تتصدر حركة فتح المشهد الفلسطيني، في ضوء حالة الانقسام التي تشهدها الحركة قبيل الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في 22 من مايو/أيار 2021، وذلك بعد أن انفض اجتماع اللجنة المركزية للحركة في رام الله دون حسم الكثير من الخلافات بشأن موقف الحركة من الانتخابات.
وظهر الخلاف الفتحاوي قبل أن تعقد اللجنة المركزية اجتماعها يوم السبت 13 فبراير/شباط 2021 بعد أن اعتذر عضوها البارز ناصر القدوة عن عدم حضور الاجتماع، في رسالة رفض وتحد للمسار الذي يقوده الرئيس محمود عباس في ملفي المصالحة الفتحاوية الداخلية، ومسار الانتخابات.
تحالف القدوة والبرغوثي
جاء تغيب ناصر القدوة عن حضور اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح بعد التسريبات الأخيرة التي أشارت إلى انضمامه لتحالف يقوده الأسير مروان البرغوثي عضو اللجنة المركزية للحركة، لتأسيس قائمة مستقلة لخوض الانتخابات التشريعية، يضم من بين أعضائها قيادات الحرس القديم في السلطة المحسوبة على الرئيس السابق ياسر عرفات، والتي تعرضت لإقصاء وتهميش متعمد في ولاية الرئيس أبومازن.
وكشف مصدر قيادي في حركة فتح على اطلاع بتفاصيل اجتماع اللجنة المركزية لـ"عربي بوست" أن "القدوة تلقى اتصالات عدة قبل اجتماع اللجنة المركزية من قيادات وازنة في حركة فتح لتأسيس قائمة مستقلة لخوض الانتخابات التشريعية يقودها القدوة على رأس القائمة، وتضم كلاً من نبيل عمرو، وقدورة فارس، وحاتم عبدالقادر، وحسام خضر، وقيادات الحركة الأوائل التي أقصيت في عهد الرئيس أبومازن".
وأضاف المصدر ذاته أن "هذه القائمة تسعى لتشكيل جبهة مانعة لقطع الطريق أمام تغول الرئيس محمود عباس على الهيئات السياسية التي فقدت تأثيرها وأهميتها في تنظيم الحياة السياسية، كالمجلس التشريعي والمجلسين الوطني والمركزي، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، مقابل سيطرة السلطة التنفيذية على كل مفاصل المؤسسات الفلسطينية".
وأشار المتحدث إلى أن "هذه القائمة تأتي كمقدمة لانضمام مروان البرغوثي لها ليكون مرشحها في خوض سباق الانتخابات الرئاسية، في حال لم يستجب الرئيس عباس للشروط التي حددها مروان في اجتماعه الأخير مع حسين الشيخ، والمتمثلة بوضعه على رأس قائمة الحركة في الانتخابات التشريعية، واختيار "كوتة" من 20 مرشحاً يختارها البرغوثي ضمن هذه القائمة من القيادات المقربة منه، ومنحه حق النقض (الفيتو) لقبول أو رفض المرشحين الذين ستختارهم اللجنة المركزية، كمُمثلي الحركة في الانتخابات التشريعية".
فتح تؤكد الخلافات
رغم أن بيان اللجنة المركزية لم يتطرق لمسألة الخلاف الفتحاوي الداخلي، مؤكداً رضاه الكامل عن اجتماع الفصائل الفلسطينية في القاهرة، ومحاولة النأي بالشائعات التي أثيرت خلال اجتماع حسين الشيخ بالبرغوثي في سجن "هداريم" الإسرائيلي، عبر التأكيد أن البرغوثي ملتزم بقرار الحركة، فإن حديث جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية للحركة، أمس الأحد 14 فبراير/شباط 2021 على تلفزيون فلسطين الرسمي، أشار بوضوح إلى وجود تحفظات من قبل أعضاء اللجنة المركزية على مسار المصالحة والانتخابات.
حديث الرجوب أكده عبدالله عبدالله نائب مفوض العلاقات الدولية في حركة فتح لـ"عربي بوست"، الذي أشار إلى أن "بعض أعضاء اللجنة المركزية تناولوا مسألة عودة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة، قبل إجراء الانتخابات، ولكن هذا المبدأ رأته اللجنة في خلاصة اجتماعها أنه سيُقوض من المساعي التي بذلتها الأطراف العربية والدولية للمصالحة الفلسطينية، لذلك جاءت رؤية الحركة في الاستمرار بنهج الشراكة مع باقي الأطراف، بما فيها حركة حماس، وخوض مسار الانتخابات كمخرج للحالة الراهنة".
وأضاف المتحدث في تصريحه أن "مسألة الخلافات الفتحاوية الداخلية ليست جديدة على الحركة، وتدل على الوزن الكبير الذي تمثله الحركة في الشارع، والأهمية التي تمثلها في النظام السياسي الفلسطيني".
عقوبات وتهديدات
أكد عبدالله عبدالله نائب مفوض العلاقات الدولية في حركة فتح في تصريح لـ"عربي بوست" أن هناك "إجماعاً فتحاوياً بالالتزام بكل ما يصدر عن قرارات اللجنة المركزية، وأي خروج عنها يمثل تخلياً عن الحركة، وفتح لديها مؤسسات استشارية ونظام قضائي ومحاكم داخلية لإصدار القرار المناسب بحق من يقرر الخروج عن قرار الحركة، لأنه سيتسبب في تشتيت أصوات الحركة وتفكيكها بما لا يخدم المصلحة التنظيمية".
