أعلنت وكالة الأدوية الأوربية، السبت 6 مارس/آذار 2021، عن فتح تحقيق دولي بالتعاون مع سلطات إنفاذ القانون الهولندية والأوروبية، وذلك بعد تعرضها في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لهجوم إلكتروني سُرقت خلاله وثائق وأسرار تتعلق بلقاحات وأدوية كورونا وتسريبها عبر الإنترنت.
وكالة الأدوية الأوروبية، ومقرها في أمستردام، اتّهمت المخابرات الروسية وجواسيس صينيين بارتكاب تلك العملية، لكنها لم تقدم أي تفاصيل حول محتوى وتبعات الوثائق التي تمت سرقتها خلال تلك الهجمات، وذلك وفقاً لصحيفة الشعب الهولندية (دي فولكس كرانت).
حيث نقلت الصحيفة عن مصادر مقربة من التحقيق قولهم إن متسللين صينيين استهدفوا وكالة الأدوية الأوروبية في النصف الأول من عام 2020، وقاموا بتنفيذ هجمات إلكترونية على الوكالة، وسرقوا وثائق تتعلق بالسياسة الأوروبية للقاحات، وتلاهم عملاء من المخابرات الروسية في وقت لاحق من العام.
وفي الوقت الذي لم تردّ فيه وزارة الخارجية الروسية على هذه الدعاوى، نفت موسكو مراراً مزاعم الغرب بتنفيذها عمليات تسلل إلكتروني.
من جانبها، أحجمت وزارة الخارجية الصينية عن التعليق. لكن بكين قالت في وقت سابق إنها تُعارض بشدة جميع أشكال الهجمات الإلكترونية، وتتخذ إجراءات صارمة نحوها.
وكانت الحكومة الأمريكية وشركات مختصة في التقنية قد أكدت أنه تم رصد حملة تجسس سيبرانية عالمية، تستهدف سرقة التفاصيل المتعلقة بإنتاج وتوزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد "كوفيد-19".
وبحسب التحذير الذي وجّهته شركة (إي بي إم) المختصة في التكنولوجيا، فإن حملة التجسس الحثيثة بدأت في سبتمبر/أيلول الماضي، أي عندما صارت الأخبار تتوالى بشأن تطوير لقاحات فعالة ضد الوباء.
محاولة من كوريا الشمالية
هذه ليست المحاولة الأولى، إذ قال جهاز المخابرات الكوري الجنوبي، الثلاثاء 16 فبراير/شباط 2021، إن كوريا الشمالية حاولت سرقة معلومات بخصوص لقاح فايزر، الواقي من فيروس كورونا، عن طريق اختراق الشركة إلكترونياً، حسبما ذكر نائب برلماني مطلع.
قال ها تاي-كيونج، وهو نائب معارض في لجنة المخابرات بالبرلمان، إن شركة الأدوية العملاقة كانت بين الهيئات التي تم اختراقها في محاولة سرقة معلومات عن اللقاحات والعلاجات، وأضاف "كانت هناك محاولات لسرقة لقاح كورونا وتقنية العلاج خلال هجمات إلكترونية تم خلالها اختراق فايزر".
في تصريحات للصحفيين بعد إحاطة من الجهاز، لم يتطرق النائب إلى توقيت أو نجاح المحاولة، وفقاً لما يتضح من نص تصريحاته التي اطلعت عليها رويترز. وأكد مكتبه التصريحات دون الخوض في تفاصيل. ولم تصدر مقارّ شركة فايزر في آسيا وكوريا الجنوبية تعليقاً.
فيما كان متسللون يُعتقد أنهم كوريون شماليون قد حاولوا، العام الماضي، اختراق أنظمة ما لا يقل عن تسع شركات للرعاية الصحية، مثل جونسون آند جونسون ونوفافاكس وأسترازينيكا.
كما قال جهاز المخابرات العامة في كوريا الجنوبية، إنه أحبط محاولات جارتهم لاختراق شركات كورية جنوبية عاكفة على تطوير لقاحات فيروس كورونا. وقال خبراء في مجال الصحة، إن قراصنة كوريا الشمالية قد يكونون راغبين في بيع البيانات المسروقة، لا في استخدامها لتطوير لقاح محلي.
