انتقد وزير الاتصال والمتحدث باسم الحكومة الجزائرية عمار بلحيمر، الأربعاء 17 فبراير/شباط 2021، بشدة تقرير "مصالحة الذاكرة" للمؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا، الذي يهدف لطي صفحة الاستعمار الفرنسية للجزائر، والانتقال لمرحلة جديدة، قائلاً إنه قد "جاء دون التوقعات"، مطالباً بتقديم اعتذار رسمي من باريس، وتعويض الجزائريين الضحايا.
تأتي تصريحات الوزير الجزائري كأول رد حكومي مباشر على تقرير المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا حول "مصالحة الذاكرة"، وذلك بعد قرابة شهر على صدوره، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية.
الوزير الجزائري أوضح في حوار للموقع الإلكتروني "الجزائر الآن" أن التقرير الذي تسلمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "لم يكن موضوعياً؛ إذ يساوي بين الضحية والجلاد وينكر مجمل الحقائق التاريخية".
كما أكد أن التقرير "يتجاهل المطالب المشروعة للجزائر، وفي مقدمتها اعتراف فرنسا رسمياً بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، التي اقترفتها خلال احتلالها للجزائر لمدة قرن و32 سنة من الزمن".
وذكّر الوزير بـ"مطالب الجزائر غير القابلة للتقادم أو التنازل، والمرتكزة على اعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية وتقديم الاعتذار رسمياً عن ذلك، وتعويض الجزائريين ضحايا هذه الجرائم في حق الإنسانية".
جاء ذلك في حوار مطول منشور عشية إحياء الجزائر ذكرى "يوم الشهيد"، اعتبر أقوى انتقاد لعمل المؤرخ الفرنسي من قِبل عضو في الحكومة، حيث أكد فيه أن "الخبراء والجامعيين والشخصيات الوطنية بل حتى بعض النزهاء الفرنسيين أجمعوا على رفض تقرير ستورا".
وعلى الرغم من مرور شهر تقريباً على صدور التقرير، فإنه لم يصدر حتى الآن أي رد فعل من الرئيس عبدالمجيد تبون، أو من مدير الأرشيف الوطني عبدالمجيد شيخي الذي يفترض أنه قام بعمل موازٍ مع نظيره بنجامان ستورا.
لكن ردود فعل شعبية وعلى مستوى المؤسسات قد ظهرت منذ صدور التقرير، أبرزها كان الرفض الذي أعلنته المنظمة الوطنية للمجاهدين (محاربو حرب التحرير الجزائرية) للتقرير، التي قالت إنه "تغاضى عن الحديث عن الجرائم المتعددة التي ارتكبتها الدولة الفرنسية، باعتراف الفرنسيين أنفسهم".
تقرير ستورا
وبعد أن كلّف إيمانويل ماكرون، بنجامان ستورا، أحد أبرز الخبراء المتخصصين بتاريخ الجزائر الحديث، في تموز/يوليو "بإعداد تقرير دقيق ومنصف حول ما أنجزته فرنسا حول ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر" التي وضعت أوزارها عام 1962، قدم المؤرخ الفرنسي تقريره في 20 كانون الثاني/يناير، الذي أثار الكثير من الجدل والانتقادات في وسائل الإعلام وبين المؤرخين في فرنسا والجزائر.
وأوصى ستورا في تقريره المكون من 150 صفحة بتشكيل لجنة تسمى "الذاكرة والحقيقة"، وتوثيق شهادات الناجين من حرب الاستقلال الجزائرية، كما أشار التقرير إلى ضرورة زيادة التعاون بين فرنسا والجزائر، وأن يتمكن الجزائريون الذين قاتلوا إلى جانب فرنسا (يعرفون باسم الحركي) خلال حرب الاستقلال الجزائرية من التنقل بسهولة بين البلدين.
التقرير اقترح إزالة عبارة "سر الدولة" الموجودة في الوثائق التي يعود تاريخها إلى عام 1970 في الأرشيف، وإنشاء أرشيف مشترك بين البلدين، مشدداً على ضرورة تقديم منح دراسية للطلاب الجزائريين لإجراء دراسات في الأرشيف الفرنسي، على أن يتم نفس الشيء أيضاً للطلاب الفرنسيين.
