بعد مرور حوالي سنة على إصدار القضاء المغربي حكمه على المتابعين في ملف سرقة القصر الملكي المغربي، خرجت عائلات بعض المعتقلين قبل أسبوع لتُطالب بعفو ملكي عن ذويها "الذين لم يفعلوا شيئاً غير أنهم اشتروا ساعات باهظة الثمن من زبائن، ولم يعرفوا أنها مسروقة من داخل القصر الملكي"، معتبرة أن "تورطهم راجع إلى خطأ قد يقع فيه أي تاجر في المغرب".
تعود قصة سرقة ساعات فاخرة للملك محمد السادس إلى سنة 2013، عندما تتبّع المغاربة قضية سمحت لهم بتجاوز أسوار القصر العالية، التي ظلت دائماً مليئة بالأسرار وتُثير الفضول، فالحياة داخل "دار المخزن" كالحياة داخل قلعة حصينة مليئة بالأسرار لا يسهل اختراقها.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، تفجّرت قضية جنائية من الدرجة الأولى، بعدما تبث تورُّط 14 شخصاً، على رأسهم عاملة النظافة في القصر الملكي، في تهمة "السرقة الموصوفة وتشكيل عصابة إجرامية"، والسرقة هذه المرة جريئة ومتعلقة بساعات فاخرة للملك محمد السادس، تم إخراجها سراً من القصر الملكي وبيعها لتجار الذهب والأحجار النفيسة وسط المدينة.
ساعات الملك ليست الأولى
محاكمة عاملة النظافة ومن معها بتهمة سرقة ساعات الملك محمد السادس ليست الأولى، فالقصور الملكية في المغرب شهدت قصص سرقة تورط فيها العاملون وسط البلاط، وفي عهد ملوك سابقين، إذ سبق للملك الراحل الحسن الثاني أن ضبط في أكثر من مرة حالات تلبس بالسرقة، لكنه كان في أغلب الأوقات يعفو عن المتورطين، والأمر لا يصل إلى القضاء، لأن مجرد علم الملك آنذاك بفعل السرقة فهي محاكمة عسيرة للسارق.
ومن الأشياء الزهيدة إلى المجوهرات الثمينة، كان اللصوص يتسللون بشكل دائم إلى القصر الملكي وإلى مخابئ المجوهرات والمقتنيات الخاصة بالملوك بقصد بيعها، وذلك في غفلة من الحراس، الذي يسهرون على حماية القصر الملكي وممتلكاته من النهب.
ففي سنة 2004 تفجرت قضية الكولونيل مصطفى الهلالي، الذي عُرض على القضاء بعد التأكد من سرقته أموالاً من وسط القصر الملكي في أكادير جنوب المغرب، بعدها بسنة تمت سرقة سيارة الملك محمد السادس، بعد تسلل عدد من الأشخاص إلى مرأب القصر الملكي في الدار البيضاء، وهي السنة نفسها التي سُرقت فيها أدوات المطبخ باهظة الثمن من داخل القصر الملكي في مدينة مراكش.
توالت قصص النهب داخل القصور الملكية، ففي سنة 2005 أيضاً قرر القصر الملكي العفو عن عمال داخل البلاط، سرقوا 350 كأساً من البلار، وهي الكؤوس التي تُستعمل لتقديم المشروبات السائلة لأفراد الأسرة الملكية، لما لهذه المادة من خاصية تُعرّضها للكسر إذا أُفرغت فيها مادة سامة.
قصص العفو عن سارقي القصر الملكي انتهت مع سرقة كؤوس البلار، إذ قرر القصر الملكي متابعة كل من تجرّأ على ممتلكات القصور، هذه العملية التي وصفها القانون بالسرقة الموصوفة، ففي سنة 2006، تابع القضاء 4 أشخاص في ملف اشتُهر إعلامياً باسم "ملف تمارة"، بعدما سرقوا مجوهرات ولوحات تشكيلية وتحفاً فنية من القصر الملكي.
وجاء قرار متابعة "سارقي القصور الملكية" بسبب أن القصر هو إقامة وظيفية من ممتلكات الدولة يسكنها الملك، كما أن القصور الملكية تُمول من ميزانية خاصة تسمى ميزانية القصر، يصادق عليها البرلمان المغربي في قانون المالية لكل سنة، لذلك اختارت الكتابة العامة للقصر عرض أحداث السرقة على الرأي العام.
