يشهد القصر الرئاسي بالعاصمة الجزائر تحركات عبد المجيد تبون وحركة استقبالات استثنائية بعد عودة الرئيس عبدالمجيد تبون من رحلته العلاجية في ألمانيا.
واستقبل الرئيس الجزائري رؤساء أحزاب المعارضة ونشطاء سياسيين، تزامناً مع الذكرى الثانية للحراك الجزائري، والتي يحاول الرئيس استباقها بتقديم حلول لإخماد غضب الشارع.
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من مصادر خاصة، فإنه من بين الحلول المطروحة أمام تبون إعادة حل البرلمان وتشكيل حكومة جديدة، ودمج أحزاب المعارضة، وسحب البساط من الأحزاب القوية في الجزائر.
العودة إلى الحراك
شهدت مدينة خراطة بمحافظة بجاية، يوم 16 فبراير/شباط 2021، خروج الآلاف من المتظاهرين في مسيرة تحتفي بذكرى حراك فبراير/شباط 2019، وأيضا تحضيراً لإعادة بعث الحراك الشعبي، وذلك تزامنا مع تحركات عبد المجيد تبون.
مراد بن بقة، ناشط سياسي شارك في مسيرة خراطة، قال في لقاء مع "عربي بوست"، إن "مطالب الحراك لم تتحقق، وحتى العصابة التي زج بها في السجن لتورطها في الفساد والتخابر أُصدرت في حقها أحكام البراءة، ما يجعلنا نفقد الثقة تماماً بنوايا هذا النظام".
وأضاف المتحدث أن "الشعب الجزائري كان معلقاً آماله على انتقال السلطة بانتخابات رئاسية، حتى وإن قاطعها الأغلبية، لكن واقع الاقتصاد، ومستوى معيشة المواطنين، وانتهاج السلطة لنفس أسلوب النظام السابق بالتخويف والتهديد والتضييق، جعلنا مرغمين على العودة إلى الشارع".
من جهته، يرى الناشط السياسي عادل سرايحي، في حديثه مع "عربي بوست"، أن "كورونا كانت هدية للسلطة من أجل تأكيد نيتها للشعب، وإجراء إصلاحات وفق ما وعد بها الرئيس، لكن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع، بل احترق الشعب بالأسعار الملتهبة للمواد الاستهلاكية وتدني الخدمات".
وعلى الصعيد السياسي، يضيف المتحدث: "رأينا الغياب التام لقرارات الرئيس الحاسمة، مع إطلاق سراح ما كانت تقول العدالة إنهم متورطون في قضايا الفساد والتخابر على السلطة، في حين ارتفعت دائرة معتقلي الحراك والرأي".
ميلاد جديد للحراك
أعلن نشطاء جزائريون بداية فبراير/شباط 2021 تأسيس هيئة جديدة لإعادة تنظيم وهيكلة أنشطة الحراك الشعبي أطلق عليها اسم "المؤتمر الوطني للحراك الشعبي"، سيبدأ عمله بداية مع إحياء الذكرى الثانية للحراك في 22 فبراير/شباط 2021.
وقال أصحاب المبادرة في بيان المؤتمر الوطني للحراك الشعبي إن "الخطوة الجديدة تأتي لتصحيح كل المشاريع التي أطلقها ناشطون آخرون في وقت سابق، واصفين إياها بالسطحية التي لا تُعبر عن آمال الشعب الجزائري في التغيير".
ولم يخفِ أصحاب المبادرة أنهم سيعتمدون "نهجاً راديكالياً" في التعامل مع الوضع في الجزائر بهدف "إسقاط سلطة الأمر الواقع كلية، قبل الذهاب إلى مرحلة انتقالية لبناء الشرعية عبر استعادة السلطة التأسيسية وفق المادتين 7 و8 من الدستور".
الناشط السياسي الجزائري سليمان بن حواس ثمَّن في حديثه مع "عربي بوست" تحركات المؤتمر الوطني للحراك الشعبي، واعتبرها فرصة لتأطير الحراك، والحفاظ على أهدافه.
