أكد خبراء في علم الأوبئة من جديد أن الأسطح الجامدة ليست عاملاً مهماً في انتشار فيروس كورونا، مثلما كان يُخشى في السابق، وأن دورها في انتشاره بحاجة لإعادة تقييم، حسب ما نقلت ذلك صحيفة The Guardian البريطانية، السبت 27 فبراير/ شباط 2021.
فمن جانبه، قال حسن فالي، الأستاذ المساعد خبير علم الأوبئة بجامعة لاتروب الأسترالية، إنه بعد ما يزيد قليلاً على عام تقريباً من انتشار فيروس كورونا، فإنه اتضح أن الأسطح الجامدة ليست عاملاً مهماً في انتشاره.
وفي حديثه للصحيفة يؤكد فالي ضرورة الاعتناء بغسل اليدين والنظافة الشخصية، ولكنه أشار إلى عدم فاعلية "غسل جميع الأسطح 20 مرة في اليوم"، منوهاً إلى أن تنظيف اليدين جيداً والتباعد الجسدي، والبقاء في المنزل عند المرض، كافٍ لمنع انتشار الفيروس".
بحسب الخبير، فإن انتشار الهباء الجوي على مسافة قريبة العامل الرئيسي في انتقال فيروس كورونا، خاصة حين يكون الشخص المصاب على مسافة قريبة من شخص آخر وينقل إليه جزيئات سائلة صغيرة (رذاذ وهباء جوي) تحمل الفيروس، خاصة عند السعال والعطس. وبعدها تدخل هذه الجزيئات إلى أنوف الأشخاص القريبين وأفواههم وعيونهم.
وفي مقال على موقع The Conversation، قال فالي: "هذا لا يعني أن الانتقال عن طريق الأسطح غير ممكن وأنه لا يشكل خطراً في مواقف معينة، أو أنه يجب علينا تجاهله تماماً. ولكن يجب أن نعترف بأن التهديد الذي يشكله انتقال الفيروس عن طريق الأسطح محدود نسبياً".
لا تشبه سيناريوهات الحياة الواقعية
في تأييد لما قاله فالي، كتب إيمانويل غولدمان، أستاذ علم الأحياء الدقيقة بجامعة روتغرز الأمريكية، في دورية The Lancet الطبية من أن الدراسات التي تحذر من انتقال العدوى عن طريق الأسطح أجريت في المختبر، و"لا تشبه كثيراً سيناريوهات الحياة الواقعية".
حيث قال غولدمان: "في رأيي، فرصة انتقال العدوى عبر الأسطح الجامدة محدودة جداً، وتقتصر على الحالات التي يسعل فيها الشخص المصاب أو يعطس على أحد الأسطح، ويلمس شخص آخر ذلك السطح بعد فترة وجيزة من السعال أو العطس (من ساعة إلى ساعتين)".
كما أضاف: "ولا أعارض التزام جانب الحذر، لكن هذا قد يصبح مبالغاً فيه بدرجة لا تبررها البيانات". وقال إن "تعقيم الأسطح بشكل دوري واستخدام القفازات قد يكون احتياطات معقولة في أماكن مثل المستشفيات، لكنه ربما يكون ضرباً من المبالغة في البيئات الأقل خطورة".
كما يتفق بيتر كوليغنون، طبيب الأمراض المعدية والأستاذ بالجامعة الوطنية الأسترالية، مع أن جميع الأدلة المتوفرة تشير إلى أن تقارب الأشخاص من بعضهم بعضاً وهم يتحدثون ويسعلون ويغنون ويتنفسون هو ما يدفع إلى انتشار الفيروس.
وقال: "هم يتنفسونه ويدخل إلى أنوفهم وعيونهم، وهذا هو عامل الخطر الرئيسي". وقال إنه لهذا السبب، من الضروري إعطاء الأولوية لحماية العينين، لا سيما في فنادق الحجر الصحي والمستشفيات، وكذلك للكمامات والتباعد الجسدي.
ويشير كوليغنون إلى دراسة كبرى نُشرت في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية وجدت أن 19% من العاملين في مجال الرعاية الصحية أصيبوا بالعدوى، رغم التزامهم بارتداء الكمامات الجراحية المكونة من ثلاث طبقات والقفازات وأغطية الأحذية واستخدام الكحول. ولكن بعد استخدام دروع الوجه، لم يُصب أي عامل بالعدوى.
قول كوليغنون: "أعتقد أننا قللنا من تقديرنا لمدى أهمية العيون وبالغنا في الاهتمام بالأسطح".
دراسات توثق أهمية الاسطح
كان باحثون أستراليون قد أكدوا في دراسة سابقة أن فيروس كورونا يمكن أن يعيش على الأوراق النقدية والأسطح الزجاجية والمعدنية الفولاذية المقاومة للصدأ لمدة تصل إلى 28 يوماً.
حيث وجد باحثون في وكالة العلوم الوطنية الأسترالية أن فيروس كورونا يظل معدياً عند درجة حرارة 20 درجة مئوية لمدة 28 يوماً على الأسطح الملساء، مثل الأوراق النقدية البلاستيكية، والزجاج الموجود على شاشات الهاتف المحمول.
اختبر الباحثون كذلك قدرة الفيروس على الاستمرار في الظلام وفي ظل ثلاث درجات حرارة مختلفة، وتوصلوا إلى أنه عند 20 درجة مئوية، كان "فيروس كورونا″، "قوياً للغاية".
وعند 30 درجة مئوية، تراجعت قدرة الفيروس على البقاء إلى سبعة أيام، وعند 40 درجة مئوية إلى 24 ساعة فقط، فيما بقي الفيروس لمدة أقل على الأسطح المسامية، مثل القطن (حتى 14 يوماً عند درجات الحرارة الأدنى وأقل من 16 ساعة عند الدرجات الأعلى)، بحسب الباحثين.
الدراسة التي نُشرت في دورية فيرولوجي "دورية علم الفيروسات"، قالت إنه بالمقارنة اتضح أن فيروس الإنفلونزا يعيش على الأسطح 17 يوماً.
باحثون رأوا أن هذه الدراسة تساعد على فهم أكبر لطبيعة الفيروس القاتل، وفي هذا السياق قال لاري مارشال، الرئيس التنفيذي لوكالة العلوم الوطنية الأسترالية، في بيان، إن "تحديد الفترة التي يبقى فيها الفيروس حياً بشكل فعلي على الأسطح يمكننا من التكهن بشكل أدق وتخفيف انتشاره وتعزيز حماية شعبنا".
من جانبه، قال تريفور درو، مدير المركز الأسترالي للاستعداد للأمراض التابع لوكالة العلوم الوطنية، إن "هذا البحث يساعد أيضاً في تفسير الاستمرار والانتشار الواضح لفيروس سارس-كوف-2 في البيئات الباردة التي بها تلوث عال بالدهون أو البروتين، مثل منشآت تصنيع اللحوم وكيف يمكننا تعزيز معالجة هذا الخطر".
وبحسب الدراسة يمكن أيضاً للبروتينات والدهون الموجودة في سوائل الجسم أن تزيد بشكل كبير من فترات بقاء الفيروس.