قالت صحيفة The Independent البريطانية، في تقرير نشرته يوم الإثنين، 15 فبراير/شباط 2021، إن تصاعد التطرف المحلي في أمريكا في عهد دونالد ترامب، الذي وصل إلى اقتحام الكابيتول، في 6 يناير/كانون الثاني 2021، دفع خبراء الإرهاب في واشنطن إلى الالتفات إلى الداخل الأمريكي، ورصد تحولاته الخطيرة بدلاً من الاهتمام بحركات التطرف في العالم.
إذ إن الخبراء الأمريكيين المعنيين بحركات التطرف حول العالم، والذين قضوا سنوات طويلة يتابعون نشاطات تنظيم القاعدة وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في جميع ربوع الأرض، سوف يعملون في الفترة المقبلة على التركيز على بروز التطرف المحلي، والذي كان مدعوماً من جانب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
تزايُد التطرف اليميني في أمريكا
من ناحية أخرى فإن التطرف اليميني في أمريكا تسبب في قتل مواطنين أمريكيين أكثر مما تسببت فيه أي أيديولوجية أخرى، ولم يكن هناك تحول كبير في الموارد، وتركيز للانتباه لمسايرة هذا الكم من التطرف، إلى أن جاءت اللحظة الراهنة.
مارثا كرينشو، التي تعد واحدة من أبرز خبراء الإرهاب في الولايات المتحدة، قالت إن هجوم مبنى الكابيتول كشف أن المشكلة "لم تكمن في العجز عن الرد، بل الإخفاق في التنبؤ بالتهديد".
إذ كتبت مارثا في مقال لها نُشر في صحيفة The New York Times قالت فيه إن الشغل الشاغل لأمريكا منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول، كان هو متابعة تهديدات الجماعات الجهادية، لكن ذلك قد أعمى بصيرة واشنطن عن الحقيقة التي تفيد بأن الإرهاب قادرٌ على أن يبدأ في الوطن، ومع أيديولوجيات مألوفة على حد قولها.
آثار التطرف اليميني في أمريكا
بالإضافة إلى ذلك، ففي يوليو/تموز، وسعت أستاذة العلوم السياسية لدى جامعة ستانفورد من نطاق بحوثها لتشمل المزيد حول التطرف اليميني العنيف، ولم تكن وحدها التي سلكت هذا المسلك، ولكن لماذا لم يحدث هذا التحول قبل ذلك؟
"نيو أميركا"، المؤسسة الفكرية المعروفة، قالت إن ما يطلق عليه الحركات الجهادية قتلت منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول حوالي 107 أشخاص داخل الولايات المتحدة. أما عدد الوفيات الناجمة عن إرهاب اليمين المتطرف في أمريكا، والذي يتألف من عنف معارضة الحكومة، وحمل السلاح، وسيادة البيض، ومناهضة الإجهاض، فقد بلغ 114 حالة وفاة.
الأستاذة الجامعية مارثا كرينشو، التي درست الإرهاب طيلة 40 عاماً، قالت في حديثها مع The Independent، إن أجهزة الأمن القومي تشبه حاملة طائرات، تنعطف ببطء، بمجرد أن تتوجه نحو ما يطلق عليه "تطرف الجماعات المسلحة" يصعب تعديلها لتهديدٍ متحولٍ جديدٍ، على حد وصفها. وأضافت أن مجال دراسات الإرهاب كان دائماً "مدفوعاً بالحدث بدرجة كبيرة. كلما زاد العنف زادت الدراسات حوله".
في المقابل فإن الكثيرين يرون أن هجمات مبنى الكابيتول يمكن أن تشكل حدثاً محفزاً سوف يجعل هذا التحول محل تركيز، على صعيد دراسات تهديدات التطرف وجهود مكافحته، ما سيدفع الحكومة إلى التركيز على سياسات تخص الحريات المدنية والأمن القومي والدبلوماسية، خلال السنوات القادمة.