وقال بن حواس إن "الخطأ الذي وقع فيه حراك 2019، أنه بقي دون رأس مدبر وفعال، ما جعله سهل الاختراق والتشتيت، وحتى السلطة لم تجد من تُفاوض أو تُحاور للخروج من الأزمة، لذا فإن ميلاد هذا المؤتمر خطوة نحو تأطير أفضل للحراك الشعبي الجزائري".
تحركات عبد المجيد تبون
كثف الرئيس عبدالمجيد تبون بعد عودته للجزائر من لقاءاته مع رؤساء أحزاب، وشخصيات وطنية، تطرق فيها حسب تقارير التلفزيون الجزائري إلى الوضع السياسي العام في البلاد، وتبادل الآراء من أجل الخروج من بعض التعقيدات الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية.
وفتح الرئيس جلسات الحوار الوطني مع أحزاب المعارضة التي قاطعت رئاسيات ديسمبر/كانون الأول 2019، وعلى رأسها الأمين الوطني الأول لحزب القوى الاشتراكية، المصنف كأكبر حزب معارض منذ استقلال الجزائر.
أيضا كان للرئيس جلسة مشاورات مع رئيس حزب حركة مجتمع السلم المعارض، عبدالرزاق مقري، والذي أبدى استعداد الحركة لأي حوار مع السلطة، والمساهمة في إنقاذ البلد مما هي فيه.
وكان تبون قد استقبل كلاً من الأمين العام لحركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة، وكذا رئيس حزب جبهة المستقبل الوطني، عبدالعزيز بلعيد، وهما الحزبان اللذان شاركا في رئاسيات ديسمبر/كانون الأول 2019.
ويرى المحلل السياسي الجزائري سمير قلالتة أن "تحركات عبد المجيد تبون ولقائه برؤساء الأحزاب جاءت لامتصاص حالة الغضب التي يعيشها الشارع قبل ذكرى الحراك ولتسكين حالة الغليان والتذمر".
واعتبر المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "لجوء الرئيس إلى هذه الأحزاب في هذا الظرف بالذات هو لتبيان نيته في بناء حكومة سياسية تمثل جميع الأطياف الحزبية، والاعتماد على أنصار تلك الأحزاب في قلب موازين الشارع الذي يهم بالعودة لكن ليس بالقوة التي كان عليها في 2019".
خطة الرئيس
يُحاول الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بسط سيطرته على دواليب الحكم، وامتصاص غضب الشارع الذي يحضر لثاني فصول الحراك الشعبي، إذ كشف عبدالعزيز بلعيد رئيس حزب جبهة المستقبل (موالٍ) للسلطة أن الرئيس يسعى إلى حل البرلمان قبل نهاية الأسبوع الجاري.
وحسب المعلومات التي كشف عنها المحلل السياسي بجامعة سطيف اليامين بودهان لـ"عربي بوست"، فإن "تبون سيقوم بتعديل وزاري، وسيدفع بالمصادقة على قانون الانتخابات الذي قد يُمرر بنسبة كبيرة بأمر رئاسي، وذلك ليظهر بصورة الراغب في تثبيت الإصلاحات".
ويتوقع بودهان "أن يلجأ تبون إلى تعيين حكومة بعض أعضائها من الأحزاب السياسية التي التقى بها مؤخراً، بما فيها الأكثر معارضة، حزب القوى الاشتراكية".
ويأتي لجوء الرئيس إلى خيار التعديل الحكومي العاجل حسب المحلل السياسي الجزائري سمير قلالتة لـ"عربي بوست" بعدما "تكبدت حكومة عبدالعزيز جراد فشلاً ذريعاً في تسيير مختلف الأزمات والملفات وتقديم حلول واقعية للمشاكل اليومية للمواطن".
الرئيس الجزائري لن يكتفي -حسب المتحدث- بالتعديل الحكومي وحل البرلمان وتمرير قانون الانتخابات، بل "سيعمل على إجراء تغييرات على مستوى واسع لولاة الجمهورية، وسلك الأمناء العامين، خاصة بالولايات التي شهدت احتجاجات شعبية ومشاكل تنموية".
