في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، زار رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، بغداد، والتقى بنظيره العراقي وخلال تلك الزيارة وقع كل من مدبولى والكاظمي على 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم لإعادة إعمار العراق، لتزيد مصر حصتها من استثماراتها في العراق.
مواد البناء المصرية
اتحاد الغرف التجارية قام بانشاء وحدة خاصة لمشاريع إعادة إعمار العراق، تتعاون في عشرات المجالات، منها الصحة والتعليم، والموانئ، والسكك الحديدية، وبناء المجمعات السكنية والمنتجعات السياحية.
كما أعلنت مصر عن توصلها لاتفاقيات مع الجانب العراقي، لتصدير مواد البناء بشكل كبير، يقول أحمد الزيني، رئيس شعبة مواد البناء في الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية لـ"عربي بوست": "مصر تراهن على السوق العراقية خاصة في مجال تصدير مواد البناء، وبالتعاون مع الحكومة العراقية وضعنا خطة لزيادة صادرات مواد البناء المصرية إلى 7 مليارات دولار خلال العام الجاري".
كما توقع السيد الزيني أن يرتفع متوسط أسعار حديد التسليح بنسبة 12% في مصر، كنتيجة لهذه الاتفاقيات مع الحكومة العراقية.
20 شركة مصرية تشارك في بناء مجمعات سكنية
على الجانب الآخر، قال السيد فاخر السنافي، رئيس اتحاد المقاولين العراقيين، لـ"عربي بوست": "في الأسابيع القليلة الماضية، وقعنا عدداً كبيراً من اتفاقيات التعاون بين العراق ومصر في مجال البناء والتشييد، هناك حوالي 20 شركة مصرية تشارك في بناء مجمعات سكنية في 15 محافظة عراقية، على رأسها الأنبار والموصل".
وإن الشركات المصرية ستقوم بإنشاء العديد من المطاعم والفنادق، والمنتجعات السياحية، "اتفقنا مع الجانب المصري على تشييد وبناء 120 مجمعاً سكنياً في 15 محافظة بتكلفة قدرها 3.5 مليون دولار، بجانب المشاركة في إعادة إعمار البنية التحتية في المحافظات المتضررة من تنظيم الدولة الإسلامية".
مصدر حكومي عراقي تحدث لـ"عربي بوست"، قال: "الشركات المصرية تتولى إعادة إعمار وبناء مدن بالكامل دون منافسة من أي شركات اخرى، ستتولى مصر إعادة إعمار محافظات نينوى، وصلاح الدين، والأنبار، وسامراء".
وبحسب المصدر ذاته، فإن شركات البناء الإيرانية كانت تطمع في تولي هذه المهمة منذ سنوات، فيقول: "بعد الإعلان عن الشراكة المصرية في إعادة إعمار العراق، وصل على وجه السرعة وفد من مسؤولي الغرف التجارية الإيرانية إلى بغداد، لمناقشة هذه التطورات، لكن الأمور لم تسِر بشكل جيد".
الجدير بالذكر أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ظلت لسنوات محتكرة تصدير مواد البناء وحديد التسليح إلى العراق، خاصة بعد استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل في العراق، فقد استبدل التجار والمقاولون العراقيون البضائع السعودية بأخرى إيرانية.
بناء المستشفيات والمصانع ومحطات الغاز الطبيعي
أعلن السيد السنافي أن الشركات المصرية فازت بحصة كبيرة في بناء المستشفيات ومصانع الأعلاف والأسمدة، ومسارات السكك الحديدية، وبناء محطات الطاقة الشمسية، فيقول لـ"عربي بوست": "ستقوم الشركات المصرية ببناء 35 مستشفى بـ10 محافظات عراقية، بالإضافة إلى تطوير محطات توليد الكهرباء لتعمل بالغاز الطبيعي".
كما قال مصدر مسؤول في الهيئة العامة للاستثمار في العراق، لـ"عربي بوست"، إن الهيئة خصصت عدداً كبيراً من الأراضي للشركات المصرية لبناء المجمعات السكنية في العاصمة العراقية بغداد، فضلاً عن إنشاء العديد من المنتجعات الترفيهية والعائمة على نهري دجلة والفرات، "جميع هذه المشاريع ذهبت لنصيب مصر، هناك المئات من المشاريع السياحية والترفيهية ذهبت إلى الشركات المصرية بالكامل".
إعادة الإعمار مقابل النفط
في الأسابيع القليلة الماضية، تحدثت وسائل إعلام مصرية عن خطة تعاون كبيرة بين مصر والعراق في مجال إعادة الإعمار مقابل النفط.
في حديثه لـ"عربي بوست"، يقول مصدر في وزارة النفط العراقية: "ننتظر دخول 14 شركة نفط مصرية للعمل في العراق وإعادة الإعمار مقابل النفط الخام بأسعار مخفضة".
يضيف المصدر شارحاً: "اتفقت هيئة البترول المصرية مع الحكومة العراقية على تنفيذ العديد من أعمال الإنشاءات والتجديد والصيانة النفطية، مقابل استيراد النفط الخام من العراق بأسعار مخفضة".
