تتعرض بريطانيا إلى ضغوط من أجل إعادة تقييم علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، بعد أن نشرت الولايات المتحدة تقريراً استخباراتياً تضمّن تفاصيل عن مقتل الصحفي البارز جمال خاشقجي، الذي أشار إلى أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وافق على اعتقال أو قتل خاشقجي.
بريطانيا أمام تضارب بالمصالح
كانت بريطانيا قد فرضت العام الماضي عقوبات على 20 سعودياً كانوا على صلة بجريمة اغتيال خاشقجي، لكن بعد فرض العقوبات بيوم، استأنفت الحكومة مبيعات أسلحة تزيد قيمتها على 1.39 مليار دولار مع المملكة الغنية بالنفط.
صحيفة The Times البريطانية، قالت السبت 27 فبراير/شباط 2021، إن بريطانيا تتعرض مجدداً للضغوط بشأن علاقتها مع الرياض، لكن رغم ذلك قال دبلوماسيون بريطانيون وسعوديون إن شيئاً لن يتغير لأن العلاقات التجارية والأمنية بين البلدين مهمة للغاية.
كذلك نقلت الصحيفة عن مصدر سعودي -لم تسمه- قوله إن المملكة "دفعت الثمن من سمعتها" في المملكة المتحدة، وإن المؤسسة الأمنية قد "مضت قدماً" وتجاوزت الأمر.
لكن يظل قرار بايدن الأخير بنشر تقرير خاشقجي وإعادة ضبط علاقة أمريكا بالدولة الخليجية، وما انطوى عليه ذلك من قرار بوقف مبيعات الأسلحة الشهر الماضي، يشكّل معضلة للحكومة البريطانية.
يأتي ذلك وسط التحذيرات الواردة من خبراء، من أنه إذا لم تفرض المملكة المتحدة مزيداً من العقوبات على المسؤولين السعوديين، أو تتخذ موقفاً أشد صرامة بشان مبيعات الأسلحة إلى المملكة، فإنها تخاطر بذلك بإضعاف علاقاتها مع أقرب حليف لها، وهو الولايات المتحدة.
على الجانب الآخر من المعضلة، فإن الرياض تعد أحد أهم الشركاء التجاريين للمملكة المتحدة. وقد صدرت بريطانيا إليها ما قيمته 8.35 مليار دولار من السلع والخدمات في عام 2018 وحده، وهو العام الذي قُتل فيه خاشقجي.
كذلك وعلى مدى العقد الماضي، استحوذت السعودية على ما يقرب من 40% من صادرات الأسلحة البريطانية، ما يجعلها أكبر مشترٍ للأسلحة البريطانية. وبين يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول من العام الماضي، وقّعت حكومة المملكة المتحدة على عقود لتصدير قنابل وصواريخ للسعودية بقيمة 1.95 مليار دولار تقريباً.
لكن بريطانيا فعلت ذلك في وقت كان فيه ترامب يضغط أيضاً من أجل تمرير مبيعات الأسلحة ويرفض نشر تقرير الاستخبارات الأمريكية بشأن مقتل خاشقجي. أما الآن فقد أدى إصدار التقرير يوم الجمعة 26 فبراير/شباط 2021، إلى إثارة الجدل في وزارة الخارجية البريطانية حول ما يجب فعله فيما يتعلق بموقف بريطانيا الآن، بعد أن غيّر بايدن السياسة الأمريكية حيال القضية.
ماذا يمكن أن تفعل بريطانيا؟
قالت وزارة الخارجية البريطانية في بيانٍ بعد نشر تقرير خاشقجي، إن المملكة المتحدة لطالما كانت واضحة في أن اغتيال خاشقجي كان "جريمة مروعة"، وكررت الدعوات لإجراء تحقيق شفاف، وفقاً لما ذكرته وكالة رويترز.
كما قالت مصادر في وزارة الخارجية لصحيفة The Tımes إن المملكة المتحدة ستدرس فرض عقوبات مماثلة لتلك التي فرضتها أمريكا على 76 سعودياً، يُعتقد أنهم قد شاركوا في تهديد المعارضين في الخارج، ويشمل ذلك، دون حصرٍ، المشاركين في جريمة اغتيال خاشقجي.
من جانبها، قالت مصادر حكومية إنه لا توجد خطط لوقف مبيعات الأسلحة، ولا أي رغبة في قطع العلاقات مع المملكة.
أما فيما يتعلق بمعاقبة ولي العهد السعودي، فأوضح مصدر دبلوماسي للصحيفة عن وجهة نظر بعض مسؤولي الحكومة حيال الأمر، وقال: "إذا لم يقم الملك بإقالته فقد يظل محمد بن سلمان في السلطة على مدار الخمسين عاماً القادمة"، مضيفاً: "من الأحرى بنا أن نتوخى الحذر بشأن أي خطوات تفضي إلى تدمير العلاقة معه. إنها مسألة توازن حقيقية".
أثار هذا النهج غضباً من جانب "حملة مكافحة تجارة الأسلحة"، وهي منظمة بريطانية معنية بمناهضة التجارة العالمية للأسلحة، التي قالت: "لطالما كانت السعودية قادرة على الاعتماد على الدعم المقدم دون سؤال من جانب الحكومة البريطانية (…) وهذا أمر يتجاوز مجرد الضعف السياسي، إنه تواطؤ فعال".
بدورها، قالت سنام وكيل، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة "تشاتام هاوس"، إن بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي كانت تتطلع إلى "الاستفادة من علاقتها القوية للغاية مع الشركاء في جميع أنحاء الخليج، ومنهم السعودية بالطبع"، حيث هناك فرص تجارية واستراتيجية للمملكة المتحدة.
لكن سنام تستدرك بالإشارة إلى أنها، وإن كانت لم تتوقع إعادة تقويم لسياسة المملكة المتحدة حيال السعودي، فإنها تذهب إلى أن إدارة بايدن إذا اتخذت نهجاً قوياً بشأن قضايا حقوق الإنسان، فقد تحذو المملكة المتحدة حذوها.
من جهتها، تأمل السعودية في أن تنتهي الأمور دون خسائر كبيرة، ونقلت الصحيفة البريطانية عن مصادرها القول إن "شيئاً لم يتغير منذ تسريب تقرير الاستخبارات الأمريكية في عام 2018″، وقال مصدر سعودي إن "توقف مبيعات الأسلحة كان رمزياً لأن 99% من الأسلحة المتعاقد عليها تم تسليمها بالفعل".
علاوة على ذلك، يتوقع السعوديون أن تظل علاقتهم مع المملكة المتحدة على حالها، حيث شكك مصدر سعودي في وجود رغبةٍ جدية لدى الولايات المتحدة في تنفير حليف قديم أو ولي العهد، لاسيما في وقت تتعامل فيه روسيا والصين معه بأريحية تامة دون طرح أسئلة أو إبداء نقد.