ارتباك النخب السياسية العراقية ومخاوف من احتمالية تأجيل الانتخابات للمرة الثالثة

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/13 الساعة 12:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/13 الساعة 12:23 بتوقيت غرينتش

بعد أن تولّى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي منصبه، في شهر مايو/أيار 2020، بأسابيع قليلة، أعلن أنه سيتم إجراء الانتخابات البرلمانية في موعد مبكر، بحلول شهر يونيو/حزيران 2021، هذا الأمر الذي كان على رأس مطالب المحتجين في انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 2019.

ورغم تصويت البرلمان العراقي في نهاية عام 2020 على قانون الانتخابات الجديد، فإن المفوضية العليا للانتخابات أعلنت في الأيام الماضية، أنها لن تكون قادرة على إجراء الانتخابات، في يونيو/حزيران المقبل، وتم تأجيل موعد الانتخابات إلى 16 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

ما الذي حدث؟

بعد أن صوَّت البرلمان العراقي على قانون الانتخابات الجديد، في أواخر عام 2020، والذي يقسم العراق إلى دوائر انتخابية عديدة، بجانب التصويت الفردي بدلاً من التصويت على القائمة، كان يجب على البرلمان أن يستكمل القانون المتعلق بالمحكمة الفيدرالية المختصة بالموافقة على نتائج الانتخابات، والتصويت على حل البرلمان كخطوة دستورية لازمة لإجراء الانتخابات في موعد مبكر، بجانب التصويت على ميزانية العملية الانتخابية.

لكن البرلمان بعد التصويت على قانون الانتخابات لم يتخذ أي خطوة جادة لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر في 6 يونيو/حزيران 2021، وبعد العديد من الاجتماعات بين قادة الرئاسات الثلاث (رئيس البرلمان، رئيس الوزراء، رئيس الجمهورية)، وعدد من القادة السياسيين العراقيين، تقرر تأجيل الانتخابات إلى 16 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

قوبل قرار تأجيل الانتخابات بردود فعل متباينة بين الفصائل السياسية المختلفة، يقول مصدر مطلع على هذه الاجتماعات لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته "هناك العديد من الكتل النيابية والأحزاب السياسية التي رفضت موعد يونيو/حزيران لإجراء الانتخابات، ودفعت بتأجيلها، وعلى رأسها ائتلاف دولة القانون".

أعلن نوري المالكي رئيس ائتلاف دولة القانون بالبرلمان الحالي، أن إجراء الانتخابات، في شهر يونيو/حزيران المقبل، أمر مستحيل، والأفضل تأجيلها.

سياسي شيعي عراقي، مقرب من نوري المالكي، يُفسّر لـ"عربي بوست" سبب رفض المالكي إجراء الانتخابات في شهر يونيو/حزيران، فيقول "ليس المالكي فقط مَن يخشى إجراء الانتخابات في موعدها المبكر، هناك العديد من الأحزاب الشيعية رفضت هذا الأمر، قانون الانتخابات الجديد أربك غالبية الأحزاب التي تعاني من التشتت بعد تظاهرات تشرين".

المخاوف الشيعية

بعد الإعلان عن تأجيل الانتخابات البرلمانية إلى شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021، رَفَض التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر الأمر، بل هدّد الأخير بأنه لن يسمح بتأجيل الانتخابات مرة ثانية.

في المقابل، وبحسب مصادر مطلعة تحدثت إلى "عربي بوست"، كان هناك إجماع من الأحزاب السياسية الشيعية وبعض الأحزاب السنية على تأجيل الانتخابات، يقول مصدر مقرب من تحالف فتح الذراع السياسي للفصائل المسلحة الشيعية الموالية لإيران في البرلمان العراقي، لـ"عربي بوست"، "هناك مخاوف كبيرة من قبل الأحزاب السياسية من عدم الفوز في الانتخابات المقبلة، فبعد تراجع شعبية هذه الأحزاب بسبب تظاهرات تشرين، وتعديل قانون الانتخابات، تخشى هذه الأحزاب من فقدان قاعدتها الانتخابية في الكثير من المناطق، لذلك فقد ضغطت على الحكومة والبرلمان لتأجيل الانتخابات".

ويضيف المصدر قائلاً "أما بالنسبة للتيار الصدري فمن مصلحته إجراء الانتخابات في أسرع وقت، لأنه يسيطر على الكثير من الأتباع في مختلف الأنحاء، والصدر يضمن الفوز بهذه الانتخابات".

وبحسب المصادر السياسية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن الأحزاب السياسية الشيعية تخشى من صعود الأحزاب الليبرالية والعلمانية في الانتخابات البرلمانية القادمة، خاصة بعد انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 2019، لذلك تريد المزيد من الوقت لمحاولة تجاوز هذه الأزمة، وضمان الفوز في الانتخابات.

المخاوف السُّنية

في المقابل، تشترك بعض القوى السياسية السُّنية في مخاوف مشابهة للقوى السياسية الشيعية، فحتى يومنا هذا لم تنسحب قوات الحشد الشعبي، وخاصة المدعومة من إيران، من المناطق السنية المحرَّرة؛ ما جعل القوى السنية تخشى من سيطرة هذه الفصائل على الانتخابات المقبلة.

يقول نائب برلماني عن القوي السنية في البرلمان الحالي، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: "نرى أنه من الأفضل تأجيل الانتخابات، ولا بد من انسحاب الحشد الشعبي من المحافظات السنية المحررة قبل إجراء الانتخابات، وألا لن نقبل بإجرائها".

