تحولت من بلد مُنتج إلى بلد مستورد لهذه المادة الاستراتيجية من روسيا وبالعملة الصعبة".
وأضاف المتحدث أن "أهم أسباب تدهور القطاع الزراعي وانخفاض المحاصيل الزراعية في سوريا، هي سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها النظام في معاركه ضد قوات المعارضة؛ إذ التهمت النيران الناجمة عن القصف البري والجوي ما يقارب 3% من محصول القمح و4% من محصول الشعير حتى عام 2020 فقط في المساحات التي سمح فيها للمزارعين بزراعتها".
أيضا وحسب المتحدث ذاته "شهدت مساحات واسعة في البلاد عمليات عسكرية لسنوات، ولم يتمكن الفلاحون من زراعتها وعدم توفر الأسمدة والبذور المحسنة والمستلزمات الزراعية وغلاء أسعارها، الأمر الذي أدى إلى تقلص مساحات الزراعة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وبالتالي بات الطلب على مادة القمح أكثر من أي وقت مضى لحاجة السوريين لمادة الخبز".
وأشار المتحدث إلى أن "استهداف الأراضي الزراعية من طرف النظام السوري انعكس مباشرة على أسعار الخبز التي تعتبر مادة أساسية، فوقف السوريون في طوابير طويلة لساعات مقابل الحصول على ربطة خبز بوزن 1 كيلوغرام للأسرة وسط إجراءات أمنية مشددة على أبواب الأفران".
أبومحمود، من ريف حماة، مالك أراض لزراعة القمح، قال لـ"عربي بوست": "قبل 2011 كنت أملك 4 حصادات للقمح، بالإضافة إلى مجموعة من الشاحنات، ومع بدء موسم حصاد القمح في البلاد نقوم بالذهاب إلى مناطق دير الزور والحسكة للعمل في حصاد القمح، ومن ثم إلى المناطق الوسطى كحماة وحمص، وبعد ذلك نذهب إلى ريف دمشق ودرعا والسويداء جنوب سوريا، وكنا نجني سنوياً ما يقارب 4 ملايين ليرة سورية".
وأضاف المتحدث أنه "مع اندلاع الثورة السورية ومواجهتها بالنار من قِبَل النظام بدأنا نشعر بمخاطر ذلك، واقتصر عملنا على محافظتي حماة وحمص بحصاد القمح، وسرعان ما توسعت رقعة المواجهات العسكرية في المنطقة، ما أجبرنا ذلك على العمل فقط ضمن مناطقنا بريف حماة، وبدأت أوضاعنا المادية بالتراجع؛ مما اضطرنا إلى بيع 3 كميات حصاد والإبقاء على واحدة فقط، الأمر ذاته واجه الكثير من أصحاب هذه المهنة".
وأشار المتحدث إلى أن "سيطرة النظام على ريف حماة دفعت قادة الميليشيات إجبارنا على حصاد مساحات كبيرة من القمح تخضع لسيطرتهم، بأجور ضئيلة لا تتساوى مع حجم المصاريف من زيوت وشحوم ووقود للآليات، الأمر الذي دفعنا بالنهاية إلى بيع الحصادة الأخيرة المتبقية لدينا وصرف ثمنها على احتياجاتنا ومستلزماتنا، واليوم أصبحنا بحاجة إلى رغيف الخبز ونقولها بدون خجل".
من جهته، يقول الحاج عثمان، هو أيضاً أحد المتضررين من الأزمة الاقتصادية في المناطق الموالية لنظام الأسد، إنه "كان يملك ما يقارب 400 رأس من الأغنام في ريف إدلب الشرقي قبل اندلاع الثورة السورية، ومع اشتداد الصراع في سوريا وتراجع نسبة مساحات الرعي بسبب العمليات العسكرية التي كان يطلقها النظام تقلصت مساحات الرعي، وذهب الاعتماد على الأعلاف المحلية لإطعام القطيع".
وأضاف المتحدث أن "حجم ما أُجنيه من حليب وأجبان لم يعُد يتكافأ مع ما أصرفه من طعام على الأغنام، ما دفعني إلى بيع قسم من القطيع، إلا أن نقص الأعلاف في الأسواق وارتفاع أسعارها أيضاً راكما أعباء ومصاريف ما تبقى لديَّ من أغنام، وفي نهاية العام الماضي 2020 أجبرتني الظروف المادية من جهة على بيع كل ما لديَّ من أغنام، ومن جهة ثانية خشية سرقتها من شبيحة النظام، والآن ليس لديَّ رأس واحد من الأغنام، والحمد لله".
الأزمة الإنسانية بمناطق النظام
ظاهرة التسول في المناطق الموالية لنظام الأسد لم يستطِع المسؤولون السيطرة عليها، وذلك أمام عجزهم عن توفير الحلول المناسبة للأمن الأجتماعي، لا سيما أن النظام يواصل خفض ميزانية الدعم، الأمر الذي يساهم في ارتفاع أسعار المواد الأساسية، وأهمها الغذاء والدواء.
أم علي، 55 عاماً، أرملة، من ريف اللاذقية (تابعة للنظام)، تعول 7 أحفاد قُتل آباؤهم في المعارك إلى جانب النظام ضد قوات المعارضة قبل 4 أعوام.
تقول أم علي لـ"عربي بوست": "لم يعد أمامي سوى التسول للحصول على ما أسد به رمق الأطفال، بعدما انقطعت بنا السبل، ولم تلتفت لنا مؤسسات النظام العسكرية رغم أننا فقدنا أبناءنا في المعارك إلى جانب النظام ضد المعارضة".
ريم العلي، شابة من دمشق، اختارت الحديث لـ"عربي بوست" باسم مستعار، قالت إن "ظاهرة التسول حاضرة الآن وبقوة أكثر من أي وقت مضى لأطفال ونساء وشيوخ وأصحاب أمراض مزمنة، والبعض ممن فقدوا أحد أعضائهم خلال الحرب".وحسب آخر الإحصائيات، ففي سنة 2021، وصل عدد المتسولين إلى 3200 متسول فقط ضمن أحياء وأسواق العاصمة دمشق، عدا المحافظات السورية الأخرى الخاضعة لسيطرة النظام.