كشفت صحيفة The Washington Post الأمريكية، الخميس 21 يناير/كانون الثاني 2021، عن هجوم إلكتروني كبير تعرَّض له الفيلم الوثائقي الاستقصائي The Dissident (المنشق)، الذي يسلط الضوء على جهود قمع حرية التعبير في السعودية، وحادثة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في سفارة بلاده عام 2018.
تشير الصحيفة إلى أن صانعي الفيلم قد رصدوا 500 تقييم سيئ من الجمهور، من إجمالي 2400، قد تدفقوا على موقع تقييم الأفلام الشهير Rotten Tomatoes خلال يوم واحد، وهو 12 يناير/كانون الثاني، تسببت في تهاوي نسبة قبول الفيلم من فوق 95% إلى 68% فقط.
يعتقد القائمون على الفيلم أن هذه الآراء السلبية تأتي من مُتصيِّدين يعملون لصالح الحكومة السعودية لخلق إحساس مزيف بعدم رضا عام عن الفيلم.
موقع الأفلام IMDb شهد أيضاً 1175 تقييماً بنجمة واحدة يوم السبت، في حين أنه في الشهر السابق، نادراً ما جمع الفيلم أكثر من بضع عشرات من هذه النتائج في اليوم الواحد، إلى جانب أنَّ العديد من المستخدمين أعطوه أعلى تصنيف (10 نجوم).
ورداً على طلب تعليق من صحيفة The Washington Post الثلاثاء 19 يناير/كانون الثاني، أقرّ المتحدث باسم Rotten Tomatoes، تايسون رينولدز، أنَّ الشركة تشتبه بوجود تلاعب في التقييمات.
وقال رينولدز: "بناءً على التحليل الأخير، تبيَّن أنَّ هناك محاولات مُتعَمدة للتلاعب بنتيجة تقييمات جمهور الفيلم". وأشار إلى أنَّ الشركة "ستزيل التصنيفات المُفبرَكة من نظامها، وقد تستمر في فعل ذلك كلما اكتشفت وجود مثلها". وحتى بعد ظهر الأربعاء 20 يناير/كانون الثاني، بقي تقييم الجمهور عند 68%، بناءً على 2387 مراجعة. ولم يتغير خلال يومين على الأقل.
وفي هذه الأثناء، ولفترة طويلة منذ صدوره، حصل The Dissident على علامات عالية على موقع IMDb، إذ منحه أكثر من 5000 مستخدم، من أصل 9200 مستخدم، 9 أو 10 نجوم، ولم يمنحه نجمة واحدة سوى 700 مستخدم فقط. لكن ابتداءً من يوم السبت، ارتفعت التقييمات ذات النجمة الواحدة إلى 1175 تقييماً، وتمثل حتى الآن 20% من جميع تقييمات الجمهور.
أسلوبهم أثبت مصداقية الفيلم
في هذا الصدد، علَّق ثور هالفورسن، المؤسس والرئيس التنفيذي لمؤسسة Human Rights Foundation غير الربحية، التي موَّلت الفيلم: "لقد أثبت السعوديون موضوع الفيلم؛ هم في الواقع لديهم جيش" من المُتصيِّدين الإلكترونيين.
وأضاف هالفورسن أنَّ جهود التصيد يمكن أن تهدد المكانة العامة لفيلم The Dissident، واحتمالية أن يشاهده الأمريكيون؛ إذ تحمل مواقع تقييمات الأفلام أهمية بالغة للعديد من الأفلام الوثائقية السياسية، التي لا تتمتع بميزانيات تسويقية ضخمة؛ ومن ثم تعتمد بدرجة كبيرة على ضجيج التسويق الشفهي أو الزخم الذي يمنحه لها تعليقات المشاهدين.
يُشار إلى أن الفيلم الذي أخرجه براين فوغيل، صاحب فيلم Icarus الحائز على جائزة الأوسكار، قد تضمن انتقادات لاذعة لحكومة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على خلفية مقتل الصحفي في The Washington Post جمال خاشقجي.