ترفض الفصائل المسلحة الشيعية الموالية لإيران الانسحاب من المحافظات السنية المحررة من تنظيم الدولة الإسلامية، وقد طالبت القوى السياسية السنية الحكومة أكثر من مرة بإجبار الحشد الشعبي للخروج من هذه المناطق، لضمان عدم التأثير على الانتخابات البرلمانية القادمة.

مصدر أمني عراقي، تحدَّث لـ"عربي بوست"، يعلق على هذا الأمر قائلاً: "من المستحيل إجبار وحدات الحشد الشعبي على ترك المحافظات المحررة قبل الانتخابات، وإذا انتظرنا خروجهم فلن يتم إجراء أي انتخابات في المستقبل، هذا المطلب مستحيل، على الأقل الآن".

بلاسخارت تناقش الانتخابات العراقية في إيران

في الأيام القليلة الماضية، قامت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت، بزيارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، جاءت هذه الزيارة بعنوان بحث الانتخابات البرلمانية العراقية مع الجارة الإيرانية.

لكن لم تكن الانتخابات البرلمانية العراقية هي محل النقاش فقط في زيارة بلاسخارت إلى طهران. مصدرٌ من الجانب الإيراني، مطلع على لقاء بلاسخارت بالسيد علي أكبر ولايتي، المستشار السياسي للمرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، يقول لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: "كان من المفترض أن تقابل السيدة بلاسخارت السيد علي خامنئي، لكن اللقاء تأجل في الساعات الأخيرة لأسباب غير معلنة، لكن في لقائها بالسيد علي أكبر ولايتي، طرحت بلاسخارت العديد من القضايا التي تهم العراق".

وبحسب المصدر السياسي الإيراني، فإن بلاسخارت ناقشت مع السيد أكبر ولايتي ضرورة أن تعمل إيران على كبح جماح الجماعات السياسية المسلحة الموالية لها، لإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المقرر، يقول المصدر: "أعربت السيدة بلاسخارت عن قلقها من وجود الحشد الشعبي في المحافظات السنية، وتأثير الأمر على نتائج الانتخابات، كما أنها طلبت من إيران التشاور مع الأحزاب السياسية الشيعية، وعدم استحواذها على الانتخابات القادمة، وفسح المجال أمام الأحزاب السياسية الشابة".

وبحسب المصادر المطلعة على لقاء السيدة بلاسخارت بالسيد علي أكبر ولايتي، ناقشت مبعوثة الأمم المتحدة في العراق، مع الجانب الإيراني، ضرورة دعم الحكومة العراقية الحالية، وحث الفصائل المسلحة الشيعية الموالية لإيران بعدم تهديد رئيس الوزراء العراقي الحالي مصطفى الكاظمي.

قوبلت زيارة بلاسخارت إلى إيران بردود فعل غاضبة داخل العراق، يقول الباحث في الشأن السياسي، محمد برهان لـ"عربي بوست": "لا يسمح لأحد بمناقشة شأن عراقي داخلي في بلد مجاور، السيدة بلاسخارت تجاوزت كل الأعراف الدبلوماسية بزيارتها لطهران، هذا انتهاك للسيادة العراقية من قِبل موظفة أممية".

لكن هناك من رأى أن الأمر أبسط من الانتقاد، وأن السيدة بلاسخارت معروفة بقربها من البيت الشيعي العراقي، وسبق أن التقت شخصيات شيعية سياسية وشبه عسكرية عراقية لحلّ بعض المسائل، يقول سياسي شيعي عراقي لـ"عربي بوست"، "زيارة بلاسخارت إلى طهران محاولة لحل مشكلة تأجيل الانتخابات، لقد سبق أن تدخلت في الكثير من القضايا، الأمر بعيد عن الانتهاك للسيادة العراقية".

زيارة وزير الخارجية العراقي إلى إيران

في أعقاب زيارة مبعوثة الأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت إلى طهران، سافر وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى الجمهورية الإسلامية، في زيارة لم تكن ضمن جدول أعمال الوزير.

وعقب وصول السيد فؤاد حسين إلى طهران التقى بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف، لمناقشة العديد من القضايا، كما اجتمع مع وزير الخارجية العراقي، السكرتير العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني.

مصدر مطلع على هذه اللقاءات من الجانب العراقي، تحدّث لـ"عربي بوست"، يقول "كانت زيارة السيد فؤاد إلى طهران تأكيداً للرسائل التي حملتها السيدة بلاسخارت، فقد ناقش وزير الخارجية العراقي مع الجانب الإيراني الحاجة إلى كبح جماح الجماعات السياسية والمسلحة الموالية لإيران، لإجراء الانتخابات العراقية في الموعد المقرر، كما أكد الجانب الإيراني على أهمية إجراء هذه الانتخابات، وعدم تدخل أي قوى أجنبية بها".

وبحسب المصدر ذاته، فإن وزير الخارجية العراقي حمل رسالةً من الحكومة العراقية، بإمكانية التوسط بين طهران وواشنطن بشأن العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، لكن وبحسب المصدر، لم يعطِ الجانب الإيراني أي ردٍّ على اقتراح التوسط.

تأجيل الانتخابات العراقية مرة ثالثة

وبالعودة إلى أمر الانتخابات البرلمانية العراقية، تحدثت مصادر حكومية وبرلمانية لـ"عربي بوست"، عن أنباء عن إمكانية تأجيل الانتخابات البرلمانية لمرة ثالثة.

يقول مصدر برلماني عراقي لـ"عربي بوست": "هناك بعض الأحزاب التي تضغط على الحكومة لتأجيل الانتخابات إلى أوائل عام 2022، لكي تتمكن من ترتيب أوراقها لضمان الفوز في الانتخابات".

تحميل المزيد