كولين كلارك، الخبير في شؤون الإرهاب لدى المؤسسة الفكرية "صوفان جروب"، والأكاديمي الذي اهتم بدراسة الإرهاب في الولايات المتحدة، والذي كان أول يوم له في الصف الدراسي في يوم أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وقد شاهد أيضاً مسيرة "وحدوا اليمين" المؤيدة لسيادة البيض في شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا عام 2017، قال إنه تأثر بالواقعتين بشكل كبير.
التكيف على مواجهة التحدي الجديد
يقول كلارك إنه كان لديه تصور هزلي في عقله عما يبدو عليه أي شخص من المؤمنين بسيادة البيض، إذ تخيل أنه شخص ريفي من الجنوب وغير متعلم، ويشبه أعضاء منظمة كو كلوكس كلان، لكن الصور من مسيرة شارلوتسفيل لم تكن كذلك. بل بدت مثل قطاع كبير من أمريكا. مضيفاً: "عندما بدأنا في تقشير الطبقات أدركنا أنه لم يكن هناك أشخاص من نوعية أعضاء منظمة كو كلوكس كلان".
لكن يظل التساؤل الجوهري، هو إذا ما كان المتخصصون في بحوث وتحليلات التطرف والإرهاب سيصبحون قادرين على التكيف مع مواجهة هذا التهديد الجديد؛ فالسنوات التي قضوها في التركيز على نوع واحد من التطرف جعلت كثيرين يبذلون جهوداً من أجل محاولة اللحاق بالتهديد الجديد.
كلارك يقول رداً على ذلك: "على مدى الـ20 سنة الماضية، التي شهدت ما يعرف بـالحرب على الإرهاب، شيدنا هيكلاً عالمياً للتعامل تحديداً مع الجهاديين السلفيين، ولم نتعامل مع جميع أنواع الإرهاب على نفس قدم المساواة".
في المقابل، هناك عامل رئيسي آخر وراء تحول الخبراء لدراسة الإرهاب الداخلي في أمريكا في الفترة الأخيرة، وهو ما إذا كان النهج الجديد لمعالجة التطرف المحلي في الولايات المتحدة سوف يكون قادراً على تجنب تكرار أخطاء الحرب على الإرهاب.
إذ إن هذه الحملة، التي أطلقها جورج دبليو بوش في 2001 رداً على هجمات 11 سبتمبر/أيلول، تسببت في أعداد لا تُحصى من الوفيات في الشرق الأوسط.
كما كلفت تريليون دولار، والجماعات التي كانت تستهدفها برزت بروزاً أقوى من ذي قبل على أنقاض انعدام الاستقرار الذي استتبع. واستغلت جماعات مثل تنظيم داعش والقاعدة حالة الفوضى.
تقليص حريات المدنيين
في السياق ذاته، قُلصت الحريات المدنية للمواطنين العاديين داخل الولايات المتحدة، وعُلقت حقوق المتهمين بالإرهاب عبر استخدام العقوبات والاعتقال خارج نطاق القضاء. واستُهدف المواطنون المسلمون عن طريق الوكالات الاستخباراتية، التي مُنحت سلطات مراقبة غير مسبوقة عن طريق المسؤولين المنتخبين.
كذلك فالموضوع الرئيسي الكامن وراء تحول الخبرات والانتباه نحو التطرف اليميني يتعلق بأن غالبية هؤلاء الخبراء يتنبأون بأن تهديد التطرف الداخلي سوف يزداد.
إذ إنهم يرون أن هناك دلائل كبيرة على أن اقتحام الكابيتول سوف يغذي قدرة الجماعات المسلحة والجماعات المناهضة للحكومة، على تجنيد مزيد من الأشخاص.
إذ وفقاً لكلارك، يُستشعر أن اليمين المتطرف لديه زخم خطير، وأنه نَشَط وتجرَّأ عن طريق السنوات الأربع الماضية، مع العلم أن هجمات الكابيتول كانت اللحظة الفارقة، على حد قوله.