كشفت قيادات شيعية تتولى رئاسة ميليشيات مسلحة مدعومة من إيران لموقع Middle East Eye البريطاني، يوم الثلاثاء 23 فبراير/شباط 2021، أن استهداف مدينة أربيل بالصواريخ في الأيام الماضية كان من أجل "تأديب السلطات الكردية" فقط، على حد قولها.
القيادات الشيعية نفت أن تكون الصواريخ التي استهدفت مطار أربيل قد كانت من أجل قتل جنود أمريكيين أو لاستهداف مصالح واشنطن، لكنها في نفس الوقت نفت علمها بمن يقف وراء الهجوم الذي تم في الـ15 من فبراير/شباط على عاصمة إقليم كردستان العراق.
استهداف أربيل ومسؤولية ميليشيا شيعية
في المقابل، فقد أعلنت ميليشيا مسلحة تُدعى "أولياء الدم" مسؤوليتها عن هجوم أربيل عبر قناة مُقرَّبة من الفصائل الشيعية المدعومة من إيران على تطبيق تليغرام. وقالت الميليشيا إنَّ الهجوم استهدف قوات "الاحتلال الأمريكي" التي لن تكون بمأمن "حتى لو نقلت قواعدها" إلى إقليم كردستان.
كذلك فقد هدَّدت الميليشيا الشيعية الساسة الأكراد الذين "رحبوا" بالاحتلال التركي للأراضي العراقية، فيما تشن أنقرة هجوماً على حزب العمال الكردستاني المسلح بطول الحدود العراقية الشمالية.
توترات شمال العراق
يذكر أن الهجوم جاء في وقتٍ تتصاعد فيه التوترات في شمال العراق، في ظل سعي القوات الشيعية والكردية والاتحادية المتنافسة لبسط سيطرتها في سنجار، وهي منطقة ذات ميزة استراتيجية لا مثيل لها، وجرى فيها تهميش المجموعات المدعومة من إيران لصالح السلطات العراقية النظامية.
بالإضافة إلى ذلك فمن غير المفاجئ أنَّ السلطات الكردية في أربيل تشير بأصابع الاتهام في الهجوم الصاروخي إلى تلك المجموعات الشيعية.
في المقابل صرح مسؤولون وقادة شيعة لموقع Middle East Eye بأنَّ المحادثات التي تجري خلف الكواليس تثبت تورِّط جماعة "عصائب أهل الحق"، وهي فصيل يهاجم الأصول الأمريكية في العراق رغم وجود هدنة غير رسمية بين المجموعات المدعومة من إيران وواشنطن.
مسؤول كردي رفيع قال تعليقاً على ما يحدث: "تعتقد عصائب أهل الحق أنَّ هناك تعاوناً أمنياً بين بغداد وأربيل وأنقرة، وبالتالي يجب ضربهم في أربيل. الرسالة هي أنَّ الفصائل الشيعية بإمكانها تقويض أمن إقليم كردستان".
في حين نفت هذه القيادات الشيعية أن يكونوا مسؤولين عن استهداف الجنود الامريكيين في أربيل، ويؤكدون كذلك على أنَّ الهدنة مع الولايات المتحدة تبقى كما هي.
إذ قال قيادي بارز بفصيل مسلح شيعي مدعوم من إيران: "لم يُنفِّذ أيٌّ من فصائلنا المعروفة هذا الهجوم. هناك أدوات أخرى مرتبطة بحزب العمال الكردستاني نفذته، لكنَّه حقق غرضه المرجو".
زيارة قائد شيعي لقواته في نينوى
يذكر أنه قبل أربعة أيام من هجوم أربيل، زار "أبو فدك" عبدالعزيز المحمداوي، قائد أركان الحشد الشعبي، قواته المنتشرة في غرب نينوى وشمال كركوك ومناطق أخرى في شمال البلاد، وهو ما منح الانطباع للبعض بأن الاستهداف الذي تم في أربيل جاء بناء على أوامر منه.
