تخوض القوات الروسية في سوريا عمليات بحث عن رفات الجاسوس الإسرائيلي، إيلي كوهين، الذي أعدمته دمشق عام 1965، وذلك وفق ما أكده رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مقابلة أجرتها معه قناة "i24NEWS" الإسرائيلية في نسختها العربية، وتذاع كاملة في وقت لاحق الثلاثاء، 9 مارس/آذار 2021.
وتعتبر تل أبيب كوهين من أهم جواسيسها، إذ وصل سوريا في يناير/كانون الثاني 1962، منتحلاً اسم "كامل أمين ثابت"، وأقام في العاصمة دمشق، ونسج علاقات مع مسؤولين كبار، كما تقلد مناصب مهمة وجمع معلومات تفصيلية عن الجيش السوري ونشاطه في مرتفعات الجولان وآلية صنع القرار في دمشق، قبل أن يفتضح أمره ويُعدم شنقاً في 18 مايو/آيار 1965.
تصريح نتنياهو وتأكيد روسيا
في أول تصريح رسمي إسرائيلي حول هذه المسألة، قال نتنياهو إن عمليات البحث عن رفات كوهين في سوريا جارية بالفعل هذه الأيام.
فيما نقلت القناة عن مصدر لم تسمه في حكومة النظام السوري إن الأخير سلم الروس "غرضاً شخصياً" تعود ملكيته للجاسوس الإسرائيلي، ونقله الروس بدورهم إلى تل أبيب لفحصه.
كما تابعت أن الحديث يدور عن "غرض شخصي" يمكن أن يكون بقايا ملابس كوهين أو بعضاً من وثائق تخصه.
في تأكيد هو الأول من نوعه، قال مصدر روسي مقرب من المخابرات الروسية، التابعة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، للقناة، إن الروس يبحثون عن رفات كوهين في مقبرة مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوب دمشق.
يأتي هذا في الوقت الذي تداول الإعلام العبري، مؤخراً، تقارير حول عمليات بحث يقوم بها الروس عن رفات كوهين في سوريا، قبل أن يؤكد نتنياهو الخبر رسمياً.
وسبق أن دعت إسرائيل مراراً سوريا إلى إعادة رفات كوهين، لكن الأخيرة كانت ترد بالقول إنهم "لا يعرفون مكان دفنه".
من هو كوهين؟
وُلد كوهين في مدينة الإسكندرية بمصر عام 1924، وأُطلق عليه اسم إلياهو بن شاؤول كوهين، وكانت أسرته مُهاجرة إلى مصر من حلب السورية.
التحق في طفولته بمدارس دينية يهودية، وفي مرحلة الجامعة اختار أن يدرس الهندسة بجامعة القاهرة، إلى هذا الحد كانت تسير حياته بشكل طبيعي كيهودي سوري يعيش هو وأسرته في مصر، ولكن بحلول عامه العشرين بدأ الأمر يختلف بعض الشيء.
وبدأت حياته تأخذ منحنيات أخرى بعدما انضم إلى الحركة الصهيونية، والتحق بعدها بشبكة تجسس إسرائيلية في مصر بزعامة أبراهام دار المعروف بجون دارلينغ، وهو يهودي بريطاني عمل مع "الموساد" وخطط من أجل تجنيد الشبان من اليهود المصريين، استعداداً للقيام بما قد يطلب منهم من مهام خاصة.
وفي مصر أجاد كوهين ثلاث لغات وكان يتحدثها بطلاقة وهي العربية والعبرية والفرنسية، ثم هاجر من مصر نهائياً في 1957 بعد حرب السويس، وكانت إسرائيل أول محطة له بعد مصر، حيث عمل بالبداية في ترجمة الصحافة العربية إلى العبرية.
ولم يمكث طويلاً في العمل بالترجمة، حيث التحق بالعمل في الموساد الإسرائيلي، وكانت بداية تحديد مهمته التي سيؤديها لـ"الموساد" ويموت أثناء أدائها.
بدأت مهمته بسفره إلى الأرجنتين في العام 1961، وتم تصديره كرجل أعمال سوري اسمه كامل أمين ثابت، له العديد من الأعمال والاستثمارات الناجحة، وهو متحمس بشكل خاص للعمل في وطنه الأصلي سوريا.
في بوينس آيرس عاصمة الأرجنتين، توثقت صداقة كوهين بالملحق العسكري أمين الحافظ، الذي أصبح رئيساً لسوريا فيما بعد، وفي العام 1962 انتقل كوهين إلى دمشق، حيث وصلت علاقاته لأعلى المستويات، خاصة بين كبار ضباط الجيش ورجال السياسة والتجارة.
اختار كامل أن يكون محل سكنه في حي أبو رمانة المجاور لمقر قيادة الجيش السوري، ومنذ هذا الوقت بدأ في إمداد إسرائيل بمعلومات بالغة السرية حول سوريا، وأرسل إلى إسرائيل معلومات قيّمة حول مراكز ومؤسسات الجيش السوري، ومناطق انتشار الجيش وانتشار الدبابات وتركيز السيطرة والتحكم العسكري.
وكانت تلك المعلومات بالغة الأهمية إلى الحد الذي جعل رئيس وزراء إسرائيل في حينها، ليفي أشكول، يصرح بأنه "لولا المعلومات التي وفرها كوهين لكان الجيش الإسرائيلي عانى كثيراً مع سوريا في الجولان".
كوهين كان مقرباً من دوائر صناعة القرار بحزب البعث الحاكم والمراكز بالغة الأهمية في سوريا، إلى الحد الذي قيل معه إنه عُرض عليه تولي منصب نائب وزير الدفاع السوري، وكان من الطبيعي حينها أن يُرى كوهين حاضراً في الصور الفوتوغرافية التي توثق عروض مناورات الجيش السوري، وفي كثير من المناسبات كان يُرى دوماً حول الرئيس أمين الحافظ.
وهو ما أدى إلى اكتشافه، حيث يقول الكاتب الصحفي المصري محمد حسنين هيكل إن المخابرات المصرية هي من كشفت الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، عن طريق صورة رآها ضابط بالمخابرات المصرية تجمع بين كوهين والرئيس السوري في أحد العروض العسكرية.
إذ تعرّف الضابط المصري من خلال الصورة على كوهين الذي كان يعرفه قبلها جيداً، وتم إخطار المخابرات السورية بذلك، حيث خضع كوهين عقب ذلك لمراقبة المخابرات السورية، التي اعتقلته وصدر حكم بإعدامه شنقاً في ساحة المرجة بدمشق في 18 مايو/أيار عام 1965.
في الجهة المقابلة، تهوّن الروايات الرسمية السورية من قيمة الجاسوس إيلي كوهين وتنفي معرفة أمين الحافظ به سواء في الأرجنتين أو سوريا، وتقول إن ما أرسله إلى إسرائيل كان في معظمه معلومات عامة، وإنه فشل في اختراق القيادات العسكرية والسياسية حسبما يُشاع، واقتصرت علاقاته على الضابط معز زهر الدين، الذي حُكم عليه بالسجن خمس سنوات، إضافة إلى مدني يُدعى جورج سالم سيف.
لكن إسرائيل تعتبر إيلي كوهين إحدى معجزاتها، وأصدرت طابعاً بريدياً تذكارياً يحمل اسمه وصورته، ويُعتقد أنها تقف خلف إنتاج الفيلم الأمريكي الشهير "جاسوس المستحيل" عام 1987 والذي تم تصويره في إسرائيل، كما أنشأت موقعاً إلكترونياً رسمياً خاصاً به باللغة العبرية.