هجمات لم تتوقف
فقد ذكرت تقارير سابقة أن قراصنة ترعاهم الدولة من الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، ينخرطون في محاولات حثيثة لسرقة لقاح كورونا، فيما وصفه خبراء الأمن بـ"حرب ملكية فكرية"، في الوقت الذي ينتظر فيه العالم اللقاح لوضع حدّ للجائحة التي تتزايد خسائرها يومياً.
يُتهم قراصنة هذه البلدان بمحاولة الحصول على نتائج التجارب مبكراً، وسرقة معلومات حساسة تخص إنتاج لقاح فيروس كورونا بكميات كبيرة، في وقتٍ اقتربت فيه الموافقة على إنتاج عدد من اللقاحات للجمهور، وفقاً لما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
يقول آدم مايرز، نائب الرئيس الأول في شركة Crowdstrike، المتخصصة في أمن تكنولوجيا المعلومات، إن دولاً من بينها روسيا والصين، شاركت في اختراق شركات وهيئات غربية "على مدار العشرين عاماً الماضية"، ولكنها منذ مارس/آذار 2020 "أصبحت تركز على موضوع واحد"، في إشارة إلى فيروس كورونا.
مايرز أضاف أن "ما تراه هنا أحدث مرحلة في حرب الملكية الفكرية الدائرة منذ أمد طويل، ولكنها مرحلة حساسة لأطرافها، إذ أصبح من يمكنه تطوير اللقاحات أولاً مصدر فخر وطني".
غير أن جميع الدول المتهمة نفت تورطها في محاولات القرصنة، إذ قالت روسيا إنها "لا علم لها" بمحاولات القرصنة، فيما دافعت الصين عن نفسها بالقول إن أبحاث اللقاحات التي تجريها في مرحلة متقدمة، وليست مضطرة لسرقة ما يفعله الآخرون. وتنفي إيران الاشتراك في حرب إلكترونية كذلك.
لكن خبراء في القطاعين الخاص والعام يدفعون بخلاف ذلك، قائلين إن مجموعات القراصنة التي ترعاها الدولة عادةً ما تربطها علاقات بالتجسس أو وكالات الدفاع.
استهداف أبحاث اللقاحات
من جانبه قال المركز الوطني للأمن السيبراني في المملكة المتحدة، هذا العام، إن مختبرات أبحاث لقاح كورونا كانت مستهدفة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا، من قراصنة مجموعة Cozy Bear الروسية، التي ترعاها الدولة، والمرتبطة بوكالة الأمن الداخلي FSB.
يضيف الخبراء الغربيون أن الهجمات تأتي بشكل متكرر من الصين وإيران وكوريا الشمالية. وفي سبتمبر/أيلول 2020، اتهمت إسبانيا قراصنة صينيين بسرقة أسرار أبحاث كوفيد من مختبراتها في حملة "شديدة الشراسة".
كذلك اتُّهم قراصنة مرتبطون بإيران بمحاولة سرقة أسرار من شركة الأدوية الأمريكية Gilead Research، في مايو/أيار 2020، باستخدام صفحة تسجيل دخول بريد إلكتروني زائفة، في إحدى المرات، سعياً لدفع مسؤول تنفيذي كبير للسماح بمرورهم إلى أنظمة الشركة.
تشير مصادر بريطانية نقلت عنهم The Guardian، إلى أنها لا تعتقد أن هذه المحاولات نجحت في اختراق أهداف بريطانية -رغم استحالة إثبات هذا التأكيد- لكن من المسلَّم به أن بعض الهجمات الإلكترونية نجحت في مناطق متفرقة من العالم.
غير أن هؤلاء القراصنة تحولوا لاستهداف أساليب الإنتاج والبيانات المتعلقة بنجاح التجارب. وهذه المعلومات تعتبر ذات أهمية كبيرة، حيث يجري تجهيز عدد من اللقاحات للتداول على مستوى العالم.