مع توافد قادة الفصائل الفلسطينية على القاهرة، لبحث تفاصيل الانتخابات الشاملة خلال الأشهر القادمة، يبرز الدور الروسي في فلسطين، كما أنها أحد أهم الأطراف الفاعلة في وصول مسار المصالحة الحالي للنقطة قبل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني.
وعلى مدار الأسابيع والأشهر الماضية احتضنت العاصمة الروسية موسكو لقاءات على أعلى المستويات لقادة الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها قيادات الصف الأول، وآخرها لقاء استمر لعدة أيام جمع الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة، ورئيس مكتب العلاقات الدولية في حركة حماس، موسى أبومرزوق، بنائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، سبقته زيارة قيادة التيار الإصلاحي في حركة فتح الذي يترأسه محمد دحلان.
وتعطي هذه الزيارات ذات المستوى الرسمي الدور الروسي زخماً سياسياً في القضية الفلسطينية، ويضع موسكو في مقدمة العواصم ذات التأثير المركزي في الملف الفلسطيني.
الدور الروسي في فلسطين
تعد روسيا إحدى الدول الأربع التي ترعى مسار المصالحة الفلسطينية، جانب مصر وقطر وتركيا، وفقاً لبيان أصدرته حماس وفتح، وقد أعربت عن استعدادها لتنظيم لقاء شامل للفصائل، بعد أن قدمت مصر اعتذاراً عن ذلك، قبل أن يجري الاتفاق على تنظيم اللقاء في بيروت.
واصل أبويوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، قال لـ"عربي بوست" إن "ما رشح حتى الآن من إنجازات على مستوى تنظيم اللقاء الحاسم في القاهرة، كانت روسيا أحد أهم الأطراف في التوصل إليه، فقد رسخت مبدأ الثقة بين الطرفين المركزيين في الساحة وهما حماس وفتح، بفضل علاقاتها الجيدة التي ترتبط بكل الأطراف الإقليمية كمصر وتركيا وقطر والدول الأوروبية".
وأضاف المتحدث أن "ما تقوم به روسيا جزء من سياسة البلاد الخارجية في المنطقة، فالدولة لا تنكر أن لها مصالح مشتركة تسمح لها بالتدخل في قضايا المنطقة، وهذه المصالح تلقى قبولاً لدى الطرف الفلسطيني، لأنها لا تنتقص من حقوقه، وأهم نقاط التقاء وجهات النظر تتمثل برفض الطرف الروسي، كما الفلسطيني، الاعتراف بصفقة القرن وإدانة الاستيطان".
وترى روسيا أن إسهامها في مسار المصالحة سيفتح الباب أمامها للعب دور أكبر في القضية الفلسطينية بعد تتويجها بالانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، سواء فيما يتعلق بمسار المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، أو حجز مكان لها في السياسة الخارجية الفلسطينية للحفاظ مصالحها السياسية والاقتصادية في المنطقة.
جذور العلاقات
تعود جذور العلاقات السياسية الفلسطينية الروسية إلى 1988 حينما تم الإعلان عن فتح سفارة فلسطين في موسكو، وتلاها في 1995 عمل الممثلية الروسية الاتحادية لدى السلطة الفلسطينية، وحاولت روسيا خلال هذا المسار الطويل من العلاقات أن تلعب دوراً في عملية السلام في الشرق الأوسط عبر تعيين مبعوث خاص لها، إضافة لدورها في اللجنة الرباعية الدولية التي تشكلت في 2002، قبل أن تفقد أهميتها نتيجة الهيمنة الأمريكية على عملية السلام.
ولاقى الاهتمام الروسي تجاوباً مع قيادة السلطة الفلسطينية، من خلال الزيارات المتكررة التي أجراها القادة الروس لرام الله، وأهمها الزيارات الثلاث للرئيس فلاديمير بوتين في أبريل/نيسان 2005 ويونيو/حزيران 2012، وديمتري ميدفيديف في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، فيما سعت السلطة لاستثمار الرغبة الروسية في المنطقة للحصول على تأييدها لحل الدولتين.
