أظهرت دراسة حديثة انقلاباً في نمط التصويت لدى مجتمع المهاجرين الضخم في ألمانيا، إذ تراجع التأييد الكبير بين أوساط الألمان من أصول أجنبية للأحزاب اليسارية، المتعارف عليه منذ زمن، نحو دعم أكبر للأحزاب اليمينية، وهذا قد يكون في صالح حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
بحث أجرته مؤسسة Konrad Adenauer، المرتبطة بـ"الحزب المسيحي الديمقراطي" الخاص بميركل، قد خلص إلى أنَّ غالبية الألمان من ذوي الأصول الأجنبية يفضلون المحافظين وأحزاب أقصى اليمين المؤيدة للأسواق الحرة، في تحول ملحوظ لتوجهات المهاجرين.
بحسب صحيفة The Times البريطانية، الخميس 11 فبراير/شباط 2021، فإن هذه الدراسة تعني أن التيار المحافظ الذي تنتمي إليه المستشارة أنجيلا ميركل سيحظى بدفعة غير متوقعة من مجموعة كبيرة من الناخبين، في الانتخابات العامة المقررة في سبتمبر/أيلول، وهو ما قد ينشأ عنه كذلك تبعات سياسية مهمة على البلد الذي يضم نسبة سكان من أصول أجنبية أعلى من أية دولة أوروبية أخرى؛ ففي عام 2019 بلغ عدد المهاجرين إلى ألمانيا 13 مليون شخص، مقارنة بـ9.5 مليون في بريطانيا.
توسع في قاعدة اليمين لدى المهاجرين
أظهرت الدراسة المسحية أنَّ دعم المهاجرين الأتراك للحزب الاشتراكي الديمقراطي تراجع من 50% في عام 2015 إلى 13% في عام 2019. وفي نفس الفترة، شهد حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ وحزبه الشقيق في بافاريا، الاتحاد الاجتماعي المسيحي، قفزة في الدعم التركي من 17% إلى 53%.
يشير البحث إلى أنَّ المهاجرين أصبحوا أكثر مرونة في أنماط تصويتهم، وأنهم مستعدون للتحول إلى يمين الوسط عندما يصبحون أكثر اندماجاً اقتصادياً وثقافياً. وقالت فيولا نيو، مُعِدة الدراسة: "إننا نشهد عملية تطبيع".
بيد أنَّ عملية الاندماج لا تزال تواجه عقبات، مثل الفشل في الاعتراف بالمؤهلات الأجنبية، ومعاناة المهاجرين في الحصول على مقابلات عمل، والأدلة الشفهية على العداء المُمَارس ضد غير البيض، وليس فقط في شرق ألمانيا المعروف بانتشار رهاب الأجانب.
لكن الدراسة تشير إلى ارتفاع الثقة بين المهاجرين الذين لم يعودوا يصوتون وفق الجماعة، بل بحسب قيمهم وتفضيلاتهم الشخصية.
وقال جيرو نيوجيباور، عالم سياسة في برلين: "يمكننا النظر إلى ذلك بإيجابية باعتبارها علامة على تقدم في الاندماج، لكنها مؤشر أيضاً على أنَّ الحزب الاشتراكي الديمقراطي بسياساته لم يعُد يجتذب الأشخاص من أصل تركي". ووفقاً لاستطلاع رأي أُجرِي الأربعاء، 10 فبراير/شباط، حصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك الأصغر في الائتلاف الحكومي، على 15% من الدعم على المستوى الوطني، متلخفاً كثيراً عن المحافظين، الذي يحظى بنسبة دعم 37%.
وتنحدر معظم مجتمعات المهاجرين في ألمانيا من تركيا ودول البلقان والاتحاد السوفييتي السابق وشمال إفريقيا، وهي مجتمعات محافظة نسبياً.
ووجد حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف حظوة بين الألمان من دول الاتحاد السوفييتي السابق. وارتفعت نسب دعمه من 3% إلى 16% خلال الفترة من 2015 إلى 2019. وسجل حزب البديل من أجل ألمانيا دعماً بنسبة 29%، بزيادة 2%، بين الأشخاص ذوي الأصول الروسية في تلك المجموعة.
اختيار خليفة ميركل
في 16 يناير/كانون الثاني 2021، اختار حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني الاستمرار على نهج المستشارة أنجيلا ميركل، بعد فوز آرمين لاشيت المرشح المؤيد لسياساتها، في انتخابات لاختيار بديل للمستشارة.
وفي انتخابات وُصفت بالحاسمة لمستقبل ألمانيا، شارك مندوبو الحزب البالغ عددهم 1001 شخص، في اختيار خليفة لميركل، بين المعتدل أرمين لاشيت، وفريدريخ ميرتس الذي يؤيد قطيعة مع عهد ميركل الوسطي، أو نوربرت روتغن المستجد على الساحة.
أرمين لاشيت (59 عاماً)، رئيس حكومة ولاية شمال الراين- ويستفاليا الألمانية، يوصف بأنه معتدل، أشاد بعد فوزه بالإنجازات التي حققتها المستشارة الألمانية طوال السنوات الماضية.
في عام 2012 أصبح لاشيت رئيساً لحزب الولاية، وانتخب منذ 27 يونيو/حزيران 2017، رئيساً لولاية شمال الراين- ويستفاليا، أكبر ولاية في ألمانيا من حيث عدد السكان. كما أنه يعمل كواحد من خمسة نواب لرئيس الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني (CDU)، وكزعيم للحزب في ولايته. انتُخب في 16 يناير/كانون الثاني 2021 رئيساً لحزبه بعد منافسة مع فريدرش ميرتس.
ويعتبر لاشيت مدافعاً شرساً عن سياسات الهجرة الليبرالية للمستشارة ميركل خلال أزمة المهاجرين الأوروبية عام 2015.
وفي عام 2016 رفض لاشيت مقترحات ما يسمى بحظر النقاب، ووصفها بأنها "نقاش زائف"، وتشتيت للانتباه عن القضايا الأكثر إلحاحاً، ومع ذلك تبنى حزبه فيما بعد هذه السياسة باعتبارها "قضية أساسية".
وعرف لاشيت بآرائه الليبرالية وعلاقاته الطيبة مع الجاليات الأجنبية والمهاجرين، ما أكسبه لقب "أرمين التركي" في الصحافة الألمانية ولدى السياسيين، في إشارة إلى الجالية التركية، أكبر جالية مهاجرة في ألمانيا.