عرف يوم الإثنين، 25 يناير/كانون الثاني 2021، احتجاجات لبنان بشكل استثنائي، بعد خروج مئات المتظاهرين إلى شوارع المدن، احتجاجاً على تدهور الحياة الاجتماعية، نتيجة الإقفال العام للحدّ من انتشار فيروس كورونا، الأمر الذي تسبب في أزمة إنسانية كبيرة.
وخرجت تظاهرات في كل من بيروت وصيدا وطرابلس، رفضاً للواقع السيئ، في ظل وقف الحركة الاقتصادية وعدم تقديم بديل معيشي للمواطنين، منذ إقرار الإقفال العام في 14 يناير/كانون الثاني الجاري، واعتماد سياسة صحية من قبل المجلس الأعلى للدفاع الذي بات بديلاً عن الحكومة اللبنانية.
احتجاجات لبنان
في ساحة النور وسط مدينة طرابلس، شمال لبنان، يقف عوني، شاب ثلاثيني يبيع القهوة على رصيف، هذا النشاط الذي يعتبر مصدر رزقه اليومي، والذي قال لـ"عربي بوست" إن "احتجاجات لبنان التي شهدها عدد من المدن هي طبيعية ومنطقية، في ظل عدم تحمُّل الدولة مسؤولياتها تجاه الطبقة الفقيرة والمحرومة".
وتساءل عوني حول ما إذا "كانت الدولة واعية لقرارات الإقفال، مقابل ذلك سمحت للطبقة الغنية بإقامة حفلات وفتح النوادي والمطاعم ليلة الميلاد ورأس السنة، فيما الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم كانوا في تلك الليالي أسرى الحرمان، والبحث عن رغيف خبز لأطفالهم وأسرهم".
وبجانب العوني يقف أبو فادي، بائع الذرة الستيني، والشاهد على احتجاجات لبنان التي وقعت في مدينة طرابلس، والذي قال إنها كانت "ردة فعل طبيعية، بعدما وعدت الحكومة بتقديم الدعم للأسر الفقيرة بسبب الإغلاق، لكن إلى الآن لم تفِ بوعودها".
وقال المتحدث لـ"عربي بوست"، إن "أسرته تعيش على مداخيل بيع الذرة، وإن قرار الإغلاق العام شمله دون أن يُقَدم له بديل حقيقي للعيش الكريم وتأمين الطعام ووسائل التدفئة، له ولأسرته".
وأضاف المتحدث: "أطفالي يبيتون يومياً من دون تناول وجبة العشاء، باستثناء بعض لقيمات الزيتون والخبز، لذلك قررت تحدي الإغلاق والنزول لبيع الذرة المسلوقة، لأن الواقع لم يعد يُحتمل".
وتحدَّث أبو فادي لـ"عربي بوست" بنبرة سخرية من وعود الحكومات المتعاقبة، قائلاً إن "اللبنانيين يموتون يومياً من الجوع ومن كورونا، وسنموت تحت أقدام العناصر الأمنية التي لا ترحمنا في التظاهرات".
خلفيات سياسية
كشف مصدر سياسي لـ"عربي بوست" أن "التظاهرات التي شهدها عدد من المدن اللبنانية، بداية الأسبوع الجاري، تطرح علامات استفهام حول استغلال بعض الأطراف السياسية لهذه التحركات لتوصيل رسائل في ظل الصراع الحاصل بين رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره الوزير جبران باسيل من جهة، وبين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من جهة أخرى.
وأضاف المصدر السياسي أن ما جرى من احتجاجات في مناطق محسوبة على تيار المستقبل الذي يتزعمه الحريري، هي رسالة منه لخصومه والقوى السياسية المعرقلة لعملية تشكيل الحكومة، ليقول إنه قادر على تحريك الميدان.
من جهته يرى العقيد المتقاعد في الجيش اللبناني، عميد حمود، أن "ما جرى من احتجاجات لبنان هي رسائل إيرانية للرئيس الأمريكي جو بايدن، للتأكيد أن إيران حاضرة عبر أدواتها المحلية في لبنان، كما أنها قادرة على تحريك الشارع ونشر الفوضى في حال لم يتم التوافق مع طهران على ملفات المنطقة".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "إهمال السلطة وسياسة الافتقار التي بدأت بسرقة أموال المودعين ستُعيد تحريك الشارع اللبناني الجائع والمضطهد نتيجة سوء الأداء السياسي والاقتصادي".
واعتبر المتحدث أن تقصير القوى السياسية وعلى رأسها تيار المستقبل، وتقديم البلد لحزب الله، وقبلها انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، كلها عوامل أدت إلى عزل لبنان وإيصاله لهذا الواقع، والذي بات فيه اللبناني أسير الجوع والعوز في دولته.
وأشار العقيد السابق في الجيش اللبناني إلى أنه "يرفض الأداء القمعي للأجهزة الأمنية، والذي يعيد لبنان لعهد الوصاية المخابراتية السورية، والذي حكم لبنان 30 عاماً بالحديد والنار، لأن الشارع مطلوب أن يتم التعامل معه بحكمة وتروٍّ، وليس بالقمع والاعتقالات وفضّ التظاهرات".
انفلات أمني في لبنان
وأمام تأخر تشكيل الحكومة اللبنانية انتشرت في عدد من المدن اللبنانية عصابات تنشر الفوضى، فعلى المستوى الاقتصادي والمالي والمعيشي والاجتماعي تسود حالة من الانفلات في لعبة الدولار وإفقاد الليرة قيمتها نهائياً.
أيضاً تُسهم هذه العصابات في لعبة الاحتكار والغلاء الرهيب في أسعار المواد والسلع الاستهلاكية، التي يشهد السوق شحّاً كبيراً فيها، بالإضافة إلى إغراق السوق بالمواد الفاسدة.
من جهة أخرى، تُسهم عصابات متخصصة في جريمة إخفاء الدواء، وممارسة الابتزاز، وربط الحصول على بعض الأدوية بشراء مكملات غذائية وأدوية أخرى.