عبدالله عبدالله، نائب مفوض العلاقات الدولية في حركة فتح قال لـ"عربي بوست" إن "الدور الروسي الفاعل مؤخراً في القضية الفلسطينية، وتحديداً في مسار المصالحة الحالي، نابع من عدة اعتبارات أهمها غياب الولايات المتحدة الأمريكية عن المشهد، وفقدان الثقة بها من قبل السلطة الفلسطينية، مما ترك مساحة من الفراغ استثمرته روسيا بطريقة جيدة".
وأضاف المتحدث أن "الروس لم يعودوا مكملين للمشهد في الشرق الأوسط، بل باتوا أحد الفاعلين فيه، بدليل أن الحضور الروسي أصبح قريباً من الناحية الجغرافية من خلال تواجدهم السياسي والعسكري في سوريا، وارتباطهم بعلاقات وثيقة الصلة مع الأطراف المؤثرة في المنطقة كتركيا وإيران والسعودية ومصر".
وتابع المتحدث أن "روسيا تسعى لمزاحمة الولايات المتحدة في إدارة مسار التسوية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، مستغلة الانشغال الأمريكي في قضايا العلاقات المتوترة مع الصين وإيران وأزمة كورونا، لذلك فإن أولوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بالنسبة لإدارة بايدن ستكون متأخرة نسبياً، والمتوقع منها أن تكون في النصف الثاني من ولاية بايدن، لذلك فإن ترسيخ العلاقات مع السلطة والفصائل الفلسطينية سيمنحها تفوقاً على الدور الأمريكي في ملف التسوية".
روسيا منقذ حماس
على الجانب الآخر، تنظر حماس إلى روسيا كبوابة دولية للخروج من عزلتها السياسية، فهما ترتبطان منذ 2006 حينما زارها لأول مرة رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل، والتقى خلالها برئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف، ثم التقى مع ميدفيديف ذاته حين أصبح رئيساً لروسيا في العاصمة السورية دمشق في 2010.
واستمرت العلاقات بين الطرفين بعد انتهاء حقبة مشعل من رئاسة المكتب السياسي، وتولي إسماعيل هنية رئاسة الحركة، إذ التقى الأخير بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مارس/آذار 2020، وتخلل هذه الفترة عدة لقاءات جمعت الطرفين ضمن مستوى الصف الأول للحركة ومبعوث الرئيس الروسي للسلام ميخائيل بوغدانوف.
ويتناغم الموقف الروسي مع طبيعة توجهه لبناء علاقة مع حماس عبر رفض تصنيفها كحركة "إرهابية" بعكس الموقف الأوروبي والأمريكي، وأحد المداخل للاستثمار الروسي في القضية الفلسطينية.
حسام الدجني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة، والمختص في شؤون حركة حماس، قال لـ"عربي بوست" إن "روسيا تدرك أن منحها وزناً في الشرق الأوسط لا يأتي إلا عبر القضية الفلسطينية، لذلك تنسج علاقاتها مع كافة الأطراف دون استثناء، فروسيا من الدول الاستثنائية على مستوى العالم التي تستقبل أمين عام الجهاد الإسلامي ووفوداً مختلفة من مستويات الصفين الأول والثاني من الفصائل الأخرى، سواء من أجل لقاءات المصالحة، أو التقرب أكثر فأكثر من باقي الفصائل، وتسعى لمنحها الثقة من قبل الأطراف الفلسطينية لتلعب دوراً سياسياً في مسار التسوية، أو تدعيم الموقف الفلسطيني في المنظمات الدولية".
وتابع المتحدث أن "حماس تنظر إليها روسيا على أنها الطرف الأقوى في الساحة الفلسطينية، وتدرك أنه لا يمكن تجاهل وزنها، لذلك تحافظ على علاقاتها مع الحركة لأكثر من 15 عاماً، وتقدم كل أشكال الدعم السياسي لها من الباطن، بما لا يتعارض مع مصالحها الخارجية".