في أول رد فعل رسمي على التصريحات التركية الداعية لتطبيع العلاقات بين البلدين، قال سامح شكري، وزير الخارجية المصري، الأحد 14 مارس/آذار 2021، إنه "لا يوجد تواصل خارج الإطار الدبلوماسي الطبيعي، وإذا ما وجدنا أفعالاً حقيقية من تركيا وأهدافاً تتسق مع الأهداف والسياسات المصرية التي تسعى للاستقرار في المنطقة وعدم التدخل في شؤون الدول والاحترام المتبادل، ستكون الأرضية مؤهلة للعلاقة الطبيعية مع أنقرة".
جاءت تصريحات المسؤول المصري خلال اجتماع لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب.
شكري أضاف أن "الأقوال لا تكفي، وإنما ترتبط بالأفعال والسياسات، والأفعال هي التي تعيد أية علاقات إلى وضعها الطبيعي"، مؤكداً أن "الوضع السياسي ارتبط دائماً بمواقف الساسة في تركيا، خصوصاً بعد المواقف السلبية التي اتخذوها تجاه مصر"، حسب قوله.
لكن وزير خارجية مصر ذكر في الوقت ذاته أن بلاده تحرص دائماً على استمرار العلاقات بين الشعبين المصري والتركي، منوهاً إلى أنهم رصدوا مجموعة من التصريحات التركية تشير إلى فتح قنوات اتصال مع مصر في كل المراحل.
في سياق آخر، أشار شكري إلى أن هناك سعياً لتنفيذ ما جاء في "قمة العلا"، التي شهدت بداية إنهاء الأزمة الخليجية، وذلك بعد سنوات حصار دولة قطر، مؤكداً أن "مكونات ذلك هو تنفيذ الالتزامات الواقعة علينا، ونتوقع من قطر ذلك.. ونحن نراجع العناصر والالتزامات في هذا الشأن".
بينما لفت إلى أنه "من المبكر الحكم بشكل نهائي على نتائج القمة (الخليجية)؛ لأنها قيد المراجعة والمداولة والتقييم.. وإذا لم يكن هناك التزام سندخل صفحة أخرى".
إلا أن الوزير المصري استدرك قائلاً: "العلاقات مع الأشقاء العرب تنتهج سياسة الشراكة، وهذا المنهج من كل الأشقاء العرب، ونتطلع لتفعيل الالتزامات القائمة، وهناك رسالة إيجابية من الأشقاء في قطر بأنهم يرغبون وعازمون على استعادة زخم العلاقة في كل النواحي؛ السياسية والاقتصادية".
ما موقف مصر من استئناف الاتصالات الدبلوماسية؟
سبق تصريحات "شكري" ما نقلته وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية المصرية، عن مصدر رسمي مصري، قوله إنه ليس هناك ما يمكن أن يُطلق عليه توصيف "استئناف الاتصالات الدبلوماسية"، آخذاً في الاعتبار أن البعثتين الدبلوماسيتين المصرية والتركية موجودتان على مستوى القائم بالأعمال الذي يتواصل مع دولة الاعتماد وفقاً للأعراف الدبلوماسية المتبعة.
المصدر ذاته ذكر أن الارتقاء بمستوى العلاقة بين البلدين يتطلب مراعاة ما وصفه بالأطر القانونية والدبلوماسية التي تحكم العلاقات بين الدول على أساس احترام مبدأ السيادة ومقتضيات الأمن القومي العربي، مؤكداً أن "مصر تتوقع من أي دولة تتطلع إلى إقامة علاقات طبيعية معها أن تلتزم بقواعد القانون الدولي، ومبادئ حسن الجوار، وأن تكف عن محاولات التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة"، حسب قوله.
إلا أن المصدر المصري شدّد في الوقت ذاته على "أهمية الأواصر، والصلات القوية التي تربط بين شعبي البلدين (مصر وتركيا)".
عقد اجتماع تركي – مصري في القاهرة
يشار إلى أن وكالة "رويترز" للأنباء كانت قد نقلت، أمس الجمعة 12 مارس/آذار 2021، عن مسؤول مصري، قوله إن بلاده تلقت طلباً من الاستخبارات التركية لعقد اجتماع في القاهرة، وإن الأخيرة أعربت عن ترحيبها بهذا الطلب، ووعدت بالرد عليه في أقرب وقت.
حيث أوضح المسؤول- لم تذكر الوكالة اسمه- أن مسؤولاً في الاستخبارات التركية اتصل بهم هاتفياً، وطلب عقد اجتماع في القاهرة؛ لبحث القضايا الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والتعاون.
التعاون بين أنقرة والقاهرة قد ينتقل إلى مستويات أعلى
كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد أشار في تصريحات صحفية، الجمعة، إلى استمرار تعاون بلاده الاقتصادي والدبلوماسي والاستخباراتي مع مصر، مؤكداً أنه "لا توجد أي مشكلة في ذلك". وأضاف أن "التعاون متواصل ليس على أعلى المستويات، إنما أقل منها بدرجة".