كما شدّد كذلك على أن المدارس في فرنسا يجب أن تدرس حرب الاستقلال الجزائرية بطريقة أفضل، وأن تتوقف عن ذكر الاستعمار في الدروس.
التقرير أوصى كذلك بتنظيم أنشطة تذكارية بشأن حرب الاستقلال الجزائرية، وأن يتم إعلان الـ25 من سبتمبر/أيلول يوماً لإحياء ذكرى "الحركي"، و17 أكتوبر/تشرين الأول لذكرى "مذبحة باريس 1961″، و19 مارس/آذار لإحياء ذكرى نهاية الحرب.
ستورا رفض لاحقاً الاتهامات التي وجهها إليه جزائريون حول دعوته إلى عدم "اعتذار" فرنسا عن 132 سنة (1830-1962) من الاستعمار للجزائر، وقال: "لقد قلت وكتبت في تقريري أنني لا أرى مانعاَ من تقديم اعتذارات من فرنسا للجزائر على المجازر المرتكبة".
ولكن ماكرون الذي وعد باتخاذ "خطوات رمزية" لمحاولة المصالحة بين البلدين، استبعد تقديم "الاعتذارات" التي تنتظرها الجزائر.
حيث أعرب الرئيس الفرنسي عن أمله في أن تحقق هذه المبادرات الوصول لمصالحة بين بلاده والجزائر، مشيراً إلى أنه يرغب في أن يتم إحياء ذكرى من فقدوا حياتهم بالحرب الجزائرية، من خلال فعاليات مختلفة.
وسائل إعلام محلية في الجزائر أكدت أن بيان الإليزيه إشارة واضحة إلى أن "فرنسا غير مستعدة لتقديم اعتذار عما قامت به في الجزائر خلال حرب التحرير، أو خلال فترة الاستعمار الفرنسي ككل".
تجريم الاستعمار الفرنسي
يأتي هذا في وقت أطلق فيه برلمانيون حملة شعبية لجمع مليون توقيع في الجزائر، من أجل الضغط لسن قانون محلي لتجريم الاستعمار الفرنسي، وذلك بعد أيام من صدور التقرير الفرنسي.
النائب في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، بلعربي كمال، قال إنه أطلق المبادرة بالتنسيق مع عدد من النواب، مشيراً إلى أنهم سبق أن قدموا منذ 28 يناير/كانون الثاني 2020 مشروع قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي.
لكن المشروع بقي حبيس الأدراج سنة كاملة، و"لم ينظر إليه لأسباب مجهولة"، وفقاً لكمال، الذي أضاف: "بعد عام أي في 28 يناير/كانون الثاني 2021، أطلقنا حملة شعبية لجمع التوقيعات لمطالبة البرلمان بغرفتيه بسنّ قانون يُجرّم أفعال فرنسا الاستعمارية".
لفت البرلماني إلى أن المبادرة "جاءت بسبب التماطل الذي طال المشروع وطال حق الشهداء والمجاهدين (قدماء المحاربين)"، مضيفاً أن "الدعوة جاءت أيضاً بناءً على تصريحات مستشار الرئاسة عبدالمجيد شيخي المكلف بملف الذاكرة (ملف الاستعمار)"، والذي قال قبل أسابيع إن الجزائريين جرموا الاستعمار منذ عقود في قلوبهم ولا يحتاج ذلك لنص قانوني.
كذلك اعتبر كمال أن "مسألة اعتراف فرنسا بجرائمها شأنها، وما يعنينا هو استرجاع حقوق الجزائريين التي ضاعت مثل الأرشيف والتعويضات المادية".
وانطلقت الحملة في مختلف محافظات البلاد، وستأخذ وقتاً لجمع التوقيعات من خلال استمارة ورقية وليست إلكترونية، وقال كمال: "يكفي جمع مليون توقيع لإيصال رسالة الشعب إلى الحكومة والسلطة التشريعية".
يُذكر أن الاستعمار الفرنسي للجزائر دام بين 1830 و1962، حيث تقول السلطات الجزائرية ومؤرخون إن هذه الفترة شهدت جرائم قتل بحق قرابة 5 ملايين شخص، إلى جانب حملات تهجير ونهب الثروات، وسرقة آلاف الوثائق وقطع تاريخية وأثرية منها ما يعود إلى الحقبة العثمانية (1515-1830).