وتابع المتحدث أنه "ليس لدى حركة فتح اعتراضات في مسألة ترشح أحد القيادات ممن أقيل في السابق، أو قرر التنحي عن الالتزام التنظيمي، ولكن قراره في خوض الانتخابات بقائمة مستقلة لن يلقى تأييداً من قبل الحركة، ولا يحق له استخدام اسم التنظيم أو الحركة كدعاية انتخابية، وهذه المسألة سيتم البت فيها بالتشاور مع باقي الفصائل في الاجتماعات القادمة سواء في القاهرة أو غزة".
انقسامات فتح
بات الانقسام الفتحاوي عنواناً لمرحلة الانتخابات، فالحركة الأم انقسمت إلى ثلاثة تيارات، الأول يقوده الرئيس محمود عباس، والتيار الثاني يقوده ناصر القدوة ونبيل عمرو وتيار الحرس القديم الذي كان تابعاً للرئيس الراحل ياسر عرفات، والتيار الإصلاحي الذي يقوده محمد دحلان، ولا يزال مروان البرغوثي الكفة التي سترجح أياً من هذه التيارات في حال انضمامه لأحد التيارات المتنافسة.
وفي السياق ذاته، يسعى محمد دحلان إلى الدخول في هذا السباق الانتخابي كفرصة أخيرة يراها مواتية لتقييم وزنه في المعادلة السياسية في فلسطين، أو قد يستغلها للضغط على الرئيس لإعادته لحضن الحركة الأم التي فصل عنها في العام 2011.
جهاد طملية، النائب في المجلس التشريعي وأحد قيادات التيار الإصلاحي في الضفة الغربية، قال لـ"عربي بوست" إن "اجتماع اللجنة المركزية زاد من تعقيد المشهد الفتحاوي الداخلي أكثر مما هو عليه الآن، فالاجتماع لم يتطرق إلى مسألة الخلافات مع التيار المناوئ للرئيس عباس، والذي لم يعد مقتصراً مع التيار الإصلاحي، بل بات ضمن تيار تقوده القيادات التي تعرضت لتهميش وإقصاء في عهد الرئيس أبومازن، وتيار رابع قد يقوده البرغوثي بشكل مستقل".
وأضاف المتحدث: "نحن نرى أن البيت الفتحاوي لا يزال يحتاج إلى ترميم قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع، ولكن في حال أصر الرئيس على موقفه برفض المصالحة الفتحاوية، فإن التيار الإصلاحي قد ينضم للتحالف مع التيارات المعارضة للرئيس، بمن فيهم تيار ناصر القدوة ومروان البرغوثي، وهذا الأمر لا يزال في إطار المناقشة الداخلية لحين البت فيه بشكل نهائي".
سيناريو تأجيل الانتخابات
كانت ترتيبات الرئيس عباس في مسألة الدعوة للانتخابات محصورة في انتقال سلس لرئاسة السلطة لأحد قيادات اللجنة المركزية، وأبرز الأسماء المطروحة بقوة لخلافته في هذا الموقع جبريل الرجوب، وذلك بعد أن تلقى وعوداً من حماس بعدم المنافسة في هذه الانتخابات، إضافة إلى ضمان تفوق وأغلبية فتحاوية في المجلس التشريعي الذي يمنح حركة فتح تفوقاً تلقائياً في تمثيل مؤسسات منظمة التحرير، ولكن ظهور الخلافات بهذا الشكل بات يضع الرئيس في خيارات صعبة من بينها تأجيل الانتخابات لحين ترتيب البيت الفتحاوي.
خالد صادق، رئيس تحرير صحيفة "الاستقلال"، قال لـ"عربي بوست" إن "المتتبع لمسألة الخلافات الفتحاوية الداخلية، يجد الخيارات المطروحة أمام الرئيس ضيقة ومكلفة، فالانصياع لشروط المعارضين كالبرغوثي والقدوة ودحلان يعني تغييراً كاملاً في الخطط والسيناريوهات التي تم تجهيزها لمرحلة ما بعد الرئيس أبومازن، والتي لا تقتصر على تنازل الرئيس عن مقعد الرئاسة فقط، بل تضمن بقاء فتح كسلطة مركزية مؤثرة في المجلس التشريعي ومنظمة التحرير".
وأضاف المتحدث أن "الرئيس الآن يُحاول كسب معركة الوقت، فهو معروف بنفسه الطويل في المعارك أمام خصومه، لذلك نجد الموقف الفتحاوي الرسمي متأنياً وهادئاً، في محاولة إظهار قوة ومركزية الرئيس بكونه الرجل الأول في الحركة، وهذا ما سيضع الناخب الفلسطيني في تردد لانتخاب القوائم الموازية له سواء من دحلان أو القدوة أو البرغوثي".
واستدرك المتحدث أنه "من بين السيناريوهات المطروحة بقوة في هذه المسألة هو إصدار الرئيس قراراً بتأجيل الانتخابات أو تعطيلها مؤقتاً لحين ترتيب الخلافات الداخلية، أو إجراء المؤتمر الثامن للحركة لإظهار مركزية الحركة ووحدتها ثم الذهاب نحو الانتخابات، منعاً لأي مفاجآت غير محسوبة في الانتخابات القادمة قد تؤدي لخسارة فتح هذه الانتخابات".