فرص عقيلة صالح تتراجع لقيادة المجلس الرئاسي الليبي.. كواليس اجتماعات جنيف تكشف تحالفات غير متوقعة

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/03 الساعة 22:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/04 الساعة 08:27 بتوقيت غرينتش
عقيلة صالح

"لم ينجح أحد".. كانت هذه أولى نتائج تصويت أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي، الثلاثاء 2 فبراير/شباط 2020، بمدينة جنيف، على منصب رئيس المجلس الرئاسي الجديد والتي أعلنت عنها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وتعني أن "أياً من المرشحين لم يحصل على نسبة الـ70%"، وبالتالي سيتم الدخول في نظام القوائم.

45 مرشحاً للمجلس الرئاسي، بينهم 3 نساء فقط، من أبرز المرشحين رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، ووزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا، وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي.

مرشحو برقة يقطعون الطريق على عقيلة صالح

ورغم اتفاق أغلب المترشحين للمجلس الرئاسي، على الالتزام بقرارات ملتقى الحوار السياسي، والعمل على تيسير إجراء الانتخابات المقبلة، فإن المشهد لم يكن مثلما كان مخططاً له من بعض القوى السياسية الداخلية والخارجية المؤثرة في المشهد الليبي.

بحسب مصادر من داخل لجنة الحوار الليبي تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن عدداً من المرشحين عن المناطق الشرقية والغربية والجنوبية حققوا نتائج غير متوقعة في التصويت الأوَّلي الذي جرى الثلاثاء 2 فبراير/شباط 2021، حيث كان المرشح الأقوى لرئاسة المجلس الرئاسي رئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح، الذي يحتاج 17 صوتاً من أصل 24 داخل إقليمه لتولي المنصب، لكنه لم يتحصل إلا على 9 أصوات وهو العدد الأكبر لمرشح على مستوى ليبيا.

وأضافت المصادر، أن دخول مرشحين من المنطقة الشرقية، أبرزهم النائب السابق في المؤتمر الوطني العام شريف الوافي، الذي حصل على 6 أصوات، والمرشح محمد يونس المنفي الذي حصل على 5 أصوات، كان عائقاً أمام عقيلة صالح حال بينه وبين حسم الرئاسة من الجولة الأولى لصالحه دون الدخول في القوائم.

يقول المحلل السياسي عمر التهامي، إنَّ فرص ترشح عقيلة صالح لرئاسة المجلس الرئاسي أصبحت محدودة وضيقة بعد ضياع فرصته في الحسم بـ17 صوتاً من البداية؛ وذلك بسبب دخول منافسين كانوا سبباً في تشتت الأصوات بين مرشحي إقليم برقة.

وتابع التهامي، أن الفرصة الوحيدة لعقيلة صالح هي الدخول في قائمة تضم مرشح حزب العدالة والبناء (حزب محسوب على جماعة الإخوان المسلمين) لرئاسة الحكومة فتحي باشاغا والنائب من المنطقة الجنوبية عبدالمجيد سيف النصر، غير أن هذه القائمة لم يتم الاتفاق عليها حتى الآن بين تلك الأسماء، وما زالت المشاورات بينهم مستمرة، بسبب توافر قوائم أخرى تضم الشريف الوافي ومحمد يونس المنفي تضاهي القائمة المقترحة بين باشاغا وعقيلة صالح.

باشاغا قد يخسر إذا تحالف مع صالح.. 

يرى التهامي أنه في حال الوصول الى اتفاق بين باشاغا وعقيلة صالح للدخول في قائمة واحدة، فان باشاغا قد يخسر جزءاً من الأصوات التي حصل عليها قبل تحالفه مع عقيلة، الذي كان غير مقنع لأغلبية ممثلي لجنة الحوار في المنطقة الغربية، وبذلك يكون الموقف اقوى للقائمة التي يعمل عليها الشريف الوافي.

ظل وجود رئيس برلمان طبرق والمشرّع الأول للحرب على طرابلس في أبريل/نيسان 2019، عقيلة صالح، يثير كثيراً من المخاوف لدى بعض المراقبين، خصوصاً بعد اعترافه في رد على سؤال حول العدوان على العاصمة طرابلس، حين قال: "إنه لا يوجد إنسان معصوم من الخطأ، ويجب طي صفحة الماضي لبدء مرحلة جديدة"، دون إشارة إلى محاسبة المجرمين أو تعويض ضحايا تلك الحرب.

