تتطور الأوضاع الداخلية والخارجية في ميانمار يوماً بعد الآخر، حيث تتصاعد الاحتجاجات الرافضة للانقلاب العسكري الذي وقع مؤخراً، وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن حالة طوارئ، في ضوء ما وصفه بالتهديد الاستثنائي هناك، فيما قدمت بريطانيا والاتحاد الأوروبي مشروع قرار يندد "بقوة" بالانقلاب، وسط محاولات من قادة الجيش لاحتواء الغضب ومطالبة المحتجين بإنهاء التظاهرات الغاضبة.
بايدن يجمد أصول ميانمار ويحظر التعامل مع الانقلابيين
أصدر الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أمراً تنفيذياً يُعلن حالة طوارئ، في ضوء ما وصفه بالتهديد الاستثنائي الذي يشكله الوضع بميانمار على الأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، حيث يقضي القرار بتجميد أصول ميانمار في أمريكا، ويحظر التعامل مع السلطات الانقلابية، مطالباً بالإفراج الفوري عن زعيمة البلاد.
بايدن جدّد، في الأمر المنشور من قِبل البيت الأبيض، الخميس 11 فبراير/شباط 2021، إدانته لانقلاب ميانمار. وطال قراره أي شخص يثبت تورطه في ممارسة أنشطة بالقطاع الدفاعي أو أي قطاع آخر من اقتصاد ميانمار ستحدده وزارتا الخارجية والخزانة، فضلاً عن القيادات والمسؤولين بأجهزة الأمن وحكومة ميانمار بعد الثاني من فبراير/شباط الجاري، وأي مؤسسات مرتبطة بهم، إضافة إلى ذويهم.
كما شمل القرار أي أعمال أو سياسات تقوّض العملية أو المؤسسات الديمقراطية في ميانمار أو تُهدد سلام وأمن واستقرار البلاد أو تحدُّ من حرية التعبير والتجمع وتمنع وصول مواطني هذا البلد إلى وسائل الإعلام.
كان بايدن قد أكد، الأربعاء 10 فبراير/شباط الجاري، أن واشنطن ستُحدد المجموعة الأولى من الأهداف هذا الأسبوع، وستفرض ضوابط مشددة على التصدير، كما ستكون مستعدة لاتخاذ إجراءات إضافية.
مشروع قرار أوروبي يندد بالانقلاب
أيضاً قدمت بريطانيا والاتحاد الأوروبي مسودة قرار يندد "بقوة" بالانقلاب، ويدعو إلى الإفراج عن زعيمة البلاد، إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الخميس 11 فبراير/شباط 2021، وذلك قبل يوم من جلسة خاصة للمجلس لبحث الأزمة الناجمة عن الانقلاب.
إذ قالت البعثة البريطانية بالأمم المتحدة في جنيف، إن 22 من أعضاء المجلس الذي يضم 47 بلداً، أيدوا مسودة القرار حتى الآن.
فيما قال دبلوماسيون، إن الصين وروسيا، اللتين ترتبطان بعلاقات وثيقة بجيش ميانمار، ضغطتا من أجل تخفيف لهجة المسودة، لافتِين إلى أن رعاة القرار يأملون تبنّي النص بالإجماع، لتوجيه رسالة قوية، لكنهم أشاروا إلى احتمال اللجوء إلى التصويت.
إلا أن دبلوماسياً غربياً قال لوكالة رويترز، إنهم يثقون بأن القرار يحظى بالدعم المطلوب لإقراره.
يُذكر أن مشروع القرار الأوروبي يطالب أيضاً بالسماح بدخول مراقبي حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة.
احتجاجات متصاعدة
ولليوم السادس على التوالي، تجمَّع المحتجون، الذين ينضم إليهم فئات متنوعة، في أنحاء ميانمار، الخميس 11 فبراير/شباط 2021.
حيث اصطف مئات العمال على أحد الطرق في العاصمة نايبيداو؛ دعماً لحركة العصيان المدني، وهتفوا بشعارات مناهضة للمجلس العسكري، ورفعوا لافتات مؤيدة لسو تشي.
فيما تظاهر ألوف في مدينة يانغون الرئيسية، واتبع بعضهم نهجاً ساخراً كارتداء الرجال تنورات قصيرة.
أيضاً تجمَّع مئات المحتجين أمام السفارة الصينية في يانغون، متهمين بكين بدعم المجلس العسكري، وهو الأمر الذي تنفيه. ورفعوا صوراً لسو تشي؛ للمطالبة بإطلاق سراحها.