حلول الترقيع بحسب الناشط السياسي سليمان بن حواس "ستمتد لتمُس بعض الجوانب، كرفع أجور بعض الفئات، وتسوية ملفات جنود الاستبقاء العالقة منذ العشرية السوداء، مع تكثيف توزيع الحصص السكنية والمشاريع التنموية في هذا الظرف بالذات".
الحلول حسب بن حواس "استعان بها النظام السابق لإسكات الشارع في أكثر من مرة، خاصة مع اقتراب المواعيد الانتخابية، وتمرير القوانين والمراسيم المهمة".
تعويض أحزاب السلطة بالمعارضة؟
وخلال تحركات عبد المجيد تبون لم يلتقِ الرئيس الجزائري بأكبر حزبين صانعين للقرار في البلد، ويتعلق الأمر بجبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي.
فالرئيس -حسب أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر محمد وعلي- يعلم جيداً أن الحراك الشعبي طالب ومنذ فبراير/شباط 2019 بحل الأحزاب التي شاركت بوتفليقة فترة حكمه، والتي اتسمت بالفساد الأسطوري.
وفي حديثه لـ"عربي بوست" يقول وعلي إن "أي حكومة يكون فيها حزبا السلطة (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي) وجهاً من أوجهها هي في نظر الشعب الجزائري حكومة بوتفليقة بامتياز".
وأضاف المتحدث أن "أكثر الأخطاء التي وقع فيها الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون عدم حل البرلمان لما اعتلى سدة الحكم، ما جعل فترة حكمه شبيهة لحد الآن بفترة النظام السابق، ما دامت جل القوانين والقرارات يتم تمريرها بالبرلمان من تأسيس الرئيس المستقيل نظام بوتفليقة".
خطأ -حسب المتحدث- يريد تبون تداركه في هذه المرحلة الحساسة، أي قبل حلول الذكرى الثانية للحراك الشعبي، من خلال حل البرلمان وعدم تذكير الجزائريين بأي صورة من صور الحكم السابق.
مقابل ذلك استقبل عبدالمجيد تبون وفداً من حزب القوى الاشتراكية المعارض، هذا الأخير الذي طالب الرئيس بإطلاق سراح سجناء الرأي ومعتقلي الحراك، وإجراء إصلاحات سياسية عميقة من شأنها أن تعيد الثقة المفقودة بين الشعب والسلطة.
ويعتبر المحلل السياسي اليامين بودهان أن "خطوة الرئيس بمثابة التحدي لكسب ود أكبر حزب معارض وإعطاء صورة فتح الأبواب المشاركة السياسية أمام الجميع".
أيضاً حسب المتحدث، فإن الحزب يمثل الأغلبية من منطقة القبائل المعروفة بشراستها في الدفاع عن مواقفها، ومعارضتها المستمرة، بدليل تسجيل صفر مشاركة في الانتخابات الرئاسية".
وحسب المتحدث، فإن "تبون يريد إنهاء القطيعة بإشراك أكبر حزب معارض في التغيير الحكومي المقبل، وكسب ود منطقة لم تعترف به كرئيس، ومازالت تنادي بالتغيير وتشترك بقوة في الحراك الشعبي".
حيلُ الرئيس
الناشط السياسي والقيادي في حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عثمان بن سيد يعتبر أن "كل التحركات التي يقوم بها تبون ما هي إلا ذر الرماد ومراوغة سياسية واضحة".
وفي تصريحه لـ"عربي بوست" يقول بن سيد: "إن ألاعيب السلطة باتت واضحة للعيان، نفس الشيء الذي كانت تقوم به السلطات السابقة في عهد بوتفليقة، من خلال تأميل المواطنين وتقديم الوعود، وحلول شكلية".
