أقدمت قوات الأمن التابعة للنظام السوري في الأيام الأخيرة على اعتقال عدد من المدنيين في مدينة اللاذقية، بينهم موظفون حكوميون، بعد انتقادات نادرة لنظام بشار الأسد في معقله، اشتملت على رسوم كاريكاتيرية وتغريدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
موقع Middle East Eye البريطاني أكد في تقرير، الخميس 4 فبراير/شباط 2021، أن قائمة المعتقلين في المحافظة، أحد أبرز مواطن الطائفة العلوية التي ينتمي إليها بشار الأسد، قد شملت موظفين حكوميين ومذيعة تعمل بالتلفزيون الحكومي.
وأشار الموقع إلى أن الاعتقالات التي تمت بذريعة ارتكاب جرائم إلكترونية، استهدفت في الحقيقة مدنيين انتقدوا الفساد الحكومي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنهم ابنة مسؤول سابق في إدارة مكافحة المخدرات، بحسب مصادر محلية.
رسم كاريكاتيري يقلق النظام السوري
أضافت المصادر أن من بين المعتقلين رسام الكاريكاتير البارز إدوارد سمندر الذي اقتادته الأجهزة الأمنية تعسفياً من منزله في اللاذقية، بعد أن أظهر أحد رسومه الكرتونية جنوداً يحملون قائداً في كامل حلته يمر بجانب امرأة تنتحب على قبر ابنها، فيما هو يقول لها "ابنك راح فدا الوطن".
بحسب الموقع، فإن الرسم الكاريكاتيري انطوى على تعليق منتقد لارتفاع أعداد القتلى بين أنصار الأسد في ظل الصراع المشتعل مع قوات المعارضة منذ عام 2011، إلى جانب استمرار سوء الأوضاع الاقتصادية على الرغم من التضحيات التي يرى أنصار الأسد أنهم قدموها من أجل الدفاع عن النظام السوري.
غير أن الصورة اكتسبت زخماً جديداً على وسائل التواصل الاجتماعي بعد انتشارها مقرونة بصورة لأم سورية تنتحب أمام قبر ابنها أيمن جحجاح، وهو واحد من عشرات الآلاف من الجنود الذين قتلوا منذ 2011 وهم يقاتلون لصالح بشار الأسد، وكثير منهم ينتمي إلى الطائفة العلوية.
وبحسب صحيفة The Telegraph البريطانية، فإن الطائفة العلوية في سوريا قد فقدت قرابة ثلث شبابها خلال السنوات الأولى من الحرب المستمرة منذ نحو عشر سنوات.
اعتقال مذيعة تلفزيونية
وضمت قائمة المعتقلين هالة الجرف، وهي مذيعة تلفزيونية سورية، كانت قد نشرت تعليقاً على موقع فيسبوك بشأن موضوع الجريمة الإلكترونية، وقالت فيه: "الحمد لله، صحيح ليس لدينا خبز، لكن لدينا فرع للجرائم الإلكترونية".
في منشور آخر، قالت الجرف عبر صفحتها: "ليكن شعارك للمرحلة القادمة (خليك بالبيت) والتزم الصمت المطبق".
كما ضمت قائمة المعتقلين شخصاً آخر أقدم على الكشف عن واقعة فساد كبيرة منتصف عام 2019، أدت إلى سرقة 800 سيارة تعود للحكومة.
تعليق النظام السوري
من جانبها، قالت وزارة داخلية النظام السوري في بيان رسمي عبر موقع فيسبوك، إن ثمانية أشخاص اعتقلوا بسبب التواصل والتعامل مع مواقع إلكترونية مشبوهة وتسريب معلومات مزيفة ومشوهة لإحداث البلبلة وتشويش الرأي العام.
وكانت الحكومة السورية قد اصدرت قانوناً جديداً للجرائم الإلكترونية في عام 2018 يتضمن "إنشاء محاكم متخصصة وتعيين ممثلين قانونيين لملاحقة الجرائم الإلكترونية في كل محافظة"، بحسب "مركز الخليج لحقوق الإنسان"، الذي حذر من أن القانون "يجرّم بطريقة تعسفية حريةَ التعبير عن الرأي على شبكة الإنترنت".
في المقابل، نددت منظمة "مراسلون بلا حدود" في بيان لها الأربعاء 3 فبراير/شباط بالاعتقال، وانتقدت عجز الصحفيين عن "إثارة قضايا حساسة في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري دون المخاطرة بالانتقام".
سخط متصاعد على تفشي الفساد
تأتي هذه الاعتقالات في الوقت الذي تصاعدت فيه التوترات في المناطق التي لطالما كانت موالية للأسد، خاصة مع رؤية الناس لأفراد من عائلة الأسد وحلفائه وهم يعيشون أنماط حياة فارهة ومليئة بالامتيازات، في حين يعاني المدنيون نقصاً حاداً في الخدمات الأساسية ويصطفون لساعات طويلة للحصول على الخبز أو الوقود.
بحسب الموقع، فإن المدنيين في القرى الساحلية قد بدأوا في التسول علناً وطلب المساعدة عبر مجموعات على موقع فيسبوك، وتصاعدت شكواهم من الفقر، خاصة زوجات وأمهات الشباب الذين قُتلوا دفاعاً عن نظام الأسد، وكذلك أولئك الذين تقطعت بهم السبل بعد أن التهمت حرائق الغابات محاصيلهم العام الماضي.
ومع ذلك، انصب قسم كبير من الانتقادات على وسيم بديع الأسد، ابن عم بشار الأسد، الذي يقود ميليشيات محلية ولا يتورع أبداً عن التباهي بأسلوب حياته الفاره بين عموم الناس.
ففي العام الماضي، استولى وسيم الأسد على مقهى في مدينة طرطوس، ثم ألقى القبض على عضو بمجلس المدينة لفضحه عملية الاستيلاء.
ويظهر وسيم بانتظام في مقاطع فيديو يبثها عبر الإنترنت ويستعرض فيها سياراته وممتلكاته باهظة الثمن. وفي أحد مقاطع الفيديو التي نشرها العام الماضي، وجه انتقادات حادة إلى منتقدي الحكومة من مؤيديها، مشيراً إلى أنه لولا النظام السوري "لكان الإرهابيون الآن يغتصبون نساءكم".
كما أن هناك شخصية أخرى تثير الجدل في الآونة الأخيرة، هو سليمان هلال الأسد، ابن عم آخر لبشار، وقد أطلق سراحه بعد أربع سنوات فقط من السجن لقتله عميداً في جيش النظام السوري لمجرد أنه تجاوزه عند إشارة مرور في اللاذقية.
وجاءت تلك الإجراءات القمعية المستخدمة ضد منتقدي الحكومة في اللاذقية لتذكر كثيرين بسبب خروج السوريين إلى الشوارع لأول مرة ضد بشار الأسد في عام 2011، لكن بعد عقد من الحرب ومقتل مئات الآلاف، يبدو أنه لم يعد هناك إلا أقل القليل من السبل لمساءلة الحكومة أو تحميلها مسؤولية سوء الأوضاع إلى هذا الحد.