يشير الدكتور رمضان أبوالعلا، أستاذ هندسة البترول والطاقة في مصر، في حديثه لـ"عربي بوست"، إلى أهمية استيراد مصر للنفط الخام العراقي، فيقول: "سيتم استيراد النفط الخام من العراق بأسعار رخيصة، ومن ثم القيام بتكريره بمعامل التكرير المصرية، وهذا سيؤدي إلى سد احتياجات السوق المحلي، وتوفير احتياطات العملة الأجنبية للبلاد".
تصدير العمالة المصرية للعراق
كان العراق خاصة بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية في أوائل التسعينات، يعتمد بشكل كبير على العمالة المصرية في مشاريع إعادة الإعمار، والآن وبعد أن استطاعت مصر الفوز بمئات المشاريع لإعادة إعمار البلاد، سيكون من الطبيعي أن تحتاج هذه المشروعات إلى توفير العمالة الماهرة.
وسط التقارب المصري العراقي الجديد، وقع البلدان عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم بشأن عودة العمالة المصرية إلى بغداد من جديد.
رئيس شعبة إلحاق العمالة المصرية بالخارج في الاتحاد العام للغرف التجارية، السيد عبدالرحمن مرسي، يقول لـ"عربي بوست": "على مر السنوات كان العراق بلداً جاذباً للعمالة المصرية، والآن وبعد الاتفاق على هذا العدد الهائل من المشاريع المصرية التي ستقام في العراق، سيكون السوق العراقي في حاجة ماسة إلى العمالة المصرية المدربة والماهرة، والتي لها تاريخ وخبرة في مجال البناء، لذلك نتوقع إلحاق مليوني عامل مصري بالمشاريع المصرية في العراق، خاصة بعد عودة العمالة المصرية من دول الخليج في الفترة الأخيرة بسبب تداعيات جائحة فيروس كورونا".
كانت قد ترأست وزيرة التعاون المصرية رانيا المشاط عدة اجتماعات للجنة المشتركة مع العراق، لبحث سبل وآليات عودة العمالة المصرية إلى الأسواق العراقية.
شملت اجتماعات الشماط مع الوفد العراقي العديد من الأمور الهامة الأخرى التي من خلالها سيتم تسهيل النشاط التجاري والاستثماري بين البلدين، يقول مصدر في وزارة التجارة العراقية لـ"عربي بوست": "تم التوصل مع الحكومة المصرية إلى إنشاء منطقة لوجستية لتخزين ومرور البضائع المصرية، على الحدود العراقية الأردنية، لضمان أمن وحرية انتقال البضائع المصرية إلى الأسواق العراقية".
تعميق التعاون العسكري بين البلدين
لم تتوقف مصر عن تعزيز علاقاتها الاقتصادية بالعراق فحسب، بل واصلت تعزيز تعاونها العسكري مع الجانب العراقي، ففي شهر ديسمبر/كانون الأول أعلن وزير الدولة المصرية للإنتاج الحربي، اللواء محمد أحمد مرسي، خلال اجتماع عقده مع وزير الصناعة والمعادن العراقي، منهل عزيز، استعداد بلاده لتطوير الصناعة وإنشاء خطوط إنتاج كاملة في العراق.
كما زار وزير الدفاع العراقي، جمعة عناد، مصر في الأسابيع القليلة الماضية، والتقى بالرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، الذي أكد على أن بلاده حريصة على التعاون مع العراق في كافة المجالات لاسيما العسكرية.
مصدر في وزارة الدفاع العراقية يشرح لـ"عربي بوست" ما دار خلال هذه الاجتماعات، فيقول: "أعلنت مصر أنها ترحب بكافة أنواع التعاون العسكري مع العراق، مؤكدة أنها لا تريد سوى الثقة المتبادلة بين شعبين شقيقين، كما أنه من المتوقع أن يرسل العراق ضباطاً عراقيين لمصر لتلقي العديد من التدريبات في الأيام المقبلة".
ويضيف المصدر أن وزير الدفاع العراقي قام بزيارة الهيئة العربية للتصنيع، واتفق المسؤولان على مشاركة الهيئة في المشاريع المصرية الجارية في العراق، يقول المصدر العراقي: "طلب رئيس الهيئة العربية للتصنيع من الوفد العراقي إرسال الموظفين العراقيين للتدريب داخل الهيئة، ووافقت الحكومة العراقية على هذا الأمر".
منافسة إيران وتركيا
بالرغم من أن هذا التقارب المصري العراقي يلقى قبولاً من الحكومة العراقية وبالأخص رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي أعلن منذ اليوم الأول لتوليه منصبه، العمل على انفتاح العراق على الدول العربية، إلا أن هناك رفضاً لهذا التقارب بين العديد من الأوساط السياسية العراقية خاصة المقربة من إيران.
سياسي شيعي بارز يقول لـ"عربي بوست": "هذا التقارب مع مصر يأتي في إطار منافسة إيران وتركيا، فقد أعلنت تركيا العام الماضي أنها تسعى لاستثمار مليارات الدولارات في إعادة إعمار العراق، كما أن الأسواق العراقية تعتمد بشكل كبير على السلع الإيرانية"، ويرى أن هناك نية أمريكية من وراء هذا التقارب بين العراق ومصر، إذ يرى أن ترامب "خطط لهذا الأمر قبل رحيله".