"الأمير" السارق
لم تقتصر قصص السرقة على العمال داخل البلاط الملكي، فالمخابرات المغربية أكدت في أكثر من مرة في تقاريرها حدوث سرقات داخل البلاط، أبرزها وقع في عهد الملك الراحل، عندما سَرق رجل يدعى هشام منداري أموالاً من القصر الملكي، الذي كان يدخله بشكل مستمر، بسبب المكانة التي حَظي بها حينها.
هشام منداري، الذي انتهى به المطاف قتيلاً في فرنسا ترعرع داخل القصر الملكي، وكان يحظى بثقة كبيرة من قِبل الملك الحسن الثاني الذي أدخله القصر، فاستغل هذه الثقة ودخل الغرفة الخاصة للملك ونهب خاتمه الخاص، وساعات فاخرة، ومجوهرات، ودفتر شيكات، ثُم فرّ هارباً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وإلى فرنسا، التي وجهت له سيلاً من التهم.
المنداري قبل نهب مقتنيات ثمينة من القصر الملكي كان قد ادعى أنه ابن غير شرعي للملك الحسن الثاني، إذ عاش حياته متنقلاً بين دول الشرق الأوسط وفرنسا وأوروبا، ونجح في تكوين ثروة هائلة بالنصب والاحتيال في وقت قياسي، مستغلاً المكانة التي كان يحظى بها داخل القصر، إذ كان يتحرك بسيارات القصر، ويتوفر على جواز سفر دبلوماسي، ويحظى بعطف الحاج المديوري، رئيس الحرس الخاص للملك الراحل، وبعناية حفيظ بنهاشم، المدير العام للأمن الوطني الأسبق والمدير السابق لمديرية السجون.
ودخل منداري القصر الملكي بسبب والده، الذي كان رجل أعمال أنشأ مدرسة للبروتوكول بسلطنة عمان، ما بين 78 و79 قبل أن ينتقل إلى الإمارات، نسج علاقات معقدة مع النظام الإماراتي، كما أن منداري تزوج بالشابة حياة، الابنة المتبناة للملك الحسن الثاني.
سلطان "باليما"
سلطان وعائلته داخل القصر، وليس مُهماً لديه كل ما هو سياسي، لكن لباس الملك وأناقته، وأكله والحفلات والأعراس والمناسبة المقامة وسط الأسرة الملكية كانت دائماً محط أنظار المغاربة.
هذا الفضول الاستثنائي استغله رجل لُقب بـ"سُلطان باليما"، نسبة إلى مقهى باليما الشهير أمام البرلمان المغربي، وسط شارع محمد الخامس في العاصمة، حيث كان يجلس الرجل أنيقاً فواحاً بجلبابه المغربي الأصيل، وبنعل "بلغة" نحاسية، والغريب أنه كان يتحدث بلغة أهل القصر، لكي يُقنع ضحاياه.
"سلطان باليما" لم يسرق شيئاً من القصر الملكي، لكنه كان يُروج لنفسه وسط ضحاياه أنه قريب من العائلة الملكية، كما أنه تربطه علاقة خاصة بالأمير عبدالله بن الحسن، عم الملك محمد السادس، فكان يحصل على أموال طائلة من أسر بسيطة قصد التوسط لتوظيف أبنائها داخل القصر الملكي.
سرقة القصر الملكي المغربي
ومن بين القصص التي تسللت من وراء أسوار القصر الملكي، قصة عامل بسيط داخل البلاط ضُبط متلبساً بسرقة بعض المقتنيات الخاصة بالمطبخ، فوقف أمام الملك الحسن الثاني، هذا الأمر كان أصعب من محاكمة جمهورية، فسأله الملك: "لماذا سرقت"؟ فكان جواب الرجل "سيدي، أنا فعلاً سرقت، لكنني لم أسرق غريباً، أنا سرقت البيت الكبير"، فانتهت حكاية الرجل بابتسامة من الملك الذي راقه جواب مستخدمه فعفا عنه وطُويَ الملف إلى الأبد.