حذّر خبراء وعلماء من أن تأثير توزيع لقاح فيروس كورونا المستجد على دول العالم قد يدفع نحو نظام "فصل عنصري"، على غرار ما تفعله إسرائيل في فلسطين المحتلة، خاصة إذا ما تمت المقارنة بين الدول الغنية والفقيرة في توزيع اللقاحات، بل طريقة التوزيع داخل الدول نفسها.
إذ قالت صحيفة The Independent البريطانية، في تقرير لها نشرته السبت 6 فبراير/شباط 2021، إن البلدان الأفقر لن تضطر إلى انتظار اللقاح فحسب، بل سيدفع العديد منها بالفعل أسعاراً أعلى بكثير للجرعة. ففي أوغندا على سبيل المثال، أعلنت الحكومة عن صفقة لملايين اللقاحات من أسترازينيكا، بسعر 7 دولارات للجرعة، وهو أكثر من ثلاثة أضعاف ما دفعه الاتحاد الأوروبي مقابل الجرعة من نفس اللقاح. وبإضافة رسوم النقل سيكلف تطعيم الفرد الواحد في أوغندا 17 دولاراً.
لذلك يحذر نشطاء وعلماء من أن العالم في طريقه إلى "نظام فصل عنصري في توزيع اللقاحات"، يتلقى فيه سكان جنوب الكرة الأرضية لقاحاتهم بعد سنوات من نظرائهم في الغرب.
بينما ستكون آثار اللامساواة صارخة. إذ تشير النمذجة التي أجرتها جامعة نورث إيسترن الأمريكية إلى أنه في حالة توزيع أول ملياري جرعة من لقاحات كوفيد-19 بشكل متناسب مع السكان المحليين، فسينخفض إجمالي الوفيات في جميع أنحاء العالم بنسبة 61%، أما إذا احتكرت الدول الـ47 الأغنى في العالم هذه الجرعات، فستقل الضحايا بنسبة 33% فقط.
يأتي ذلك في الوقت الذي اشتبك فيه الاتحاد الأوروبي مع شركة أسترازينيكا الأسبوع الماضي لتأمين المزيد من اللقاحات، حيث ردد القادة الأوروبيون شعار "لا أحد في مأمن حتى يأمن الجميع". لكن التوزيع غير المتكافئ عالمياً سيضر بالجميع، مما يترك جيوباً للفيروس في جميع أنحاء العالم ستظهر وتنتشر منها سلالات جديدة أكثر خطورة، كما تقول صحيفة The Independent البريطانية التي قالت إنه بسبب ما وصفته بالاقتتال الداخلي في الغرب ورغبته الطاغية في حماية نفسه، نسير كالنيام إلى عالم سيعاني المزيد من الحالات والمزيد من الفوضى الاقتصادية والمزيد من الوفيات.
جرعات لإمداد البلدان ذات الدخل المنخفض
أضافت الصحيفة البريطانية أن العالم لم يكن ليرى هذا التلهف على اللقاحات لولا أن العرض محدود. فبعد تطوير اللقاحات يجب على شركات الأدوية تعديل منتجاتها ليتاح تصنيعها على نطاق صناعي قبل نقل التكنولوجيا إلى المصانع المرخصة حول العالم.
كانت شركة أسترازينيكا، التي تقف وراء اللقاح القائم على الفيروسات الغدانية، والذي طوِّر بالتعاون مع جامعة أكسفورد، قد منحت ترخيصاً إلى 10 شركات أخرى في بريطانيا والهند والبرازيل واليابان وكوريا الجنوبية والصين وأستراليا وإسبانيا والمكسيك والأرجنتين لتصنيع منتجها، بالإضافة إلى مصانعها الخاصة في المملكة المتحدة وأوروبا.
إلا أنه بدلاً من ذلك يبدو أن بعض هذه الشركات ركزت على إمداد الغرب، حيث وجدت منظمة Public Citizen، وهي مركز بحثي أمريكي، أن 2% فقط من العرض العالمي لفايزر وبيونتك مُنح إلى برنامج كوفاكس. وفي العام الماضي، اعتقد المطلعون على خطط شركة موديرنا أن الشركة الأمريكية تعتزم إعطاء الأولوية للدول ذات الدخل المرتفع. وفي يناير/كانون الثاني 2021، قالت حكومة جنوب إفريقيا إن شركة موديرنا ليس لديها نية لتسجيل لقاحها في البلاد.
فيما قالت شركة فايزر لمنظمة The Bureau، المتخصصة في الصحافة الاستقصائية، إنها خصصت جرعات لإمداد البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط الأدنى بسعر غير هادف للربح.
كما وعدت أسترازينيكا بإتاحة لقاحها بسعر التكلفة في العالم الجنوبي إلى الأبد (هناك حد زمني غير محدد حتى الآن لهذا السعر في الغرب). لكن انتهى الأمر ببعض الدول الفقيرة بالفعل إلى دفع المزيد مقابل لقاح أسترازينيكا أيضاً، تحت اسم آخر.
