أدانت محكمة ألمانية، الأربعاء 24 فبراير/شباط 2021، العنصر السابق في المخابرات السورية إياد الغريب، وقضت بسجنه لمدة 4 سنوات ونصف السنة، وذلك في أول قضية تتعلق بانتهاكات نُسبت إلى نظام بشار الأسد.
انتهاكات بمعتقلات الأسد
وكالة الأنباء الفرنسية قالت إن المحكمة أدانت الغريب بـ"المساعدة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية"، من خلال القبض على ما لا يقل عن 30 من نشطاء المعارضة بعد مظاهرة مناهضة للأسد في 2011، وإرسالهم إلى منشأة تابعة للمخابرات، وهو يعرف أنهم سيتعرضون فيها للتعذيب.
يأتي صدور الحكم مع اقتراب الذكرى العاشرة لانطلاق الثورة في سوريا، 15 مارس/آذار 2011، وهذه هي المرة الأولى في العالم التي تُصدر فيها محكمة في العالم حكماً في قضية مرتبطة بالقمع الوحشي والدامي من قبل نظام الأسد ضد الاحتجاجات من أجل الحرية التي جرت في إطار "الربيع العربي"، بحسب الوكالة الفرنسية.
كانت النيابة قد طلبت عقوبة السجن لمدة خمس سنوات ونصف السنة ضد الغريب، الذي كان مسؤولاً في أدنى مستويات الاستخبارات قبل أن ينشقّ في 2012 ويهرب في نهاية المطاف من سوريا، في فبراير/شباط 2013.
كان قد وصل في 25 أبريل/نيسان 2018 إلى ألمانيا، بعد رحلة طويلة في تركيا، ثم في اليونان، ولم يُخفِ ماضيه يوماً، وعندما روى رحلته الشاقة للسلطات المسؤولة عن البت في طلب اللجوء الذي قدمه أثار اهتمام القضاء الألماني، ما أدى إلى اعتقاله في فبراير/شباط 2019.
يؤكد الادعاء أن الغريب كان جزءاً من نظام يُمارس فيه التعذيب على نطاق واسع، ولزم الغريب خلال جلسات المحاكمة الصمت وأخفى وجهه عن الكاميرات، ومع ذلك فقد كتب رسالة أعرب فيها عن حزنه على الضحايا.
كان الغريب يبكي وهو يستمع إلى محاميه يطالبون ببراءته، بحجة أنه كان سيعرض حياته وحياة أسرته للخطر إذا لم يُنفذ أوامر في نظام يسحق كلَّ نيةٍ للعصيان.
كذلك كان الغريب تحت إمرة ابن خال بشار الأسد والمقرب منه حافظ مخلوف، المعروف ببطشه، ومع ذلك استنكر أحد محامي الادعاء المدني باتريك كروكر صمته، وقال إن أشخاصاً "من رتبته يمكن أن يكونوا مهمين جداً لإعطائنا معلومات (عن المسؤولين السوريين) الذين نستهدفهم بالفعل، لكنه اختار عدم القيام بذلك".
محاكمة ثانية
إلى جانب الغريب يُحاكم أيضاً المتهم الثاني أنور رسلان (58 عاماً)، الذي يُعتبر أكثر أهمية في جهاز الأمن السوري الواسع، ويهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في قتل 58 شخصاً وتعذيب 4 آلاف معتقل.
من المتوقع أن تستمر محاكمة هذا العقيد السابق حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2021 على الأقل.
ولمحاكمة الغريب ورسلان تطبق ألمانيا مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يسمح بمحاكمة مرتكبي أخطر الجرائم، بغضّ النظر عن جنسيتهم ومكان حدوث الجرائم.
يأتي ذلك بينما تزداد الدعاوى المرفوعة أمام المحاكم الوطنية في ألمانيا والسويد وفرنسا، بمبادرة من اللاجئين السوريين الكُثر في أوروبا، وهي حالياً الإمكانية الوحيدة للحكم على الانتهاكات المرتكبة في سوريا مع شلل القضاء الدولي.
وأدلى أكثر من عشرة سوريين بإفاداتهم حول الانتهاكات المروعة التي تعرضوا لها في سجن الخطيب، كما جرت مقابلة بعض الشهود دون كشف هوياتهم، وتم إخفاء وجوههم، أو جعلهم يضعون شعراً مستعاراً خوفاً من الانتقام من أقاربهم الذين ما زالوا في سوريا.
أيضاً شهدت المحاكمة للمرة الأولى عرض صور من "ملف قيصر"، وقام هذا المصور السابق في الشرطة العسكرية بتسريب 50 ألف صورة مجازفاً بحياته، يظهر فيها 6786 معتقلاً سورياً قُتلوا بوحشية أو يتضورون جوعاً أو يعانون من آثار تعذيب.
والصور التي تم تحليلها في المحكمة من قبل أخصائي الطب الشرعي البروفيسور ماركوس روتشيلد تشكل أدلة مادية دامغة.