أطلق مسؤولون أمنيون أمريكيون كبار تحذيراً صارخاً للعراق، في ظل الهجمات المتكررة على قواتها ومقاعدها العسكرية في بغداد، قائلة إن الميليشيات الإيرانية لن تجلب الخير للعراق بل ستدفعه نحو حربٍ أهلية.
وكانت قاعدة عين الأسد التي تستضيف قوات أمريكية وعراقية ومن التحالف الدولي قد تعرضت لهجومين بالصواريخ خلال الأسبوع الماضي، وهو ما أثار استنفاراً في واشنطن وتهديداً بالرد.
الجنرال بول كالفيرت، قائد قوات التحالف الدولي إلى العراق وسوريا بقيادة الولايات المتحدة، صنف قوات الحشد الشعبي كتهديد على الدولة العراقية حالياً؛ مشيراً إلى "أن ترك هذه المسألة دون معالجة سيبدد جميع المكاسب التي تحققت حتى الآن"، وذلك حسب ما أفاد موقع Defense One الأمريكي.
بحسب الموقع، فقد أدت شبكات الميليشيات المتغيرة باستمرار في العراق إلى إحباط صُناع القرار الأمريكيين والعراقيين عبر إدارات متعددة. وفي واشنطن، غالباً ما تُختزَل المشكلة في حالة بسيطة من العدوان الإيراني لأنَّ بعض الجماعات المسلحة تتلقى الدعم والتوجيه من طهران من حين لآخر. لكن يقول مسؤولون عسكريون ومحللون بارزون في المنطقة إنَّ الواقع أعقد بكثير.
إذ يعتقد كالفيرت وآخرون أنَّ المشكلة الأكبر تتمثل في أنَّ الحكومة العراقية ليس لديها إلا سيطرة "ضئيلة" على مجموعات الميليشيات، وعلى الرغم من أنَّ بعض الميليشيات الرئيسية لديها أهداف مشتركة – مثل إخراج القوات الأمريكية من العراق – لكنها منقسمة حول مسألة النفوذ الإيراني في العراق.
وفي مقابلة بمقر الجيش الأمريكي في بغداد، صرح كالفيرت الشهر الماضي: "يتضح لي وللأشخاص الذين تحدثت إليهم [في الحكومة العراقية]، أنَّ هناك قدراً كبيراً من القلق فيما يتعلق باحتمالات اندلاع حرب أهلية شيعية داخلية بين المتحالفين مع إيران والقوميين العراقيين".
ونوه كالفيرت وآخرون إلى أن بعض الجماعات تزداد قوة، حيث قال إنَّ كتائب حزب الله العراقي، على وجه الخصوص، قد "تتحول إلى كونها منظمة ذات توجه إقليمي متحالفة مع إيران، ويمكن أن تتحول إلى وكيل يركز على المنطقة"، بدلاً من منظمة يقتصر عملها على العراق.
وسبق أن تحدث الفريق العراقي عبد الأمير الشمري، نائب قائد القيادة العراقية التي تشارك واشنطن في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، "عن هذا التهديد في أربع نطاقات"، تتعلق النطاقات الثلاثة الأولى بمخاوف أمنية تقليدية؛ هي: داعش، والحدود المليئة بالثغرات مع سوريا التي تسمح بتهريب الأسلحة، والمناورات السياسية المستمرة مع إقليم كردستان شبه المستقل.
"أما نطاق التهديد الرابع، فيتعلق بالميليشيات" حيث يرى الشمري "أنَّ هذا النطاق هو الأهم".
ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي تضطرب فيها أرجاء العراق نتيجة القتال بين الحكومة ومجموعة متنوعة من الميليشيات، وكان أبرزها الحرب الأهلية الشيعية التي دارت رحاها بين عامي 2007 و2008 بين الحكومة والميليشيات القومية العراقية، والميليشيات الموالية لإيران، والموالين لإيران لكن الميليشيات التي يقودها العراقيون. والعديد من الجماعات التي قاتلت آنذاك هي نفس المجموعات التي تُربِك صُناع القرار الأمريكيين والعراقيين اليوم، بما في ذلك كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق.
