يسود انقسام بين الجمهوريين، حيال مستقبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الحزب، وذلك بعدما تعرض إلى محاكمتين بمجلس الشيوخ، في سابقة بتاريخ الولايات المتحدة، حيث تختلف الآراء حول ما إذا كان ترامب لا يزال ورقة انتخابيّة رابحة لا يمكن للجمهوريّين التخلّي عنها، أم أنه بات عبئاً يجب التخلّص منه.
عزز هذا الانقسام تحريض ترامب لأنصاره على اقتحام مبنى الكونغرس (الكابيتول)، في يناير/كانون الثاني 2021، في محاولة لعرقلة التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية التي خسر فيها، وأدى ذلك لاندلاع أعمال عنف بالكونغرس، بسببها تعرض ترامب للمحاكمة.
فعلى الرغم من تبرئة ترامب في مجلس الشيوخ، فإن الديمقراطيين يعتبرون أنّهم حقّقوا انتصاراً أخلاقياً وسياسياً، يتيح للرئيس الجديد جو بايدن التفرّغ للملفّات الكبرى، وأبرزها خطة الإنقاذ الاقتصادي.
أمّا الحزب الجمهوري فهو منقسم لا سيما مع توجّه الأنظار إلى انتخابات التجديد النصفي للكونغرس عام 2022، التي يأمل الجمهوريّون أن يستعيدوا خلالها الغالبيّة في مجلسَي الشيوخ والنواب، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
السيناتور ليندسي غراهام، أحد أشدّ الموالين للرئيس السابق، قال لتلفزيون Fox News، الإثنين 15 فبراير/شباط 2021: "هدفي هو الفوز عام 2022 لوضع حدّ للبرنامج الأكثر تطرّفاً"، الذي يرى أنه سينتج عن رئاسة بايدن، مشدّداً على أنّه "لا يمكننا فعل ذلك بدون دونالد ترامب".
كذلك أكّد غراهام "استعداده لبدء حملة" و"إعادة بناء الحزب الجمهوري"، قائلاً "أنا مستعدّ للعمل معه". وكشف أنّه تحدّث إلى ترامب مساء السبت الفائت، وأنّه ينوي زيارته في فلوريدا الأسبوع المقبل، معتبراً أن "ترامب هو العضو الأكثر نشاطاً في الحزب الجمهوري"، وأنّ "تيّاره في أفضل أحواله".
جمهوريون انتقدوا ترامب
كانت محاكمة ترامب الثانية قد أظهرت انقساماً بين الجمهوريين، ومن بين الذين صوّتوا لتبرئة ترامب، زعيم الجمهوريّين السيناتور ميتش ماكونيل الذي اعتبر أنّ مجلس الشيوخ غير مؤهّل لمحاكمة الرئيس السابق، لكنّه وجه انتقادات لاذعة لترامب.
ماكونيل قال في خطاب مطوّل: "لا يوجد أيّ شكّ في أنّ الرئيس ترامب مسؤول من الناحيتَين العمليّة والأخلاقية عن إثارة أحداث ذلك اليوم"، لكنّ غراهام اعتبر أنّ ذلك الخطاب "لا يُعبّر عن مزاج الجمهوريّين".
غير أنّ زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ليس الداعم الوحيد الذي قطع ارتباطه بترامب، فالمندوبة السابقة في الأمم المتحدة والمرشّحة المحتملة لانتخابات الرئاسة عام 2024 نيكي هايلي، اعتبرت أيضاً في حوار مع مجلّة بوليتيكو، أنّ الملياردير لا يمكنه بعد الآن الترشّح لمنصب فدرالي.
وفي تصريح لشبكة "ABC"، اعتبر السيناتور بيل كاسيدي، أحد الجمهوريين السبعة الذين صوتّوا لإدانة ترامب، أنّ الرئيس السابق حُرم من الأضواء التي صارت موجهة نحو بايدن ومِن حسابه على تويتر الذي لطالما كان منصته الإعلامية الأولى، ما يعني أن "قوّته ستتضاءل".
بدوره، توقّع حاكم ميريلاند الجمهوري المعتدل لاري هوغان، أمس الأحد، أن "نشهد معركة حقيقية حول روحية الحزب الجمهوري في العامين المقبلين"، واعتبر أنّ "كثيراً من الجمهوريّين غاضبون، لكنّهم يفتقرون إلى الشجاعة لقول ذلك، لأنهم خائفون" من خسارة مناصبهم في الانتخابات المقبلة.
من جانبها، أكّدت الصحفية في شبكة "CBS"، مارغريت برينان، أنّ نحو عشرين عضواً جمهورياً في مجلس الشيوخ صوّتوا لصالح تبرئة ترامب، رفضوا المشاركة في حلقة حوار تلفزيوني حول المحاكمة.
ماذا بعد؟
لا يزال ترامب يحظى بشعبية واسعة في صفوف قاعدته الانتخابية، ويلوّح تياره بترشيح شخصيات موالية له لمواجهة أعضاء جمهوريين في الكونغرس انتقدوه أو أدانوه.
في هذا الإطار، تحدّث ماكونيل عن مرشّحين حزبيين قد يكون بعضهم ممّن يفضّلهم الرئيس السابق والبعض الآخر قد لا يكون كذلك، معتبراً أن "المهم أن يكونوا قادرين على الفوز" في الانتخابات.
يُقيم ترامب حالياً في داره الفخمة في فلوريدا، وظلّ قطب العقارات بعيداً عن الأضواء خلال محاكمته التاريخيّة في مجلس الشيوخ، لكنّه تابع النقاشات، وسرعان ما تفاعل معها عبر بيان نشره مع تبرئته مساء السبت الفائت.
ترامب قال في البيان إن "حركتنا الرائعة والتاريخية والوطنية (أعيدوا لأمريكا عظَمتها) لا تزال في بدايتها"، وهو لم يستبعد الترشّح للرئاسة عام 2024.
من جهتهم، يسعى الديمقراطيون إلى تعميق الانقسام بين الجمهوريين، وقال بايدن إنّه رغم تبرئة ترامب، فإنه لم يتمّ "الطعن" في التهم الموجّهة إليه.
يُذكر أن غالبيّة أعضاء مجلس الشيوخ (57 من بين 100) صوتوا لصالح إدانة ترامب، وبينهم سبعة جمهوريين، لكنّ إصدار حكم إدانة ومن ثمّ حكم بعدم الأهليّة، كان يتطلّب غالبيّة الثلثين (67 صوتاً).