ويرى المتحدث أن "الذهاب إلى تعديلات حكومية جزئية وانتخابات مسبقة دون اتفاق بين الجزائريين حسب نفس المتحدث هو تكريس لسياسة الأمر الواقع واستنساخ لنفس التجارب الماضية".
وقال المتحدث: "لقد ألفنا مناورات السلطة، والجزائر الجديدة لا تُبنى بالممارسات القديمة، والتنظيمات السياسية التي لها أثر كبير ومسؤولية على الوضع الحالي مازالت نافذة في أجهزة السلطة، وبالتالي لا أمل من كل هذه التحركات".
هل سينجح الرئيس؟
التحرك الأخير للرئيس الجزائري في نظر متابعين، جاء بعدما أحس بالعودة القوية للحراك الشعبي الذي سيطالب برحيله، بعدما فقد المواطن آماله في بلوغ ما سمته الدولة "الجزائر الجديدة".
فالسلطة الحالية في الجزائر كما يرى الدكتور اليامين بودهان "لا تهمها الشرعية أو المصداقية أو حتى الإصلاح، بقدر ما يهمها الاستمرار وتثبيت الأركان، ومحاولة الخروج من هذه الفترة بالذات ولو على ظهر شعب غير راضٍ".
واعتبر المتحدث أن "استدعاء تبون لمختلف التشكيلات الحزبية لا سيما المعارضة منها جاء لكسب شرعية إضافية، والسيطرة على دواليب الحكم، بعدما أبان الشعب عدم رضاه بالانتخابات الرئاسية الماضية وإفرازاتها".
ويتوقع الدكتور والناشط السياسي كمال بن عمارة عزوفاً كبيراً عن دعوات الحراك الشعبي، والذي فقد وفق ما صرح به لـ"عربي بوست"، "بريقه مع اختراقه من قِبل فئة تريد الشر بالبلاد، والشعب الجزائري منح الرئيس فرصة تكملة عهدته، لمواصلة مسار تحقيق التعهدات التي قدمها للشعب سابقاً".
ويتوقع المتحدث أن "يكسب الرئيس عبدالمجيد تبون الرهان من خلال تحركاته الإصلاحية من أجل تشكيل حكومة تصريف أعمال وطنية تمثلها أحزاب سياسية بعيداً عن الأحزاب التقليدية".
على عكس ذلك، يرى القيادي بحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عثمان بن سيد أن "تحرك الشارع سيكون أقوى مما كان عليه، خاصة أمام ممارسات السلطة الراهنة، والتي لا تختلف عن ممارسات النظام السابق، خاصة ما تعلق بالحريات معتقلي الراي وأسلوب الترهيب والتخويف".
وعلى الرغم من أن الحراك بحسب المحلل السياسي الجزائري الدكتور يامين بودهان "لن يكون بالقوة التي كان عليها في 2019، بسبب تمكن السلطة من اختراقه وتشتيته، فإنه سيزعج تبون وقد يتكرر في كل الولايات".
عودة أنصار بوتفليقة
من الجانب الرسمي قال وزير الاتصال الناطق الرسمي للحكومة عمار بلحيمر أن "بقايا النظام السابق تأمل في استرجاع الحكم ودواليب الدولة بالتحريض على العصيان المدني والفوضى واللجوء إلى العنف".
وأوضح بلحيمر في لقاء مع جريدة "لو سوار" الناطقة بالفرنسية، في 14 فبراير/شباط 2021، أن "هذا المزيج المضاد للثورة الذي يجمع الشيء بنقيضه، بتمويل وتعليمات من دوائر نظامية وغير نظامية لقوى أجنبية، يعمل بلا هوادة على التحريض على العصيان المدني والفوضى واللجوء إلى العنف" .
وحسب عمار بلحيمر "فالحراك الأصيل (22 فبراير/شباط 2019) تم تشويشه من طرف هؤلاء الذين كانوا بكل شرعية المستهدفين الأوائل له، الذين دعموا العهدة الخامسة بشراسة وبشكل غير معقول وكذا الدخلاء الذين ركبوا القطار متأخراً لأخذ زمام الأمور".