في المقابل زعم عقيلة صالح أنه في حال فوزه، ستكون أولوياته توحيد المؤسسات والمصالحة الوطنية، وأنه سيلتزم أمام الليبيين والعالم بما يتم الاتفاق عليه، وبكل قرارات مجلس الأمن والاجتماعات الدولية ومخرجات لجنة الحوار، مشيراً إلى أنه ترشح كنائب، لأن لائحة المجلس تحظر الجمع بين منصبين ولا تحظر الترشح لمنصب تنفيذي، معبراً عن التزامه بإقامة الانتخابات في موعدها إذا توافرت الظروف اللازمة، بحسب وصفه.

وفيما يتعلق بمنصب القائد العام للجيش الذي كيَّفه ليناسب حفتر بقرارات أصدرها باسم مجلس النواب، قال عقيلة صالح، إن هناك قانوناً للجيش يحدد صلاحيات القائد الأعلى والقائد العام للقوات المسلحة، وإن لجنة 5+5 هي التي ستعمل على توحيد الجيش.

نية تحالف المشري مع عقيلة قد تُفقده 4 أصوات

كان المرشح الأول عن المنطقة الغربية هو خالد المشري، الذي لم يحقق نسبة الأصوات التي تؤهله للفوز هو الآخر، إذ خسر أربعة أصوات بعد حصوله على وعد بـ8 أصوات لتأييده من أص 36، بعد كشفه لأعضاء اللجنة عن نية التحالف مع عقيلة صالح في قائمة واحدة كنائب أول لرئيس المجلس الرئاسي، وما زلت المشاورات تُتداول بين المرشحين لتكوين القوائم.  

خارطة طريق غير واضحة وشفافة

لم يقتصر المشهد الليبي على الحوار السياسي فقط؛ بل شابه جانب عسكري أوحى برفض مسار بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، حيث طالبت قوات المنطقة الغربية المساندة لعملية بركان الغضب، في بيان، في 31 يناير/كانون الثاني الماضي، بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بوضع خارطة طريق واضحة وشفافة ودعم مشروع انتخابات ديسمبر/كانون الأول القادم بمجلس الأمن مع استثناء كل الشخصيات الجدلية في المرحلة القادمة.

ودعت رئيس المجلس الرئاسي، المعترف به دولياً، فائز السراج إلى التواصل مع كل أعضاء المجلس، لتشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية إلى حين إجراء انتخابات ديسمبر/كانون الأول القادم.

واعتبرت القوات المساندة لعملية بركان الغضب أن عملية صيد الأفاعي التي أطلقها وزير الداخلية بحكومة الوفاق فتحي باشاغا، بغرض مكافحة الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة وتهريب الوقود هي لغرض مصالح سياسية، واصفةً أيها بالوهمية، داعيةً رئيس المجلس الرئاسي إلى إدماج المقاتلين بالقوات المساندة لعملية بركان الغضب في المؤسسات العسكرية والأمنية لمحاربة الإرهاب بكل أشكاله ومكافحة الهجرة غير الشرعية والتهريب والجريمة المنظمة.

يشير المحلل السياسي عمر التهامي إلى أن المشهد السياسي الجديد الذي تعمل البعثة على تكوينه قد يكون مشوهاً، نتيجة اختيار البعثة بعض الشخصيات الجدلية كممثلين عن أقاليمها ومرشحين عن دوائرهم الانتخابية.

شخصيات جدلية.. متورطة! 

ويضيف التهامي قائلاً: "يبدو أننا مقبلون على حكومة الصخيرات 2 ذات الشرعية المنقوصة وغير التوافقية، وأنه في حال فرضها بالقوة فإننا مقبلون على تجاذبات واستقطاب جديد بين القوى السياسية في شرق ليبيا وغربها، من شأنها زيادة رقعة الصراع وتمزيق النسيج الاجتماعي الليبي، وبيان القوات المساندة لعملية بركان الغضب خير دليل، حيث لن تسمح هذه القوة بقبول شخصيات جدلية متورطة متوغلة في دماء الليبيين بالمنطقة الغربية، ولن يقبل أيضاً خليفة حفتر حكومة لا توفر له المناخ الملائم لإكمال مسيرته في السيطرة على كامل التراب الليبي بالقوة".