على عكس أسترازينيكا، لم يقُم معهد سيروم الهندي بالالتزام بسعر التكلفة، وتقاضى من الهند 3 دولارات للجرعة الواحدة، ومن جنوب إفريقيا والبرازيل 5 دولارات، ومن أوغندا 7 دولارات، فيما دفع الاتحاد الأوروبي دولارين فقط مقابل لقاح أسترازينيكا. ولم ترد أي من أسترازينيكا أو سيروم على طلبات التعليق.
ملياري جرعة على مستوى العالم
وفقاً لصحيفة The Independent البريطانية، تفرض صعوبة تأمين إمدادات اللقاح على العديد من البلدان الفقيرة الاعتماد على كوفاكس، وهي منظمة أُنشئت في إبريل/نيسان 2020 لتوفير وصول مبتكر ومنصف إلى تشخيصات وعلاجات ولقاحات كورونا. وتنسق المنظمة عملها مع منظمة الصحة العالمية، وائتلاف ابتكارات التأهب للأوبئة وGavi، لتكوين تحالف اللقاحات الدولي.
كذلك، تهدف كوفاكس إلى تقديم ملياري جرعة على مستوى العالم، من بينها 1.3 مليار جرعة على الأقل لـ92 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل، بحلول نهاية عام 2021. سيكون هذا كافياً لتلقيح 20% من سكان كل دولة، مع إعطاء الأولوية للعاملين الصحيين وكبار السن والذين يعانون من حالات طبية، رُغم ما طال الهدف من انتقادات لاعتباره غير مناسب للتعامل مع الوباء.
فقد أعلن سيريل رامافوزا، رئيس الاتحاد الإفريقي، في يناير/كانون الثاني 2021، عن صفقة للحصول على 270 مليون لقاح من موردين متعددين، وأشار إلى أن القارة لا يمكنها الاعتماد على كوفاكس وحدها.
إعطاء الأولوية لـ "كوفاكس"
يشار إلى أن هناك اختلافاً بين الخبراء حول حلول أزمة إمدادات اللقاحات؛ فقد طلبت منظمة الصحة العالمية من الشركات المصنعة إعطاء الأولوية لتزويد كوفاكس، وحثت الدول التي تطلب جرعات أكبر من احتياجاتها للتبرع، لكن هذا يبدو غير مستساغ سياسياً بشكل متزايد، حيث تعاني البلدان من تأخيرات في الإمداد.
أما كوفاكس فقد أنشأت مؤخراً آلية للتبرع، وحتى الآن لم توافق سوى النرويج، التي سجلت أقل من 600 حالة وفاة بسبب كوفيد-19، على التبرع بالإمدادات في نفس الوقت الذي تنفِّذ فيه خطة التطعيم الوطنية.
كما ستتبرع كندا بما يصل إلى 5 ملايين دولار كندي (2.85 مليون جنيه إسترليني و391 مليون دولار) لتمويل آلية التبرع المذكورة، لكنها لا تستطيع الالتزام بإطار زمني للوقت الذي ستبدأ فيه تسليم الجرعات.
وهناك محاولات متفرقة للتبرع خارج هذه الآلية. فقد وافق الاتحاد الأوروبي على إرسال لقاحات لتلقيح العاملين في المجال الصحي في جميع أنحاء إفريقيا وغرب البلقان، متراجعاً عن المقترحات السابقة لتقديم تبرعات منتظمة إلى كوفاكس. ولدى أستراليا ونيوزيلندا خطط مماثلة للبيع أو التبرع للدول المجاورة في المحيط الهادئ وجنوب شرق آسيا وجزر بولينيزيا.
بحسب صحيفة The Times البريطانية، أقرَّ مات هانكوك، وزير الصحة البريطاني، بأن 400 مليون جرعة من طلبية وزارته هي "أكثر من احتياجات سكان المملكة المتحدة"، وقال إن الحكومة ستكون سخية أثناء استكمال برنامج التطعيم الخاص بها.
الوضع متوتر للغاية
كما ترى صحيفة The Independent البريطانية أنه بدون الحصول على اللقاحات بشكل متساوٍ، فهناك مخاوف من أن العديد من البلدان منخفضة الدخل لن يكون لديها مخزون كافٍ لتلقيح سكانها، بمن فيهم العاملون في مجال الرعاية الصحية، خلال 2021. وعلى أرض الواقع يعاني العاملون في مجال الصحة.
من جهتها قالت إيرين موتومبوا، المنسقة الوطنية لإدارة الكوارث في الصليب الأحمر في جنوب إفريقيا: "الوضع متوتر للغاية. حياة الجميع في خطر، خاصة عندما تكون شخصاً يشارك في العمل المجتمعي".
لكن العلماء يشعرون بالقلق من أن السماح للفيروس بالانتشار بلا هوادة في بعض البلدان قد يؤدي إلى مخاطر أكبر على الجميع. فوفقاً للدكتورة ماري بول كيني، عالمة الفيروسات ومديرة الأبحاث في معهد Inserm للأبحاث، "كلما زاد انتشار الفيروس، زادت فرصة تحوِّر الفيروس، فضلاً عن أن السلالات المتطورة يمكن أن تؤدي إلى المزيد من الوفيات المباشرة في البلدان غير الملقَّحة، وقد تجعل اللقاحات أقل فعالية مع الوقت".