كانت المرشحة الرئاسية ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، قد دعت عشرات الملايين من متابعيها، الثلاثاء 12 يناير/كانون الثاني، إلى مشاهدة فيلم "المنشق" الوثائقي.
كلينتون وعلى حسابها في تويتر الذي يتابعه 30.3 مليون شخص، قالت في تغريدة: "إذا لم تكن شاهدت بعد فيلم المنشق، فآمل أن تفعل. إنه وثائقي قوي بشكل لا يصدق حول اغتيال الصحفي جمال خاشقجي على يد الحكومة السعودية، وهو متاح للمُشاهدة الآن".
فيلم اغتيال خاشقجي
وبدأ عرض الفيلم الوثائقي The Dissident (المنشق)، الجمعة 8 يناير/كانون الثاني 2021، إذ حصلت عليه أخيراً شركة التوزيع المستقلة Briarcliff Entertainment، في صفقة أبرمتها خلال سبتمبر/أيلول 2020، وذلك بعد رفض عرضه على منصات بث عالمية مثل "نتفلكس" أو "أمازون برايم".
بحسب ما نشرته شبكة NBC News الأمريكية في وقت سابق، فإن مخرج الفيلم براين فوغيل يشعر بأن فيلمه الوثائقي "القوي" لن يلقى رواجاً كبيراً، وناشد أثناء تصوير الفيلم شركات الإعلام ألا تخاف، وقال: "أكبر أحلامي هو أن تتصدّى شركات التوزيع للسعودية".
لكنه صرّح خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2020، بأنه وبعد عناء استمر 8 أشهر، وجد شركة لعرض فيلمه، لكنها مستقلة ولا تملك منصة بث عالمية.
والاستقبال الفاتر الذي لقيه فيلم اغتيال خاشقجي من شركات الإعلام الأكبر، ليس بسبب سوئه، كما يقول تقرير نشرته شبكة NBC News الأمريكية؛ إذ إنه حصل من النقاد على تقييم 97% في موقع Rotten Tomatoes، وعلى 99% من الجمهور أو عدم أهميته؛ وإنما بسبب علانيته في انتقاد السعودية.
ويعرض الفيلم مقاطع صوتية تسجل اغتيال خاشقجي، ومقابلات مع خطيبته خديجة جنكيز، ومع السلطات التركية، ومحققين من الأمم المتحدة، وتفاصيل عن جهود الاختراق من جانب السعودية، وضمن ذلك تسريب مكالمة تليفونية لمؤسس شركة Amazon جيف بيزوس.
كانت خطيبة خاشقجي قد قالت في وقت سابق: "آمل أن يُبقي هذا الفيلم اسم جمال وحياته وقيمه حية. آمل أن يطرح الناس المزيد والمزيد من الأسئلة".
جدير بالذكر أن فيلم اغتيال خاشقجي عُرض في مهرجان "صن دانس" السينمائي، وحقق ردود فعل كبيرة.
مقتل خاشقجي
قُتل خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، عن عمر ناهز 59 عاماً، في قضية هزت الرأي العام الدولي، مع اتهامات تنفيها الرياض بأن ولي العهد محمد بن سلمان هو مَن أصدر أمر اغتياله.
لم يعثر بعد على رفات خاشقجي الذي كان يكتب في صحيفة واشنطن بوست، وأغرقت قضية مقتله السعودية في إحدى أسوأ أزماتها الدبلوماسية، لاسيما أن الرياض قالت إن الصحفي قُتل خلال عملية غير مصرح لها، لكنَّ مسؤولين أتراكاً وأمريكيين يرون أن الاغتيال ما كان لينفذ من دون موافقة محمد بن سلمان.
تقول الوكالة الفرنسية إن محاكمة غير شفافة أُجريت في السعودية، وحُكم في نهايتها على خمسة أشخاص بالإعدام، لكن أحكامهم خففت في أيلول/سبتمبر للسجن 20 عاماً.
من جانبها، أصدرت تركيا عشرات لوائح الاتهامات لسعوديين على صلة بمقتل الصحفي خاشقجي، وكان لمقتل الصحفي دور كبير في تدهور العلاقات بين الرياض وأنقرة.