آمال ومخاوف اتفاق جنيف‎

ويبدو أن إزالة مخاوف فشل أو عرقلة تنفيذ حل الأزمة السياسية الليبية الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بجنيف، هو المناخ المسيطر على أغلب المتابعين للوضع السياسي الليبي، حيث يستحضر كثيرون ما حدث بعد توقيع اتفاق الصخيرات الذي وُقِّع في ديسمبر/كانون الأول 2015، من استقطاب وتجاذبات وخلاف أدى إلى استمرار الصراع، والتي كانت نهايتها الحرب على طرابلس في أبريل/نيسان 2019، بسبب تنفيذه المنقوص.

ويتوقع عبدالسلام الراجحي، مدير مركز إسطرلاب للدراسات، حدوث انهيار في جولات الحوار بجنيف، بسبب انسحاب عدد من الأعضاء من لجنة الحوار؛ لعدم التوافق بينهم؛ وذلك بسبب خيارات البعثة للجان المشكَّلة في الحوار.

وأضاف الراجحي أنه في حال تم التوافق على تشكيل مجلس رئاسي مكون من رئيس ونائبين وحكومة، فإن الحكومة تتعرض للابتزاز من قِبل مجلس النواب قبل حصولها على الثقة في حال اجتمع المجلس كاملاً، موضحاً أن مجموعة من مجلس النواب تتبع عقيلة صالح وموجودة في مدينة طبرق شرق ليبيا، ومجموعة أخرى موجودة في طرابلس وهي العدد الأكبر، ومجموعة أخرى موجودة في دول الجوار مصر وتونس والأردن والإمارات.

وأوضح الراجحي أنه في حال نجح التصويت وتشكَّل المجلس والحكومة، فإنه سيضطر إلى عرض حكومته على لجنة الحوار والتي ستكون أيضاً معرضة للابتزاز من الحكومة، وهو ما ينتج حكومة ليست ذات كفاءة تلبي مطالب المرحلة المنوطة بها.

روسيا قد تستخدم حق الفيتو.. 

وتابع الراجحي أن روسيا ربما تستخدم الفيتو ضد الحكومة الجديدة في حال تقديمها للتصويت عليها بمجلس الأمن، لمنحها الشرعية الدولية، كما حدث في قرار مجلس الأمن 2259 الخاص باتفاق الصخيرات في ديسمبر/كانون الأول 2015.

ويرى أن الأوضاع متشابكة ويصعب تمريرها بسهولة، وأن المفاجآت ستكون حاضرة وبقوة، ومن ضمنها أن خليفة حفتر لن يعترف بالحكومة والمجلس الرئاسي في حالة وصول أشخاص غير راضٍ عنهم، وسيعرقل عملها كما حدث في الصخيرات؛ وذلك بسبب العقوبات التي ستطاله وتطال عقيلة صالح في كل الجرائم التي ارتُكبت طيلة السنوات الخمس ونيف، وآخرها الحرب على طرابلس بحجج واهية في أبريل/نيسان 2019 .

كل السيناريوهات المحتملة لها أثر إيجابي

من جانب آخر قال المحلل السياسي عبدالجواد البدين، إن كل ما سينعكس عن الحوار السياسي من سيناريوهات سيكون له أثر إيجابي على الحالة الليبية من غير شك، لأن العملية السياسية الليبية كانت في أسوأ أحوالها قبل الحوار السياسي، حيث انتهت الحرب إلى انقسام حاد في المؤسسات وشرخ اجتماعي عميق وفقدان نقطة البداية لعملية سياسية جديدة.

فجاء هذا الحوار لكي يرسخ جملة من المبادئ المهمة وهي أن الانتخاب والديمقراطية هما السبيل الوحيد لتشكيل السلطة في ليبيا وليس الحروب والأعمال العسكرية، وأن الشراكة السياسية بين الفاعلين الليبيين والنخب السياسية أمر مهم وحتمي ولا مناص منه

وأضاف البدين أنه يجب على السياسيين الليبيين أن يتنافسوا على كسب أصوات الناخبين، من خلال طرح برامج ووضع حيز زمني محل اتفاق للانتخابات التشريعية، لذلك لا توجد أي فرصة لتعثُّر مسار الحوار.

تحميل المزيد