أما في مدينة يانغون (الرئيسية) في ميانمار، فتجمَّع، الخميس، مئات المواطنين قرب مدخل مبنى البنك المركزي، بهدف دعوة الموظفين المتبقين للانضمام إلى حركة العصيان المدني.
كما تظاهر آلاف الميانماريين، الخميس، في العاصمة اليابانية طوكيو، احتجاجاً على الانقلاب، مشدّدين على ضرورة استعادة الديمقراطية مرة أخرى.
فقد ارتدى العديد من المتظاهرين- الذين تجمعوا أمام "جامعة الأمم المتحدة" وسط طوكيو – اللون الأحمر تضامناً مع زعيمة حزب "الرابطة الوطنية للديمقراطية" التي جرى اعتقالها.
حمل محتجون صوراً لـ"سو تشي"، فيما رفع آخرون هواتفهم المحمولة وكتبوا عليها عبارات تضامن مع بلادهم، ومنها "أنقِذوا ميانمار".
يُذكر أنه يعيش نحو 33 ألف ميانماري في اليابان، كثير منهم عمال، وفقاً لبيانات الحكومة اليابانية.
اعتقالات متواصلة
في المقابل، يواصل جيش ميانمار اعتقال كبار المسؤولين، وعشرات من رؤساء الهيئات الانتخابية، وسط استمرار التظاهرات في عدة مدن داخل البلاد.
كان من بين الذين اعتقلوا مساء الأربعاء، نائب رئيس مجلس النواب تون تون هاين، ورؤساء الوزراء في 5 ولايات، وضمن ذلك ولاية راخين (أراكان)، وفقاً لمسؤول بحزب "الرابطة الوطنية للديمقراطية".
رغم أن هؤلاء المسؤولين كانوا قيد الإقامة الجبرية منذ الانقلاب، فإن الشرطة قامت بالقبض عليهم جميعاً في ساعة متأخرة من ليلة الأربعاء الماضي.
كما أفادت تقارير إعلامية محلية بأن قوات الأمن اعتقلت عشرات من رؤساء الهيئات الانتخابية على مستوى البلدات في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
فيما صرَّح أحد المسؤولين لوكالة الأناضول بالقول إن هذه الاعتقالات والإجراءات العسكرية فشلت في ردع المحتجين عن الاستمرار في المسيرات والمظاهرات الكبيرة بعدة مدن في ميانمار.
كانت عناصر من الجيش والشرطة قد قامت، الثلاثاء 9 فبراير/شباط 2021، بمداهمة مقر الحزب الذي كان حاكماً في مدينة يانغون، وأخذوا مجموعة من الوثائق، وقاموا بتدمير كاميرات المراقبة ومحو التسجيلات.
حاكم ميانمار يدعو لإنهاء الاحتجاجات
إزاء تلك الاحتجاجات المتصاعدة وفي ظل دعوات العصيان المدني، دعا قائد المجلس العسكري الحاكم في ميانمار، الجنرال مين أونغ هلاينغ، الخميس 11 فبراير/شباط 2021، الموظفين المدنيين إلى العودة للعمل، وحث الناس على وقف الاحتجاجات وتفادي التجمعات الحاشدة؛ للحيلولة دون تفشي فيروس كورونا.
كما وجّه الجنرال الكبير هلاينغ كلمة للمحتجين، لأول مرة، مُحمِّلاً "أشخاصاً بلا ضمير" مسؤولية توقُّف العمل، في حركة عصيان مدني متزايدة من الأطباء والمعلمين والعاملين بالسكك الحديدية والعديد من الموظفين الحكوميين الآخرين، على حد قوله.
هلاينغ أضاف أن المطلوب من أولئك الذين انقطعوا عن أداء واجباتهم العودة على الفور، لمصلحة الوطن والشعب دون التركيز على الشق العاطفي، داعياً إلى تجنُّب التجمعات الحاشدة، التي قال إنها ستزيد تفشي فيروس كورونا.
جدير بالذكر أنه في 1 فبراير/شباط الجاري، نفذ قادة بالجيش في ميانمار انقلاباً عسكرياً، تلاه اعتقال قادة كبار في الدولة، بينهم الرئيس وين مينت، وسو تشي، وسط رفض وتنديد دولي ومحلي بما جرى.
يأتي استيلاء الجيش على السلطة وإعلانه حالة الطوارئ لمدة عام، بالتزامن مع أول جلسة مقررة لمجلس النواب المنبثق عن الانتخابات التشريعية الأخيرة، وهي الثانية منذ انتهاء الحكم العسكري عام 2011.