لكنَّ قيادياً بارزاً بالحشد الشعبي مقرب من أبو فدك صرَّح بأنَّ الهجوم مثَّل إحراجاً كبيراً له. وقال: "مهما كانت هوية المجموعة التي نفذت هذا الهجوم، فإنَّها بالتأكيد مجموعة غير صديقة لنا. هذا الهجوم أحرج أبو فدك كثيراً، خصوصاً أمام القادة الأكراد، الذين يملك علاقات جيدة معهم. لا نعرف مَن شن الهجوم حقيقةً، وحتى الإيرانيون أنفسهم أخبرونا أنَّهم لم يكونوا على علم بهذا الهجوم ولم يخططوا له".
كذلك أضاف القيادي المقرب من "أبو فدك": "إنَّه لو كان يعلم أنَّ هذا الهجوم سيقع ما كان زار المنطقة في هذا الوقت بالذات. فمن الحماقة لقائد بوزن أبو فدك أن يزور منطقة ثُمَّ يأمر بشن هجوم. هذا ليس أسلوبه".
في المقابل فمن الممكن كشف أدلة بشأن مصدر العداء الذي أدَّى إلى هجوم أربيل في المحادثات التي تحيط بالموقع المحتمل لإطلاق الصواريخ. إذ تشير أدلة دامغة إلى استخدام صواريخ كاتيوشا في الهجوم، وهي صواريخ يبلغ أقصى مدى لها 8.5 كيلومتر.
لكنَّ وزارة داخلية إقليم كردستان قالت إنَّ الصواريخ أُطلِقَت من الطريق الرابط بين أربيل وبلدة الكوير، الواقعة على بُعد 45 كيلومتراً شمال غربي عاصمة إقليم كردستان.
من جانبه حثَّ نيجيرفان بارزاني، رئيس إقليم كردستان، بغداد لاحقاً على السماح للقوات الكردية الأمنية بإدارة الشؤون في تلك المناطق المتنازع عليها، كذلك ومن خلال الإشارة إلى أنَّ الصواريخ أُطلِقَت من الكوير، فإنَّ السلطات الكردية حمَّلت المسؤولية ضمناً للفصائل المسلحة في مناطق شمالي كركوك وغربي نينوى.
لكنَّ اللواء يحيى رسول، المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أكَّد رواية جماعة أولياء الدم للأحداث، مُصرِّحاً للصحفيين بأنَّ موقع الإطلاق كان على بُعد 5 كيلومترات من أربيل، وأنَّ سلطات الإقليم "لا بد أن تعالج هذا الخرق الأمني".
علاقة هجوم أربيل بمناطق متنازع عليها
في المقابل قال مسؤول اتحادي عراقي: "تفاجأنا في اليوم التالي بعد الهجوم من بدء القادة الأكراد الحديث عن سنجار والمناطق المتنازع عليها ومطالب العودة إلى الإدارة المشتركة لتلك المناطق". وأضاف: "شُنَّ الهجوم من داخل أربيل، فما العلاقة إذاً بين المناطق المتنازع عليها وسنجار وهذه المسألة؟".
يذكر أن سنجار، وهي بلدة تقع قرب الحدود العراقية مع تركيا وسوريا، تشتهر بأنَّها الموقع الذي شهد في عام 2014 عمليات القتل والاختطاف الجماعي التي قام بها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، والمعروفة باسم "مذبحة الأيزيديين".
اذ تُعَد المنطقة واحدة من المناطق الأكثر استراتيجية في العراق. فهي أعلى منطقة في البلاد، والأقرب إلى بيروت ودمشق وإسرائيل. ومَن يسيطر عليها يُؤمِّن الطريق البري بين طهران ودمشق من ناحية، وخطوط الإمداد اللوجستية بين جنوب شرقي تركيا وشمالي سوريا من ناحية أخرى.
مسؤولون وقادة عراقيون قالوا أيضاً إنَّ كل الأطراف الدولية والإقليمية المتصارعة في العراق، بما في ذلك إيران وتركيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، تسعى لفرض سيطرتها على المنطقة.