الهجوم على عين الأسد
وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، أمس الأربعاء، إن الولايات المتحدة "لن تتورّع" عن الرد على الهجمات التي تستهدف قواتها إذا لزم الأمر، وذلك بعد هجوم صاروخي، هو الثاني خلال أسبوع، على قاعدة عين الأسد الجوية التي تستضيف قوات أمريكية وعراقية ومن التحالف الدولي.
حسب مصدر أمني عراقي، فقد استهدف تفجير بعبوة ناسفة، رتل شاحنات للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، غرب العاصمة بغداد، وفق ما نقلته وكالة "الأناضول" للأنباء.
من جهته، قال وزير خارجية بريطانيا دومينيك راب، إنه "فزع" من الهجوم على قاعدة عين الأسد الجوية في العراق، والذي عرّض للخطر مجدداً أرواح جنود عراقيين ومن التحالف.
وأضاف راب على تويتر: "هذه الهجمات تقوّض استقرار العراق، وينبغي أن تتوقف فوراً".
حاتم الجابري، النقيب في شرطة بغداد، قال لوكالة "الأناضول"، إن "عبوة ناسفة زرعها مجهولون انفجرت لدى مرور شاحنات تحمل معدات لوجستية للتحالف الدولي، على طريق قضاء أبوغريب السريع غرب بغداد".
وأضاف الجابري أن "الانفجار ألحق أضراراً مادية بإحدى شاحنات الرتل دون وقوع إصابات بشرية".
ويُعد هذا الهجوم هو الثاني من نوعه الأربعاء، والـ29 في غضون 10 أسابيع؛ حيث وقعت هجمات مماثلة على أرتال للتحالف الدولي، وسط وجنوبي البلاد.
إذ وقع انفجار مماثل في محافظة الديوانية، الأربعاء، ما ألحق أضراراً بإحدى شاحنات الرتل، وفق مصدر أمني لـ"الأناضول".
اتهامات لإيران
وتتهم واشنطن فصائل عراقية مسلحة مرتبطة بإيران بالوقوف وراء هذه الهجمات، وأخرى تستهدف سفارتها وقواعدها العسكرية، التي ينتشر فيها الجنود الأمريكيون بالعراق.
وينتشر في العراق نحو 3000 جندي من قوات التحالف الدولي، بينهم 2500 جندي أمريكي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي في البلاد.
وتطالب القوى السياسية العراقية بخروج القوات الأمريكية من البلاد استجابة لقرار البرلمان العراقي، في 5 يناير/كانون الثاني 2020، مغادرة القوات الأجنبية البلاد.
قاعدة عين الأسد
وقاعدة عين الأسد تقع في ناحية البغدادي 90 كم غربي مدينة الرمادي (عاصمة الأنبار)، وتعد أكبر قاعدة عسكرية للقوات الأمريكية في العراق. وتتعرض المنطقة الخضراء، التي تضم سفارة واشنطن في بغداد، والقواعد العسكرية التي تستضيف قوات التحالف الدولي لهجمات صاروخية، منذ مقتل قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، بغارة أمريكية، مطلع العام الماضي.
ويقول رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إن الهجمات الصاروخية تستهدف إحراج الدولة.
فيما كانت فصائل شيعية مسلحة، بينها كتائب "حزب الله" العراقي، هددت باستهداف القوات والمصالح الأمريكية بالبلاد، في حال لم تنسحب امتثالاً لقرار البرلمان القاضي بإنهاء الوجود العسكري فيها، وتتهم الولايات المتحدة كتائب "حزب الله" وفصائل عراقية مسلحة مقربة من إيران، بالوقوف وراء هجمات صاروخية متكررة تستهدف سفارتها الموجودة وقواعدها العسكرية.
وفي وقت سابق، كشف تقرير نشرته صحيفة Daily Mail البريطانية، بعض اللقطات الجديدة التي وُصفت بالمروعة والتي أعقبت استهداف إيران قاعدة أمريكية في العراق بعد مقتل القائد العسكري قاسم سليماني.
إذ قال الجنرال فرانك ماكنزي، من سلاح مشاة البحرية الأمريكية (المارينز)، لشبكة CNN الإخبارية الأمريكية، إن واشنطن كانت لديها خطة للانتقام في حال أسفر هذا الهجوم عن مقتل أي أمريكي، وإنه لولا عمليات الإجلاء التي نُفّذت قبل الهجوم الصاروخي الإيراني، لكان أكثر من 100 جندي أمريكي لقوا مصرعهم، على حد قوله.