أردوغان أوضح أن لديهم رغبة في أن "نواصل هذه العملية مع مصر بشكل أوثق، وبعد أن تثمر تلك المحادثات الاستخباراتية والدبلوماسية والسياسية، سننقل ذلك (التعاون) إلى مستويات أعلى بكثير؛ فالتفرقة بين الشعبين المصري والتركي أمر غير وارد"، مضيفاً: "لا يمكن وضع الشعب المصري بجانب اليونان، ولا يمكننا أبداً أن نصدق أن الشعبين اليوناني والمصري سيكونان متطابقين. ولهذا نود أن نراه (الشعب المصري) حيث ينبغي أن يكون".
احترام مصر الجرف القاري التركي
في السياق ذاته، اعتبر وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، احترام مصر الجرف القاري لتركيا خلال طرحها مزايدة للتنقيب عن النفط والغاز شرق المتوسط، خطوة مهمة لتحقيق السلام والاستقرار الإقليميين، مؤكداً أن "موقف مصر والمستجدات الأخيرة يصبان في مصلحة البلدين ودول المنطقة".
جاءت تصريحات أكار، خلال كلمة ألقاها أثناء مشاركته في مراسم عسكرية بولاية أضنة (جنوب)، الجمعة.
مفاوضات بين مصر وتركيا
كان وزير الخارجية التركي، مولود تشاوش أوغلو، قد كشف في وقت سابق من الجمعة، أن بلاده استأنفت اتصالاتها الدبلوماسية مع مصر لإعادة العلاقات إلى طبيعتها، دون أي شروط مسبقة، مؤكداً من جهة أخرى أنه لا يوجد أي سبب يمنع تحسين العلاقات مع السعودية.
أوغلو قال، وفقاً لما نشرته وسائل إعلام تركية، إنه في حال أقدمت السعودية على خطوات إيجابية فستقابلها أنقرة بالمثل، والأمر ذاته ينطبق على الإمارات، وأكد الوزير التركي أن لدى أنقرة "اتصالات مع مصر، سواء على مستوى الاستخبارات أو وزارة الخارجية".
كما أشار أوغلو، في وقت سابق، إلى أن تركيا ومصر قد تتفاوضان على ترسيم الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط إذا سمحت العلاقات بينهما بمثل هذه الخطوة.
كانت مصر قد أعلنت، الشهر الماضي، عن طرح مزايدة للتنقيب عن النفط والغاز في 24 منطقة، بعضها بالبحر المتوسط، فيما قال أوغلو، في مؤتمر صحفي بأنقرة، إن عروض التنقيب التي طرحتها مصر احترمت الجرف القاري لتركيا، وإن أنقرة نظرت إلى هذا الأمر نظرة إيجابية.
كما أضاف تشاوش أوغلو: "كدولتين تملكان أطول ساحلين في شرق المتوسط، إذا سمحت ظروف العلاقات بيننا، يمكننا كذلك التفاوض على اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع مصر وتوقيعه".
المشكلة على المستوى الرئاسي
في هذا الصدد، يقول علي باكير، أستاذ العلاقات الدولية في مركز ابن خلدون بجامعة قطر، لـ"عربي بوست"، إن "الاتصالات بين أنقرة والقاهرة مفتوحة وربما لا تحتاج واسطة، فعلى مستوى الاستخبارات كانت- ولا تزال- قائمة حول عدة ملفات، لاسيما الإقليمية منها. أما على المستويين السياسي والاقتصادي، فليس هناك أي عائق من تواصل مباشر.
وبخلاف الاعتقاد السائد، فحجم التجارة بين البلدين ارتفع عام 2019 بشكل غير مسبوق، كما أن أنقرة عادت لتستورد من مصر؛ في محاولة للتلويح بالجزرة الاقتصادية لها"، وفق تعبيره.
لكن باكير يرى أن "المشكلة القائمة بين أنقرة والقاهرة هي على المستوى الرئاسي، ولا أعتقد أننا سنرى تغييراً في وقت قريب بهذا الصدد. على المصريين أن يدركوا أن إدانة الانقلابات موقف مبدئي بالنسبة إلى تركيا بغض النظر عن الجهة التي تقوم بها".
جدير بالذكر أنه خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلن وزير الخارجية التركي أن بلاده ومصر "تسعيان لتحديد خارطة طريق بشأن علاقاتهما الثنائية".
وانطلاقاً من الموقف التركي الرافض للانقلابات باعتبارها خياراً غير ديمقراطي، عارضت أنقرة الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي، أول رئيس مصري مدني منتخب عام 2013، ما أدى إلى تدهور العلاقات بين البلدين، لكن العلاقات التجارية والاقتصادية بينهما استمرت بشكل طبيعي، إلا أن خلافات استجدت بينهما خلال الفترة الأخيرة بسبب الحدود والموارد البحرية، فضلاً عن خلافات في ليبيا، حيث يدعم كل منهما طرفاً مختلفاً في الصراع الدائر هناك.