في المقابل فقد عُثِرَ على عملاء لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية، وهي فرع مسلح سوري للحزب. ويوجد أيضاً عملاء لقوات البيشمركة الأمنية التابعة لإقليم كردستان العراق، والفصائل الشيعية، ووحدات حماية سنجار.
التوصل لسحب مجموعات مدعومة من إيران
لكن في أكتوبر/تشرين الأول 2020، جرى التوصل إلى اتفاق لسحب المجموعات المدعومة من إيران من المنطقة، وطرد حزب العمال الكردستاني وحلفائه مثل وحدات حماية سنجار وعودة المهجرين.
إذ كان الاتفاق يناسب القوات الاتحادية العراقية وقوات إقليم كردستان، لكنَّه أثار سخط الفصائل الشيعية والمسلحين الأكراد. وقال مسؤولون اتحاديون ومحليون إنَّ الاتفاق أثار غضب أنقرة لأنَّه يدفع حزب العمال الكردستاني نحو الحدود.
في حين قال مسؤول اتحادي بارز شارك في إبرام اتفاق سنجار: "تريدنا تركيا أن نقاتل حزب العمال الكردستاني وحلفاءه في وحدات حماية سنجار، في حين يريد الأكراد المقربون الآن من تركيا العودة لحكم سنجار".
كذلك وفي 10 فبراير/شباط، أطلقت تركيا حملة عسكرية شرسة جديدة ضد حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل بطول الحدود الشمالية للعراق.
منح هذا الفصائل المدعومة من إيران فرصة ذهبية لإعادة تأكيد نفسها في المنطقة حول سنجار، بذريعة مواجهة المحاولات التركية للغزو، رغم كون تركيا بعيدة بـ250 كيلومتراً عن سنجار.
قيادات شيعية صرَّحت في تصريحات صحفية بأنَّه جرى في اليوم التالي إرسال ثلاثة أفواج قتالية من الحشد الشعبي، ونُشِرَت على قمة جبل سنجار ومنحدراته الغربية والشرقية. وبحسب قيادي أيزيدي محلي يعمل ضمن مظلة الحشد، بلغ عدد قوات الحشد المنتشرة في المنطقة 15 ألف مقاتل.
إذ كان حضور أبو فدك ذلك اليوم محاولةً لنقل رسالة، مفادها: إنَّنا مستعدون لمواجهة القوات التركية إن لزم الأمر.
قيادي كبير في فصيل شيعي مسلح مدعوم من إيران قال كذلك إنَّ اتفاق سنجار، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، يمنح المنطقة ضمناً لسلطات إقليم كردستان، وهو الأمر الذي زعم أنَّ من شأنه السماح لداعش والقوات التركية بالعمل هناك دون ضابط.
لا علاقة للحشد الشعبي بالهجوم
من ناحية أخرى قال قيادي بارز بالحشد الشعبي مُقرَّب من أبو فدك عن اللقاء الذي جرى بين أبوفدك والرئيس برهم صالح: "تجمع بين برهم وأبو فدك علاقة جيدة. وطلب برهم لقاءه للحصول على إيضاحات بشأن الهجوم. وقد أخبره أبو فدك صراحةً أنَّه لا علاقة للحشد الشعبي بالهجوم".
القيادي المقرب من أبو فدك والموجود في الحشد الشعبي قال إنَّ أبو فدك أخبر الرئيس برهم صالح أنَّه لا يعرف شيئاً عن تلك المجموعة المدعوة "أولياء الدم".
من ناحية أخرى قال مسؤولون أكراد إنَّه لا يزال من المبكر للغاية التأكد ممَّن كان وراء الهجوم، وإنَّهم لا يستبعدون احتمالية وجود شخصيات كردية "فاسدة" متورطة مقابل المال لمصلحة هذا الحزب السياسي أو ذاك، أو هذه المجموعة المسلحة أو تلك.